القس داود مكرم يكتب: احتفالات عيد الميلاد بين الماضي والحاضر

الفنان أرميا القشطة أثناء رسمه لأكبر جدارية فى كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة
الفنان أرميا القشطة أثناء رسمه لأكبر جدارية فى كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة

كان عيد الميلاد من المواسم المشهورة بمصر فى أيام الدولة الفاطمية. فكان يباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ والتماثيل، وكانوا يسمونها الفوانيس.

هو احتفال بذكرى ميلاد السيد المسيح من السيدة العذراء مريم(إنجيل لوقا: 7:2)، وهو أحد الأعياد السيدية الكبرى ويسبقه صوم الميلاد – مدته 43 يوماً يبدأ من 16 هاتور الموافق 25/26 نوفمبر وينتهى بالعيد فى 29 كيهك الموافق 7 يناير. 


كان المسيحيون الأوائل يحتفلون بعيد القيامة أكثر من أى عيد آخر، لذلك لم يبدأ الاحتفال بعيد الميلاد قبل القرن الرابع. وقد بدءوا يبحثونه فى القرن الثالث الميلادى  (نجيب بولس: «التقويمان القبطى والأثيوبي»، مجلة اليقظة) واختلفوا فى وجوب وتاريخ الاحتفال به.

استقر العيد على يوم 29 كيهك فى التقويم المصرى يقابله 25 ديسمبر فى التقويم اليوناني، وحالياً 7 يناير فى التقويم الغريغوري. ويرجع الاختلاف بين 25 ديسمبر و7 يناير إلى عام 1582م- وحتى هذا العام كان عيد الميلاد يوافق 29 كيهك فى التقويم المصري.

ويقابله 25 ديسمبر فى التقويم اليوليانى الشائع الاستخدام فى الشرق والغرب- حين لاحظ غريغوريوس الثالث عشر بابا روما اختلاف تواريخ الأعياد الثابتة عما كانت عليه أيام مجمع نيقية عام 325م بما يقدر بعشرة أيام تجمعت بمرور السنين. حيث إن السنة الشمسية اليوليانية تزيد على السنة الحقيقية التى تم رصدها بمقدار 11 دقيقة و14 ثانية وهذه تجمل يوماً كل 128 عاماً.

وفى خلال المدة من عام 325- 1582م جمعت هذه المدة عشرة أيام، فأراد البابا غريغوريوس التعديل ليتلافى هذه الأيام العشرة فجعل يوم 4 أكتوبر عام 1582 هو يوم 15 أكتوبر.

وهذا ما عرف بالتعديل الغريغورى أو التقويم الغريغوري. وهذه الفروق زادت على الفترة من عام 1582- 1999م بمقدار ثلاثة أيام ليصل إجمالها إلى 13 يوماً وهى تمثل الفرق فى التقويم بين 25 ديسمبر و 7 يناير وسيظل هذا الفرق هكذا حتى عام 2094م ليصبح 14 يوماً وليوافق العيد 25 ديسمبر عند الغربيين يوم 8 يناير عند الشرقيين. (راجع رشدى واصف بهمان: التقويم وحساب الأبقطى). 


الاحتفال الرسمى بالعيد
فى هذا العيد تُزين الكنائس وتكثر الإضاءة بها. وكان عيد الميلاد من المواسم المشهورة بمصر فى أيام الدولة الفاطمية. فكان يباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ والتماثيل، وكانوا يسمونها الفوانيس.

وكان يقتنيها كل الشعب بمختلف طبقاته، بل كانوا يتنافسون فى المغالاة بأثمانها، حتى وصل ثمن الواحدة منها إلى ما يزيد عن 70 مثال ذهب. ثم اختلت الأمور وكان من جملة ما أبطل من عادات الترف، عمل الفوانيس فى عيد الميلاد.


(المقريزى: الخطط، جـ2). وكانت الدولة تفرق فيه الحلاوة القاهرية ومثارد السميد، والجلاب، والزلابية، والسمك البورى على أرباب الرسوم. ومن عادات عيد الميلاد أيضاً اللعب بالمشاعل، وعمل العصيدة فى صباح يوم العيد بزعم أن من لا يفعلها ويأكل منها فى ذلك اليوم يشتد عليه البرد طوال السنة. 


أيقونة الميلاد
أراد الفنان القبطى أن يحسم حادثة الميلاد، فصورها وكانت أيقونة الميلاد وهى وإن تعددت أشكالها، فإن محتوياتها واحدة، السيد المسيح طفلاً فى مذود، وحوله الحيوانات، وبجواره أمه العذراء مريم ويوسف النجار، وتظهر الملائكة تحيط بهما.


