صاحب تجربة الإمساك بالجنون: أردتها رواية حزينة..فجاءت ساخرة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بقلم : محمد سرساوى

يجيد الأديب «مينا عادل جيد» رسم ملامح شخصيات أعماله، ويصنع لها تاريخًا ذاتيًا، وهذا ما يتضح فى روايتيه: «بيت المساكين» و»جزيرة..إلخ إلخ»، ويقول «مينا» عن ذلك: فى البداية لابد من هذا الاعتراف؛ بعد الانتهاء من كتابة المسودة الأولى أقرأ رواياتى بصوت عَالٍ.

لأضمن أنها مثل الطريقة التى أتكلم بها، وكل المسودات تسعى غالبًا إلى تحقيق هذا الهدف، وقدرة على الإقناع الفنى فى رسم الشخصيات، وهى فِطْرِية، لكنى طورتها، وعلى سبيل المثال حين يحكى لك صديق عن مديره فى العمل، كم هو طيب، أو كم هو متعب، وقبل أن يسرد لك موقفًا ما حدث معه فى الصباح.

وأنتم على المقهى فى الليل، هل سيقول لك: مديرى الذى أنفه معقوف، ووجهه مستدير، وأصابعه غليظة خصم لى يومِين، لأننى جئت إلى العمل متأخرًا؟ لا هذا مضحك للغاية، بل غالبًا لن يذكر صديقك شكل مديره أو سيذكر صفة واحدة مهمة فى شكله أو شخصيته.

ولها دور فعال فى القصة التى سيحكيها، وإلا ستكون قصته مبهمة، أو بها تفاصيل زائدة ومضحكة، وكذلك أحب الشخصية الفنية حين تصفها أفعالها، وأذكر من صفاتها ما يخدم دورها الفنى فقط.

وأترك فراغات فى النص للقارئ يضع هوملامح الشخصية-على سبيل المثال- بملامح أسوأ شخصية يعرفها، إذا كان مديرًا سيئًا، وأرق ملامح يعرفها إذا كانت قصة مدير طيب، لأن القارئ شريك، وعنده خيال أيضًا، ولو كان المؤلف هو أول من أبدع الرواية، فالقارئ- عبر قراءة واعية- هو من يبدعها ثانية.

وإلى الأبد، القارئ يقرأ لأنه يريد أن يعبر هو الآخر، وتعبيره يجئ عبر من يعطيه طرف الخيط ليعبر فى خياله، يخرج فيلمه فى آلة السينما الذكية الخالدة وهى عقل الإنسان. وروايته «جزيرة.. إلخ إلخ»- الصادرة مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية- تحكى عن «طفو».

ويعيش فى جزيرة، جميع سكانها توائم ملتصقة؛ هيئتهم عبارة عن رأسين فى جسد واحد، ويكتشف «طفو» مادة غريبة الشكل، يحاول أن يعرف ما هى؟، تبدأ رحلته فى البحث لمعرفة السر المختبئى داخل المادة، ويحدثنا «مينا» عن روايته الجديدة فى السطور التالية:
فى روايتك الأولي، ترصد تجربة واقعية، لماذا قررت أن تكون روايتك الثانية فى إطار «فانتازي»؟
لم أقل قبل كتابتها سأكتب رواية فانتازيا (إذا كان طبعًا هذا هو التصنيف الصحيح لروايتي)، هى من اختارت ذلك، ولكن كان لدى دافع فنى فى الأساس، أردت أن أختبر قدرات خيالى بلا أية ضوابط أو حواجز، وأشيد عالمًا من الكلمات، أسمع فيه صوتى الفنى بوضوح.

وأكون أنا فيه السيد المطلق، رغبت فيها فى أن أسخر من كل القوالب الفنية، واللغة الروائية الجامدة «الكلاشيه»، اهتممت بلا معقولية الإنسان أكثر من معقوليته، وحاولت الإمساك بالجنون ووضعه فى إطار، بين دفتى كتاب، والسخرية من نفسى قبل الجميع، «جزيرة إلخ إلخ» هى أبعد نقطة فى أعماقى قدرت على أن أطولها حَالِيًّا.


كيف جاء اختيارك للتوائم الملتصقة ليكونوا أبطال روايتك؟
ربما لأننى وحيد، جائت الومضة الأولى فى بداية ،2021 حين تأملت رأسى على الوسادة، وجدتها بمفردها، تأملت الوحدة لأول مرة بعدما استفحل وباء كورونا، وتمكن من عقلى وعقل البشرية.

ورغم أننى لم أصب ولا مرة بالفيروس، ورغم أننى لا أعانى من هواجس الأمراض، إلا إننى لا يمكننى تجاهل إن روايتى لا ولن تكون موجودة إلا بسبب جائحة كورونا العالمية وتبعاتها من عزل، وبقاء فى المنزل، وحظر للتجوال، وخوف وصل إلى حد الهلع من الآخرين، ومن أقرب الناس.


 دُهِشَ القارئ حين انتهى من الرواية، ووجد النهاية مبتورة فما تعليقك؟
إجابتى عن هذا السؤال ربما تكون صادمة، وهى فى جزءين، أولًا هذه النهايات المبتورة تليق بالشخصيات التى تبحث عن الوهم، أو تبحث عن غاية، وهى تمشى بجوارها ولا تراها، لا نهاية، دوامات من السعي، النسيج التكرارى للرواية هدفه الأساسى أنها بلا نهاية.

والجزء الثانى من الإجابة لأننى مللت من اللعبة، فى كل جزء من الأجزاء الثلاثة حين أمل أنهي، وإلا سيكون القادم تأليفًا، نعم التأليف أنواع، أؤلف وأنا مستمتع ومصدق، يختلف عن التأليف لصناعة شكل فنى معروف ومتفق عليه من أجل أسباب شعبوية أو تجارية.

هذا الأخير مزيف وممل وعتيق وليس فيه حياة، وأنا ما زلت طفلاً ملولًا جِدًّا، حين أفقد استمتاعى بالشخصيات، أبتدع شخصيات جديدة للعبة جديدة. إذا كان المؤلف نفسه مل، فلماذا يتمادى ويثقل على القراء؟
 تعامل أبطال الرواية مع الإنسان الطبيعى كأنه كائن فضائي، فمتى يصير الإنسان كائنًا خرافيًا؟
على الإنسان أن يتوقف عن غروره، وظنه بأنه أفضل «موديل» لكائن حى موجود على الأرض، هل فكرنا قبل ذلك كيف يرانا الفيل ونحن نعيش بلا « زلومة »؟ بالتأكيد يرانا مسوخا، أعرف قصة عن الصراصير، لا أعلم إن كانت علمية أم مختلقة ولكنها موحية، وهى أن الصرصور حين يلمس إنسانًا يتوقف ليمسح يديه من أثر لمسنا، فيا لغرور الصراصير.


 لما استخدمت تقنية السخرية والفكاهة فى الرواية؟
 لا أعرف؛ كنت أرغب فى كتابة رواية حزينة، فجاءت لا تخلو فقرة فيها من سخرية، وهذا مازال سرًا محيرًا لى أنا نفسي، ومنتظرا أن يفك شفرته أحد النقاد.


ما مشروعك الإبداعى القادم؟
رواية قصيرة «نوفيلا» استوحيتها من تصريح ظريف لنقيب سابق لإحدى النقابات الفنية فى مصر.

اقرأ ايضًا | إسراء النمر تكتب.. مؤتمر أدباء مصر يُبعث من جديد