بعد ارتفاع أسعار الذهب .. الزواج من فضة

الشبكة من الفضة
الشبكة من الفضة

آية فؤاد

خلال الآونة الأخيرة زادت تكاليف الزواج بشكل ملحوظ، نظراً للظروف الاقتصادية التى يمر بها العالم بعد أزمات متتالية، والتى تسببت فى غلاء المعيشة وقلة فرص العمل للشباب وارتفاع سعر الدولار، الذى تسبب بدوره فى ارتفاع سعر الذهب، وغيره من الأغراض التى تدخل فى تجهيز منزل الزوجية دفع المواطنين لاسيما المقبلين على الزواج لمحاربة الغلاء بالاستغناء، وأطلقت بعض المحافظات مبادرات لمكافحة ارتفاع تكاليف الزواج وتيسيره ومنها أن تكون الشبكة من الفضة وليس الذهب، والاستغناء عن بعض المتطلبات الأخرى التى لا يُستفاد منها مثل "النيش" والتكاليف المبالغ فيها لإقامة حفل زفاف.

تفاعل المواطنون مع مجموعة من المبادرات التى ظهرت فى بعض المحافظات لمواجهة ارتفاع الأسعار والمغالاة فى متطلبات الزواج، وكانت البداية من الصعيد حيث ظهرت فى محافظة سوهاج مبادرة تدعو لخفض جرامات الذهب، والاكتفاء بـ20 جرامًا فقط، بجانب إلغاء بعض المظاهر الأخرى التى تحمِّل الشباب المقبل على الزواج فوق طاقته، كما أطلقت محافظة أسيوط مبادرة تدعو إلى إلغاء حفل الزفاف، وأن يكون الحد الأقصى للشبكة 20 ألف جنيه فقط.
فى السياق، ظهرت فى إحدى قرى محافظة الشرقية مبادرة لتيسير الزواج ترتكز على عدم المغالاة فى قيمة الشبكة، والاستغناء عن "النيش"، وفى محافظتى الفيوم والسويس انتشرت دعوات للاعتماد على الفضة كبديل للشبكة الذهب ووضع حد أقصى لها.

وقد تباينت آراء الأهالى حول هذه المبادرات بين مؤيد ومعارض، فمن جانبها ترى أميرة برهان (مُعلمة)، أن تصدُّر الدعوات الخاصة بخفض تكاليف الزواج واستبدال الشبكة الذهب بالفضة، ما هى إلا انعكاس لما يعانيه الشباب عند التفكير فى تأسيس أسرة، ولكننا فى حاجة إلى التوعية بهذه الدعوات ومحاولة تغيير أفكار متأصلة لدى الأهل خاصة فى الصعيد والأرياف عمومًا، حيث الاعتزاز بتقديم جرامات محددة من الذهب وإقامة أفراح مبالغ فى تكاليفها، وقد يستمر لأيام عقد الولائم التى يُنفق عليها آلاف الجنيهات، مشيرة إلى أن هذه التكاليف الباهظة يمكن أن يتم صرفها فى أمور أكثر أهمية أو استثمارها فى شهادة ادخار أو وديعة تعين الشباب فى حياتهم الزوجية لاحقًا.
توافقها الرأى منى رضا (ربة منزل) وتقول: المغالاة فى الزواج أصبحت عادة يتبعها معظم الأهالي، فمن ناحية يرهقون الشاب بشبكة ومهر كبيرين معتقدين أن هذا ضمان للفتاة، ومن ناحية أخرى يبالغون فى تجهيز ابنتهم، فتجد فى جهازها أكثر من نوع من كل غرض، بهدف التباهى أمام الآخرين حتى إن كان ذلك سيعرضهم للاستدانة، فى حين أنه يمكن تجنب ذلك بشراء الضروريات فقط وعدم المقارنة مع الآخرين من حيث التجهيزات لأن الجميع ليس لديهم نفس الإمكانيات المادية.

أما إبراهيم مكى (موظف) فله رأى مختلف، فهو يقيِّم سعى الشاب فى تجهيز منزل الزوجية، وتقديم الشبكة للفتاة التى يرغب فى الزواج منها من منطلق أن ذلك سيجعله بعد ذلك شخصا متحملا للمسئولية، ويكون دافعا له للحفاظ على بيته وأسرته التى بذل ودفع آلاف الجنيهات وبذل مجهودا لتكوينها.

دبلة وإسورة فضة
وقد تصدر ترند الشبكة الفضة مواقع السوشيال ميديا كبديل للشبكة الذهب بعد ارتفاع أسعاره، ولكن هل يتم استبدالها بالفعل أم أنه مجرد ترند؟ يقول ماجد عادل، وهو تاجر وصاحب مبادرة "الشبكة الفضة": أصبح هناك اقتناع من جانب قطاع عريض من الشباب بالفضة التى أصبح لها محبوها لتنوع أشكالها وتصاميمها، وتوفر أطقم كاملة تتكون من خاتم ودبلة وإسورة وحلق وعقد، وأسعارها غالباً تبدأ من 2500 جنيه وهى أسعار فى متناول معظم الشباب.
يتابع: المبادرات التى تدعو للاعتماد على الشبكة الفضة ليست الأولى من نوعها، فقد أطلقنا مبادرة مماثلة قبل ثلاث سنوات، عندما حدثت طفرة مفاجئة فى أسعار الذهب، وبالفعل تفاعل معنا عدد من الشباب المقبل على الزواج، وإن كانت أعداد محدودة، أما حالياً وفى ظل ارتفاع الأسعار فهناك استجابة كبيرة واتجاه من العروسين للشبكة الفضة واقتناع بأنها لا تقل جمالاً عن الشبكة الذهب.