شهر كيهك
تحتفل الكنيسة القبطية بالسيدة العذراء مريم طوال شهر كيهك من الصوم الذى يسبق عيد الميلاد (16 هاتور- 29 كيهك) ويسمى هذا الشهر فى التقليد الكنسى «الشهر المريمي». ويحتفل الشعب فى معظم الكنائس بليالى كيهك فيجتمعون فى الكنيسة ويرتلون المدائح والتسابيح ابتهاجاً بذكرى الميلاد.

وتكريماً للسيدة العذراء مريم، وقد جرت العادة فى مجتمع البحث تقديم الطعام بعد نهاية الصلوات مساء يوم السبت، وصباح يوم الأحد بعد نهاية صلوات القداس. ويقتصر الطعام الذى يقدم على العدس فقط فتقدم «فتة العدس» للمجتمعين للصلاة فى الكنيسة بعد خروجهم منها، والغرباء والضيوف.

وتستمر هذه العادة التى تسمى «عمل اليوم» طوال شهر كيهك، وحتى عيد الميلاد. ويتكون هذا الشهر من أربعة أيام توافق يوم السبت، ومثلها توافق يوم الأحد، فيكون إجمالى أيام «عمل اليوم» ثمانية أيام خلال شهر كيهك وهذه الأيام الثمانية موزعة.

وكما تشير المعلومات الميدانية- على ثمانى عائلات فى القرية لكل منها يوم محدد من هذه الأيام تقدم فيه فتة العدس. وهذا اليوم ثابت منذ سنوات عديدة بالنسبة لهذه العائلات وتتوارثه الأجيال حتى الآن. ويوجد بالقرية مكان مخصص به أفران، وأوانى الطهى لعمل العدس.


المظاهر الاحتفالية
تستغرق احتفالية عيد الميلاد ثلاثة أيام تنتهى بيوم العيد، يمكن تلخيصها فيما يلي:


اليوم الأول: إعداد الصدقات والمخبوزات التى ستوزع عند المدافن والاستعداد للطلعة فى اليوم التالي.


اليوم الثاني: الخروج فى الصباح الباكر إلى المدافن. الاستعداد للعيد بإعداد المأكولات والملابس وغيرها. الذهاب إلى الكنيسة مساءً لحضور صلاة العيد. الإفطار وتناول المأكولات الدسمة عند العودة من الكنيسة بعد منتصف الليل. عمل الترحيم بالمنزل للموتى الذين لم يكن لهم طلعة.


اليوم الثالث: كاهن القرية يزور كل البيوت للتهنئة بالعيد، وفيما يلى هذه المظاهر الاحتفالية بالتفصيل.


طلعة العيد
كان المصرى القديم يهتم جداً بإرضاء أسلافه والعناية بقبورهم وتزويدهم بالقرابين تقديراً منه لدورهم فى حياته الأرضية، وما يجنيه فيها من خير أو شر، لأنهم فى نظره ليسوا مجرد راحلين إنما هم مازالوا يعملون بنشاط باعتبارهم حراساً للحياة، ومتحكمين فى مصائر الأحياء (إميل ماهر اسحق: حالة أرواح الراقدين).


وعادة زيارة المقابر هى إحدى عادات وعلامات الوفاء والتكريم للأسلاف الراحلين، والتسمية الشائعة لهذه العادة هى «الطلعة» وهى نفسها التسمية القديمة لكلمة «برت» المصرية القديمة ومعناها بالعربية الطلعة أو الخروج إلى المقابر. وهكذا فقد ورث المصرى عن أجداده نفس العادات ليس فقط، بل أيضاً نفس التسمية.


وتحفظ لنا مقابر الدولتين القديمة والوسطى الكثير من مناظر النسوة يسرن فى جماعات قاصدات المقابر وهن يحملن السلال المكدسة بالصدقات.(محرم كمال: آثار حضارة الفراعنة فى حياتنا اليومية) فقد كانت الأطعمة والمشروبات تمثل جزءاً هاماً مما يقدم للموتى.  وقد بقيت هذه العادة إلى الآن، فقد اعتاد البعض وضع الخبز تحت رأس الميت فى نعشه أو يدفنوه معه فى القبر.


ولا شك أن العادات والسلوكيات القبطية المرتبطة بالموتى، بما لها من شيوع وانتشار فى الوقت الحالي، قد استغرقت مساحة زمنية، وعملية كبيرة لتنصيرها، وإلباسها الثياب الدينية، وتدعيمها بالمبررات والأسانيد الكتابية بعد التخلص من مدلولاتها الوثنية القديمة. وقد استنكر رجال الكنيسة ورفضوا تلك الأفكار وهذه العادات.

