نهلة إمام تكتب: عيد الميلاد.. موسم المعجزات

اللوحة للفنان: أميا القشطة
اللوحة للفنان: أميا القشطة

ومن منا من لا يطلب من الرب؟ فلديه الحلول وعليه تحقيق الأمانى وإليه يلجأ الجميع فى الخروج من الأزمات كبيرها وصغيرها، ولما لا وكان ميلاد المسيح المعجزة الأولى وتتوالى المعجزات وتنسحب سمة تحقيق المعجزات لتصل الى قدرة يمتلكها السيد المسيح عليه السلام ومن بعده إلى القديسين، ومازال المصريون يؤمنون ايماناً راسخاً بقدرة القديسين على تحقيق المعجزات ويجعل الكثيرون منهم كل لنفسه قديس يحمله آماله وآلامه ويذهب اليه طالباً طلبات محدده ويعود إليه شاكراً عند تحقيق رغباته التى يصفها بأنها «معجزة».


هى معجزة فى نظر المعتقدين مهما صغرت، فالعثور على  ورقة أو محفظة مفقودة يتساوى مع الشفاء من مرض خبيث، كلها معجزات يحرص الأقباط على تداولها وتدعم وجودها واستمرارها المؤسسة الدينية الرسمية ولا يتخذ الدين الرسمى من المعتقد الشعبى موقفاً سلبياً بل على العكس يؤيده وينقل رواياته من جيل إلى جيل، ويتخطى النقل الشفاهية لتدون المعجزات كبيرها وصغيرها فى كتيبات تحمل بين دفتيها عالم مثير من المعجزات بعضها للسيدة العذراء  سيدة المعجزات أم النور التى تناصر المظلومين وتحقق رجاءهم ثم قديسين يذهب الأفراد إلى الاديرة لطلب شفاعتهم أو يحتفظون بماء أو زيت أو صورة منهم تعينهم على تحمل آلام الحياة وتنقذهم من مصاعب الدنيا. فأصل المعتقد هو خليط من المعتقد الدينى مع رواسب أسطورية مع مكتسبات الثقافة الآنية منتجين معتقد قادر على أن يحيا فى نفوس الأفراد، فنقف فى تاملنا فى هذا المقام على أنها معتقدات شعبية راسخة منتشرة جديرة بالدرس بعيداً عن البحث عن النقطة الصفرية للمعتقد فهى قديمة قدم البشرية، وارتحلت وتنوعت من أساطير الأولين لتمتزج ببعضاً من المعتقد الدينى مع كثير من الخيال الذى يصيب أرضاً معدة سلفاً وجاهزة لنمو المعتقد واستقراره.

ولعل ما يرويه الأقباط، وما تحمله كتب التراث الاسلامية والقبطية ومدونات المؤرخين من وقائع خرجت عن المألوف بفضل قديسين، يظل يطرح المعتقد ويثير شهية الباحثين لسبر اعماق معتقد ممتد لم يخفت يوماً.

ولعل معجزة الظهور هى أكثر المعجزات شهرة التى يعرفها الجميع مسلمين وأقباط، وعلى رأسها ظهور السيدة العذراء المتكرر والذى كان أشهره ظهور كنيسة الزيتون فى ابريل 1968، والذى أثار المجتمع المصرى بأسره حتى قيل أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حرص على أن يشاهده بنفسه ليتأكد ومكث فى منزل مقابل للكنيسة حتى شاهده.

ولعل فى تخصيص مانشيتات الصحف للظاهرة والتى أخذت شكل الخبر الذى لا يحتمل أى شك دليل على انتشار المعتقد وتبنيه وتتوالى الظهورات ويظهر القديسون للناس ليطمئنوهم إلى وجودهم معهم ومنهم مارجرجس بحصانه.


والاعتقاد فى حدوث المعجزات لصيق بالقبطى منذ دخول المسيحية إلى أرض مصر وحكايات المعجزات التى حدثت مع الولاة والحكام كثيرة ومن أشهرها مثلاً حكايات متداولة ومدونة عن الخليفة الآمر بأحكام الله 1102-1131 الذى كان يزور بإستمرار الرهبان المسيحيين ويقيم فى ضيافتهم.

وكان كثير التردد على دير ناهيا بالجيزة وكان يبيت فى ضيافة الرهبان عدة ليال بسعادة وحب كبيرين، وعاين بنفسه معجزات وعجائب كثيرة تمت ببركة شفاعة السيدة العذراء. ففى الأثر يٌحكى انه قد شب حريق فى مكان إقامته بالدير وحاصرته النيران هو وبعض رجاله وتوسل الرهبان إلى البتول الطاهرة تحت أيقونتها داخل الكنيسة.