يعجب الزوجة الذكية
وعن عدم المغالاة فى تكاليف الزواج، يقول أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية والاجتماعية، إنه لا علاقة بين تخفيض تكاليف الزواج وتقدير الزوجة، ولكن اختيار الطرف الثانى على خلق واقتناع وتفاهم وتحديد فترة خطوبة مناسبة هذه الأمور أهم من الماديات وهى الضمان الصحيح لحياة زوجية سعيدة، مستشهداً بكثير من حالات الطلاق والخلع والتى تضطر فيها الزوجة  للتنازل عن جميع حقوقها فى مقابل الخروج من علاقة غير سوية، ونظراً للظروف الاقتصادية التى يمر بها العالم بعد أزمة كورونا والتى تسببت فى غلاء المعيشة وقلة فرص العمل كان لابد من تغيير بعض الأفكار والمعتقدات المرتبطة بالزواج والتأقلم مع هذه الظروف والقبول بالمتاح لتجنب عزوف الشباب عن الزواج وزيادة العنوسة وارتفاع سن الزواج.
يضيف: الزواج مؤسسة بين شخصين لا بُد أن يشعرا فيها بطعم النجاح معا فى بنائها وتنميتها، وأن عدم المغالاة فى تجهيزات الزواج فى البداية ما هو إلا تسهيل على الشباب لإتمام الزواج، وعلينا أن نضع فى الاعتبار أن هناك أشياء ضرورية تقع على عاتق الشباب أكثر أهمية من جرامات الذهب مثل مسكن الزوجية وتجهيزه، بالتالى يجب التنازل عن الأغراض غير ضرورية لعدم عرقلة طريق الزواج وبناء الأسرة.

موروثات خاطئة
فيما تقول د. نسرين البغدادي، أستاذة علم الاجتماع، إن هناك معتقدات خاطئة عن التجهيزات الخاصة بالزواج، الذى بات كالسباق فى تكنيز أغراض الزواج من مفروشات وأثاث.. إلخ، رغم أن ذلك سبب أساسى فى وجود مشكلة الغارمين، إلا أن الأهالى لا يزالون متمسكين بعادات الزواج القديمة حتى مع تغير الزمن والظروف الاقتصادية والعبء المادى الذى يقع على كاهل الشباب، فتمسك أهل العروس بتقديم عدة جرامات من الذهب، والمغالاة فى طلب المهر والشقة (القايمة) اعتقاداً منهم أنها طلبات تعزز الفتاة هى أفكار خاطئة، إضافة إلى أنها تضع على عاتقهم عبئًا كبيرًا عند تجهيز ابنتهم، كوجود أجهزة كهربائية بجميع أنواعها فى عش الزوجية دون فائدة، أو كشراء أعداد كثيرة من كل غرض.

خير الزواج أيسره
من جانبه، يؤكد د. سيف رجب، أستاذ الفقه المقارن والعميد السابق لكلية الشريعة والقانون بطنطا أن المغالاة فى تكاليف الزواج والإثقال على الشباب بمتطلبات كثيرة يمكن الاستغناء عنها يعد عرقلة لتطبيق سنة وحلال أباحه الله عز وجل، بالتالى فهو أمر حرام شرعاَ، فقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم): "خير النكاح أيسره"، ويسّر الشرع الزواج لأنه نداء للفطرة التى خُلق عليها الإنسان، والتى طبقت فى صورة الزواج حفاظاً على الخلق وعلى الفرد والمجتمع، ولا يغفل عنا قصة المرأة التى جاءت إلى رسولنا الكريم ووهبت نفسها له فلم يرضَ الرسول أن يتخذها زوجة، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجها لي، فقال: "فهل عندك من شيء؟"، فقال: لا والله يا رسول الله! فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انظر ولو خاتمًا من حديد"، فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولشدة رغبته فى الزواج عرض على رسول الله  صلى الله عليه وسلم ـ أن يكون إزاره صداقًا لها، فلم يقبل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ لكونه لا يملك غيره.
فسأله النبى صلى الله عليه وسلم عما يحفظ من القرآن غيبا عن ظهر قلب، فأخبره الرجل بما يحفظ، وعندئذ قبل رسولنا الكريم بأن يزوج له المرأة، وجعل صداقها أن يعلمها الرجل ما يحفظ من كتاب الله تعالى، وهو ما يوضح أن المهر ولو كان خاتمًا من حديد فهو لن يقلل من الزوجة فى شيء، ولكن الأصل هو أن يكون الزوج على خلق ودين.

أقرأ أيضأ : برلمانية تقترح مساهمة الزوج في صندوق الأسرة بـ10 أضعاف القيمة القديمة| فيديو