إلا أنهم فشلوا فى تحجيمها، ولم يستجب الشعب لدعواهم. وكان لاستمرار تلك المعتقدات والممارسات ما اقتضى الحفاظ عليها، مع إلباسها الرموز والدلالات المسيحية بدلاً من تلك الوثنية.


وهكذا كان الأقباط ورثة آبائهم فى هذه العادة بما تحمله من سلوكيات، منها السليم، ومنها الضار. فكانت توزع الصدقات على الفقراء، وترفع الطلبات، إلى جانب المبيت فى المقابر، والتمادى فى مظاهر الحزن المفرط.


قواعد ومحددات الطلعة
مجتمع البحث وهو جزء من المجتمع القبطى المحتفظ بميراث أجداده، يلتزم فى كثير من عادات الموت والخروج للمدافن بهذا الميرث. وتتلخص أوقات الخروج للمدافن فيما يلي:


مناسبات وتذكارات الوفاة: ذكرى اليوم السابع للوفاة. ذكرى اليوم الخامس عشر للوفاة. ذكرى اليوم الأربعين من الوفاة. الذكرى السنوية.

المواسم والأعياد السنوية: طلعة عيد الميلاد. طلعة عيد القيامة. طلعة عيد الرسل.


ولعل فى التكرار والاستمرار ما أدى للحفاظ على السلوكيات والممارسات المرتبطة بهذه العادة كميراث فكرى وعقائدى عن القدماء.


ولأن المجتمع الشعبى يعمل بشكل منتظم، وفى إطار محدد فكما كانت هناك أوقات ومواعيد محددة للخروج إلى المدافن، وضع أيضاً محددات لمن له الحق فى ممارسة هذه العادة وسلوكياتها كما يلي:
وجود الرجال فى الطلعة ضرورى فى الطلعة الحديثة بعد الوفاة مباشرة، إما إذا كان قد مضى على الوفاة عدة سنوات، فخروج الطلعة قاصر على السيدات فقط «الرجالة تطلع لما يكون الميت جديد». 


لا يخرج أهل المتوفى للطلعة خلال الأربعين يوماً الأولى بعد موت فقيدهم مهما أتى بها من أعياد، فإذا وافق وحل أحد أعياد الطلعة قبل إتمام أربعين المتوفى لا يكون له طلعة، وتؤجل هذه الطلعة إلى ذكرى تمام الأربعين يوماً.


لا يخرج للطلعة أيضاً، الأطفال، والسيدات حديثات الزواج «العرايس».

فى أغلب الأحوال يكون الإعداد والاستعداد للطلعة وإتمام طقوسها وممارساتها من اختصاص السيدات، وخاصة كبار السن منهن. فهن- كالعادة- أكثر فئات المجتمع حفاظاً وتمسكاً بالسمات الثقافية الخاصة به.


 طلوع الجبل
تمثل إحدى علامات الوفاء وتذكار الموتى، خاصة فى مناسبات الأعياد التى فيها يتذكر الأحياء أحباءهم من الذين رحلوا عن هذا العالم، ففى الأعياد يجتمع شمل الأسرة، ويحضر الغائبون والمغتربون.

فإذا فقدت الأسرة أحد أعضائها فإن مجىء العيد يثير الخواطر والذكريات، ويكون طلوع الجبل فى هذه الأعياد وكأنهم يُعيدون على فقيدهم، أو كأن فرحتهم بالعيد لا تكتمل إلا بوجود فقيدهم معهم ولانه لا يستطيع النزول إليهم فهم «يطلعون» إليه.


وطلعة العيد دائماً تكون فى الصباح الباكر من اليوم السابق للعيد، ويبدأ الاستعداد لها من اليوم السابق. فتمتلئ المواجير بالعجين، وتحمى أفران الخبيز، فالمخبوزات من العيش والقرص- تصنع بالزيت- إحدى ضروريات الخروج للمدافن. كذلك تعد السلال وتعبأ بكل ما هو جيد من فاكهة الموسم، أو تلك التى كان الفقيد يحبها لتوزيعها كصدقات على روحه.


وفى صباح اليوم التالى يخرج أهل المتوفى وأقاربه يحملون على رءوسهم السلال المكدسة بالصدقات ويسيرون فى جماعات إلى المدافن. وتوزع هذه الصدقات على المتواجدين عند المدافن، سواء الآتون لتعزية أهل المتوفى ومواساتهم أو غيرهم، ويكون هذا الحوار:
 خد رحمة على روح فلان،تعيشوا وترحموا أو تعيشوا وتفتكروا.


