صاحب السيدة الزجاجية: قدمت أم كلثوم الأخرى فى روايتي!

الأديب عمرو العادلي
الأديب عمرو العادلي

ينتزع الأديب عمرو العادلي أبطال عوالمه  من عالم الحكاية الشعبية، وهذا ما ظهر فى رواياته: "إغواء يوسف" و"اسمى فاطمة" و"رحلة العائلة غير المقدسة" و"الزيارة"، ويتواصل ذلك فى أحدث  رواياته: "السيدة الزجاجية" التى تحكى عن فتاة تعمل فى السيرك تهرب مع حبيبها ويتزوجا وينجبا طفلا ذا رأس ضخمة، وجسد ضيل، فتحاول الأم وابنها أن يواجها معا قسوة الحياة، ويقول العادلى عن روايته الصادرة عن دار الشروق:  من الشخصيات التي يعج بها المجتمع المصري، لاسيما في الأسواق والريف والنموذج المنتشر في المصانع، العاملات والبائعات والأرامل والمطلقات، المرأة المصرية صبورة بطبعها، وكل ما فعلته أنني فقط سلطت عليها الضوء، لكن بذرة هذه الرواية تحديدا اعتمدت على قصة واقعية، يمكنني القول بنسبة 20%، وقد كانت بنفس الاسم "أم كلثوم" وقد كتبت اسمها كاملا في الإهداء، و تدفق هذا الحوار التالى:

- كيف تحول الشخص العادي إلي كائن أسطوري فى "السيدة الزجاحية"؟


* الأساطير ممتدة حولنا بطول الحياة وعرضها، فأغلب حكاياتنا تنتصر لما هو أسطوري، وأغلب تصوراتنا عن الواقع تعتمد بالأساس على جانب كبير أسطوري، لم يترك الإنسان الخرافة كما يقول رواد عصر العقل والمنهج العلمي، لكن فكرة أن الإنسان كائن سيبقى قليلا فوق هذه الأرض، ثم يمضي هي فكرة أسطورية، و"ثومة" تحولت إلى أسطورة ليس لأنها فعلت أشياء خارقة، على العكس من ذلك، بل لأنها كانت تسعى إلى أن تكون إنسانة طبيعية بسيطة، حاولت أن تتعايش مع بيئتها، لكنها لفظتها، وظلت رحلتها هكذا حتى وصلت إلى ما انتهت أحداث الرواية.

-  كلما ذهبت بطلتك إلى مكان خراب، ازدهر فجأة، فهل الإنسان يستطيع يغير الواقع بهذه السرعة؟


* في المطلق لا يستطيع الإنسان ذلك، لكن في حالة "ثومة" فقد حاولت بالفعل السعي إلى تغيير واقعها، وقد تحسن كل مكان ذهبت إليه وتطور، فقد تعلمت الصيد وتفوقت فيه وأجادت العمل في عشة لعمل الشاي، وجعلتها مطعما يشتهر في القرية كلها، ثم ما لبثت أن تعلمت الزراعة عندما اضطرتها الظروف إلى ذلك، حتى العمل في المصنع فقد تفوقت فيه على قريناتها، لكن لظروف خارجة عن إرادتها تركت العمل ثم عادت إليه مرة أخرى عندما احتاجت إلى المال، وقد كان من الممكن أن تعمل مع زوج أمها وأختيها وتعيش مرتاحة البال، لكنها رفضت، لأن شخصيتها مختلفة، وطبيعتها أبت أن تتمايل وترقص للزبائن كي تفوز بالمال.

- 'بطلة العمل كانت تعمل في سيرك، فهل يرمز هذا إلى أن الحياة مجرد سيرك كبير؟


*السيرك هو الإطار العام للرواية بشكل أساسي، فكل شخصية تريد أن تكون "حلوة" من وجهة نظر باقي الأبطال، زوج الأم يريد أن يقدم عرضا للأب الذي يخاف على بناته، لكنه في الحقيقة يقدمهن إلى الزبائن بشكل فج وصريح دون مواربة، و"ثومة" تقدم عرضها في محبة الوحدة والانزواء بعيدا عن الجميع، والحاج "سلمان" يقدم في السيرك عرض الزوج المخلص الصبور على زوجته، و"عبده" زوج لوزة يقدم عرضا يناسب احتياجه الدائم للنساء، و"سعد" قدم عرضه طوال الرواية بقدم واحدة، لكنه في نهاية العرض رأيناه يسير بقدمين. 

- لماذا اخترت أواخر الستينات والسبعنيات من القرن الماضي زمنا للأحداث؟


* لأنها فترة تغير فيها المجتمع المصري من مجتمع طبيعي إلى صناعي، وبدأت النزعة الاستهلاكية في الاستحواذ على فكر الناس، وهي أيضا المرحلة التي تحولت فيها الأرض الزراعية إلى أراض مبان، وأصبح العمل في الأرض يقابله العمل في المصنع، لذلك فقد كانت تلك المرحلة التاريخية مناسبة تماما للأحداث.

- تحكي في روايتك عن طفل مولود براس كييرة وجسد ضئيل،كما تحدثت في روايتك "الزيارة" عن رجل فقد رأسه فما سر انجذابك مثل هذه الشكل الشائه؟


* أنا مهتم بشكل كبير بفكرة الجسد مقابل الروح، فلا روح تحيا وحدها في الدنيا بلا جسد، إي أن وجود الروح مرتبط بوجود جسد يتحرك معها، وعندما يعطب هذا الجسد لسبب أو لآخر فإن الروح أيضا يحدث لها نفس الشيء، في الزيارة اهتممت بفكرة تجميع الجسد مرة أخرى، وفي رواية "السيدة الزجاجية" شغلتني فكرة التشوه الجسدي، ومدى لفظ المجتمع له، حتى ولو أبدى الجميع تعاطفا ما، ولكنهم في النهاية لا يتقبلونه.

- -تمتلئ الرواية بأحداث عديدة مأساوية ألا يعد ذلك قاسيا علي القارئ؟


* حبكة الأحداث فرضت عليَّ ذلك أثناء كتابة الرواية، فالنتخيل مثلا أن ثومة عاشت حياة رغدة بعد أن ضحكت لها الدنيا؟ أنا أعتبر هذا المسار خيانة للنص وانتقاص منه، لأنه غير متسق مع طبيعة الشخصيات ولب الفكرة، ولو أن سعد كان رجلا شهما ووقف بجوار آدم، هل سيخدم ذلك المسار الرواية؟ أتصور أنه كان سيضر بها ويلحق بها خللا جسيما، وأتصور أن الشخصيات أحيانا تفرض سلوكها حسب المسار الذي اختاره لها الأديب، فلماذا لا ننظر إلى نهاية الرواية على أنها تخليد لأم كلثوم وليس نهاية مأساوية؟ فقد أصبحت في النهاية أيقونة لفكرة ما. 

- تقوم بمزج الخيال بالواقع من أين تستمد ذلك؟


* من الحياة، لأن أحلامنا خيال، وهواجسنا خيال، بل أن حياتنا الواقعية نفسها تتحول إلى خيال عندما نحاول حكي القصة الواحدة مرتين، الذاكرة تخون أصحابها بشكل مستمر، لذلك خلق الله التدوين، وكل ما كان خيالا في القرون السالفة من صعود القمر والطائرات والغواصات أصبح واقعا، حتى أننا نسينا أنه كان في بعض مراحل التاريخ مجرد خيال في خيال.