وإذا بالنار المتوهجة تنطفئ فجأة بين ذهوله هو ورجاله. وأنه ذات مرة كان أحد رجاله يشرب من البئر فسقط فيها واختفى فى الاعماق تماماً فصلى الرهبان طالبين شفاعة العذراء لإنقاذه فظهر على الفور ونجا. 


وصار الخليفة بعد ذلك فى أكثر أموره يطلب شفاعتها ويقف كثيراً عند أيقونتها ومن شدة إعجابه بالسيدة الطاهرة، وحبه للرهبان وهب الدير ما يقرب من ثلاثين فداناً لتوسعته. ومنها ما يحكى عن معجزة نقل جبل المقطم الشهيرة فى بطريركية البابا إبرام بن زرعة فى عهد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله وهى معروفة بالتفاصيل للجميع.

وفيها ظهرت السيدة العذراء للبابا وهدته إلى سمعان الخراز وتمت المعجزة العجيبة وذُكر أن الجبل أنتقل أمام الخليفة كدليل على صدق الكتاب المقدس المسيحى وعظمة المسيحية، وبعد ذلك منح المعز للبابا كل ما طلب وأذن له ببناء كنيسة أبو سيفين.

وأبدى سماحة كبيرة تجاه المسيحيين وخاصة الرهبان بالاديرة، وعشق المعز الأديرة وتنقل بينها وكان يقيم بها أياماً كثيرة وكان وهو الخطيب البارع الذى يستذرف الدموع من عيون سامعيه يبكى، وينتحب أمام أيقونات السيدة العذراء ويلتمس منها البركة والعون والعزاء فى الشدائد والملمات.


 ويحكى الإخباريون عن تلك المعجزة حتى يومنا هذا ويرجعون تحققها إلى أنهم صاموا من أجل نقل الجبل جميعاً، حتى الأطفال الرضع والحيوانات عملوا على أن يضموهم إلى هذا الصوم حتى انتقل الجبل.


وهكذا يمكن تفسير تغير أحوال الافراد من حال إلى حال فى بعض الأحيان دون وجود أسباب عملية لهذا التحول على أنها «معجزة « حتى وإن كان من وجهة نظر أصحابها فقط. فهى بالنسبة لهم معجزات بالرغم كونها مطالب صغيرة أو دلائل بسيطة على وجود قوى غيبية تساندهم.

وتسد لهم الإحتياجات التى تبدو أولية لكنها كانت حيوية فى حياتهم، وباستقراء تلك «المعجزات « يتضح إن الشفاعة كانت فى مطالب متواضعة ولكنها حققت حالة من الرضا والإشباع النفسى للطالب مما جعل من الحدث «معجزة « تستحق التسجيل وإخبارها للأخرين لتفعل مفعولها فى تثبيت المعتقد وتوطينه.

وكم المعجزات التى تنتمى إلى تلك الفئة كبير جداً وتظهر بغزارة فى الحياة اليومية للأفراد فى مشكلات بسيطة تواجههم ولكنهم يطلقون بثقة على الحل الذى يظهر « معجزة «، ولا يستطيع أى تحليل أن يُخرج تلك الأحداث من كونها معجزة حسب توصيف أصحابها أو أن يطلق عليها حكم قيمى.

وحكايات الناس عن المعجزات كثيرة ومتواتره وجديرة بالتأمل والاستنطاق اذا كنا نريد ان نفهم الشعب المصرى فهماً صادقاً وجمعها يسير سواء من المدونات او من معتنقيها وتحليلها واجب على المؤسسات البحثية ان تضطلع به، واعرض هنا لنماذج بسيطة من تلك الحكايات.


«كان معى إبنى الصغير وقد اصيب بمرض الصرع وذهبت إلى كثيرين من الأطباء تخصص أمراض عصبية ولكن لم يجدى العلاج بنتيجة وقد نصحنى أحد الأطباء الأتقياء بأن أذهب إلى كنيسة القديس القس عبد المسيح المقارى، وفعلاً ذهبت إلى هناك ووضعت الطفل على مزار القديس لكى ينعم بالشفاء.

وكان معى أثناء ذهابى إلى هذا المكان مبلغ أربعة وعشرون جنيها وضعت فى السيارة بنزين بأربعة عشر جنيهاً وتبقى معى عشرة جنيهات وأردت أن أضع أى مبلغ فى الصندوق الخاص بالعطايا ولم أجد سوى العشرة جنيهات ففكرت كثيراً أن لا أضعها وأخيراً وضعتها وأنا غير راض.