ولا تقتصر صدقات الطلعة على الخبز والقرص والفاكهة، بل أحياناً يتواجد من يتصدق  بكميات من قطع اللحم، ويكون قد نحر ذبيحة خصيصاً لهذه المناسبة، فيوزع لحمها على الفقراء والمساكين والأهل والجيران، وقد يحدث هذا بالأكثر فى حالة الوفاة الحديثة.


وقد حاول كاهن القرية أن يمنع أو يقلل من خروج الأهالى للجبل، وكذا توزيع الصدقات على المدافن، حيث لا تصل إلى من يستحقها من الفقراء والمحتاجين لها. فقد دعا الكاهن إلي: عدم الخروج إلى المدافن لما فيها من سلوكيات وعادات مغالى فيها.

وكذا تقديم الصدقات إلى الكنيسة لكى تقوم بتوزيعها على فقراء القرية ومحتاجيها حيث إن الكثير منهم لا ينال منها عند توزيعها على المدافن، إما لعدم تواجدهم هناك أو لكثرة المتواجدين من غير أهل القرية ومن غير المستحقين لها.  والطلعة بما يدور حولها من طقوس وسلوكيات تمثل إحدى السمات المشتركة للشخصية المصرية عامة.


وتعد عادات الطلعة وخاصة الصدقات التى توزع بين المقابر ترحماً على الموتى مثالاً واضحاً لإظهار، بل والاستدلال على الاختلاف الطبقي، فتشير كمية ونوع هذه الصدقات إلى الانتماء الطبقى وتدل عليه.


علاقة الماء بالطلعة
تنتشر بعض العادات الخاصة بالماء والمرتبطة بالخروج للطلعة. ومن بينها أن البعض يحفر قليلاً فى الرمال المحيطة بالمدفن ليضع بعض الماء ثم يغطيها بالرمال «فيه اللى تفحت حفرة وتكب شوية ميه وبعدين تردمها». وتنتشر هذه العادة بين السيدات المسنات بالأكثر، بل إن بعضهن يضع الشاى بدلاً من الماء فى هذه الحفرة.

وقد أشار أحد الإخباريين إلى واحدة من العادات التى كانت شائعة قديماً ولم تعد الآن «بطلت» وهى تقديم الماء مجاناً عند المدافن ترحماً على أحد المتوفين.


ورغم ارتباط المياه بالحياة والنماء والخصوبة، إلا أنها ارتبطت وشاع استخدامها فى المدافن، فربما كان ذلك تعويضاً عما أصاب المتوفى من توقف الحياة ونهايتها وكأنهم يطلبون له الحياة والتجديد فى الحياة الأخرى، أو ظناً منهم أن تقديم الماء على روح المتوفى فيه رحمة له، لعل الله بذلك يغفر له ما تقدم من ذنبه.


وفى الصلوات الكنسية تظهر أهمية أن ينعم المتوفى بموضع خضرة ومياه راحة ويرتوى بماء الحياة فى العالم الآخر «عُلهم فى موضع خضرة على مياه الراحة فى فردوس النعيم».


ولقد كان المصريون يكثرون من استخدام المياه فى وداع موتاهم، وكذا فى القرابين المقدمة لهم، وتحفظ لنا الرسوم الفرعونية ذلك فنرى الكاهن الوثنى يرش الماء المقدس على التابوت أو قدامه.

ويقدمه سكيباً أمامه.كما صُور أوزيريس إله الخصب ميتاً وتنمو الحنطة من جسده بريها بالماء. وكان الماء يقدم مع الأطعمة الأخرى للميت ونفسه التى تكون على هيئة طائر. ومازال البعض خاصة فى الوجه البحرى يضع مع الميت ابريق ماء وثلاثة أرغفة وقليلا من الملح.


علاقة البخور بالطلعة
يجمع الإخباريون على أنه قديماً كانت توجد مبخرة- لحرق البخور- مخصصة للمدافن يحتفظ بها كاهن القرية ويستخدمها فى الطلعة فقط. وكان لابد أن يتواجد الكاهن بين المدافن فى يوم الطلعة ليبخر ترحماً على الموتى، وخاصة الذين رحلوا حديثاً. ولم تستمر هذه العادة فى ظل التوجهات الدينية الحالية من نبذ عادة الخروج للمدافن، وما يدور حولها من سلوكيات.