وبعد رجوعى إلى المنزل وضعت يدى فى جيبى لأخرج مفتاح المنزل وإذ أجد مفاجأة لقد وجدت العشرة جنيهات بنفس التطبيقة التى وضعتها فى الصندوق فى الكنيسة وأصبحت فى حالة ذهول كيف تأتى العشرة جنيهات مرة أخرى فى جيبى وقد ذهبت إلى أب اعترافى القس مقار راعى كنيسة العذراء بداقوف ولما علم بذلك الموضوع قال لى أبونا عبد المسيح زعلان منك لإنك كنت غير مسرور لما وضعت المبلغ فى الصندوق ولازم تصالحه وتدفع المبلغ عن طيب خاطر وفعلاً ذهبت ووضعت العشرة جنيهات. ومن ناحية أخرى تم شفاء إبنى، لقد أنعم الرب عليه بالشفاء من مرض عضال مستعصى الشفاء.


وحكاية حديثة جمعتها بعد 30 يونية «أثناء أحداث حرق الكنائس فى مصر فى أعقاب 30 يونيو2013 ذهب أحد الأفراد إلى مدير أمن الأسكندرية ينبهه إلى إن كنيسة مارى مينا سوف تتعرض فى اليوم التالى للهجوم والحرق من قبل جماعات متطرفة وذكر أسماء الأفراد الذين يخططوا لهذا الهجوم ومكان إقامتهم.

واستعان مدير الأمن بالقوات المسلحة مع قوات الشرطة وتمكن فعلاً من القبض عليهم وإحباط الهجوم قبل حدوثه واعترف المجرمون بمخططهم، واجتمع أفراد من الكنيسة وقرروا الذهاب إلى مدير الأمن وشكره على إنقاذه للكنيسة، وفى أثناء الحوار سأله احدهم إذا كان أحد المشاركين فى الهجوم هو من أرشد عنهم بالتفاصيل.

فقال لهم مدير الأمن أن من أرشد مسيحى وأنه خشى ان يكون البلاغ كاذباً فاحتفظ بصورة بطاقته، وأمر بإحضار الصورة حتى يتعرفوا على الشخص، وما أن تطلع إلى الصورة حتى دُهش دهشةً بالغة إذا كان تاريخ البطاقة قديماً جداً وكانت للبابا كيرلس السادس بابا الكنسية فى ذلك الوقت.

وهو الذى توفى قبل استخراج بطاقات الرقم القومى الحالية فى حين استقبل وفد الكنيسة الحدث على أنه معجزة من معجزات البابا كيرلس الذى أتى لينقذ الكنيسة.


وفى الحياة اليومية العديد من التفاصيل التى يفسرها الأفراد على أنها معجزات مهما كانت بسيطة وذلك لإيمانهم بدور القديسين الفاعل فى حياتهم طالما أمنوا بهم وطلبوا شفاعتهم.


ومن المعجزات الجديرة بالتأمل معجزة حل الحديد، وقصتها باختصار: ركبت السيدة العذراء سحابة وأرشدها الرب إلى اللقاء بإمرأة عجوز كانت تبكى بمرارة فسألتها السيدة العذراء عن سر بكائها فأجابت بأنه كان بيننا رجلاً قديساً قادماً من أوشليم، هذا الرجل يدعى متياس.

وقد صنع أعاجيب كثيرة وكنت أرجو أن يُشفى إبنى المريض ولكننى سمعت أن الوالى أمر الجنود أن يوثقوه بأغلال من الحديد ويلقوا به فى السجن فذهبت معها إلى بيتها، وبمجرد وصولها شفى الصبى وقام، ففرحت المرأة وقامت لتوها مع العذراء ذاهبتين إلى السجن الذى أودع فيه متياس.

ولكنهم وجدوا السجن مغلقاً بأقفال من حديد ومتاريس حديدية والمساجين داخل السجن يقاسون أشد أنواع العذاب، وهناك صلت العذراء صلاة حارة من القلب فذاب حديد السجن والسلاسل والسيوف وصار حديد البلدة كلها سائلاً فى الحال، فخرج متياس الرسول من السجن ومعه كل المساجين فجرى رئيس السجن للوالى وقص عليه حدث ذوبان الحديد وخروج المساجين وعجز الحراس عن منعهم لأن كل ألة وسيف وكل المعادن قد ذابت تماماً.

وفيما هو يتكلم دخلت إلى الوالى جماعة من النجارين والحدادين يشكون إلى الوالى ذوبان آدواتهم فتعجب الوالى وأرسل يتوسل إلى العذراء أن تشفى ابنه فلبت طلبه وأخرجت الشياطين بصلاتها فشفى وعاد إلى عقله، فآمن الوالى وطلب منها أن تعيد الحديد  إلى صلابته، وطلبت من الله فعاد الحديد وكل المعادن إلى حالته.


هناك اناس أمنوا بسبب معجزات ناس وأناس نالوا المعجزة بسبب إيمانهم وتظل معجزة ميلاد المسيح مصدر لتثبيت الإعتقاد بأن الخوارق يمكن أن تتحقق.


اقرأ أيضًا | نرصد احتفالات أعياد الميلاد من داخل كنيسة السيدة العذراء والأنبا تكلا بالزقازيق| فيديو