وعادة التبخير بين المدافن أثناء الطلعة شائعة فى الكثير من المجتمعات. ولعلها أحد الموروثات المصرية القديمة فقد رفع قدماء المصريين البخور أمام التابوت، وقدموه لموتاهم. فقد كان للبخور عندهم مكانة كبيرة فأطلقوا عليه «عطر أوزيريس» وقد عثر على بعض المباخر فى المقابر الفرعونية تعود إلى عهد الأسرتين الخامسة والسادسة.


الجوانب الاقتصادية للطلعة
بالإضافة لكون الطلعة عادة اجتماعية تكونت لها ظلال دينية، إلا أن لها أيضاً تأثيرات اقتصادية فى مجتمع البحث. فالاستعداد للطلعة يستلزم شراء كميات من الفاكهة- فاكهة الموسم أو التى يحبها المرحوم- بالإضافة إلى ما تستنزفه مخبوزات الطلعة من دقيق وزيت وخلافة، فأنين النساء تحت ثقل السلال المحملة بصدقات الطلعة يسبقه أنين الشراء والتسوق.

وإن كان عن طيب خاطر إما تلبية لنوازع الحب والعرفان للفقيد، أو لسد الضروريات الاجتماعية التى تفرضها العادات والتقاليد. ويتبع ذلك  مظاهر الازدهار فى الأسواق القريبة من القرية والتى يلجأ لها مجتمع البحث فى سد احتياجات هذه المناسبة.

فالمبالغ التى تنفق لاستكمال مظاهر الطلعة تؤثر على الحالة الاقتصادية للأسرة التى ربما تستعد وتؤهل نفسها لهذه المناسبة قبلها بفترات طويلة. فإتمام العادات والتقاليد وخاصة الاجتماعية لا شك له أعباء مادية تؤثر على الحالة الاقتصادية والمادية لأفراد المجتمع.


وهذا بالإضافة إلى الأسواق التى تقام على هامش مراسـم الطلعة كمـا فى بعض المناطق. وبخلاف ما إذا كانت الطلعة تتوافق مع أحد الموالد الخاصة بالمنطقة- كما فى بعض القرى- فتنعكس مظاهر وجوانب المولد على سلوكيات وتأثيرات الطلعة.


يوم العيد
وعادة ما يكون الاستيقاظ متأخراً فى هذا اليوم – حيث قُضى جزء كبير من الليل فى الصلوات الكنسية والاحتفال بنهاية الصوم بالمأكولات الدسمة- وغالباً ما يكون الإفطار فى صباح يوم العيد بسيطاً، قوامه الرئيسى عادة الجبن والبيض واللبن. ثم يرتدون الملابس الجديدة التى أعدوها للعيد، وذهبوا بها إلى الكنيسة فى الليلة السابقة.

وتظهر أثار الاحتفال بالعيد بالأكثر على الأطفال، والصبية الذين يقضون هذا اليوم فى مجموعات بين اللعب وشراء الحلوى وزيارة الأهل وتلقى العيديات، أما الكبار فيمكثون فى المنزل فى انتظار زيارة الكاهن لهم، حيث يقوم كاهن القرية بزيارة جميع بيوت القرية مهنئاً إياهم بالعيد.


وفى هذا العيد- كما فى عيد القيامة- يأتى إلى القرية وفد من عزبة الحجارة -  جميع سكانها من المسلمين ولا يوجد فيها قبطى واحد- المجاورة والملاصقة لحدود قرية دير الميمون. ويتكون هذا الوفد من مجموعة رجال ممثلين عن العزبة لتهنئة مجتمع البحث بالعيد فيلتقون بالكاهن وشيخ البلد.


وقد اعتاد كبار القوم فى كل من قريتى دير الميمون وعزبة الحجارة تبادل التهنئة والزيارات فى عيد الأضحى وعيد الفطر، وكذا عيد الميلاد وعيد القيامة بالتبادل. وذلك استكمالاً وحفاظاً على روح المودة والحب التى تجمع بينهما لكونهما متجاورين جغرافياً، ومتحدين إدارياً، باعتبار أن قرية دير الميمون وعزبة الحجارة وحدة إدارية واحدة.

وتتكرر الزيارات المتبادلة بين كل منهما، خاصة فى الأفراح والأحزان، بالإضافة إلى الأعياد. ويعود تاريخ تبادل هذه الزيارات إلى فترات بعيدة جداً يصعب تحديدها زمنياً، فكانت ومازالت تلك العلاقة يحكمها الود والحب المتبادل.


كما يزور القرية فى هذا العيد - كما فى عيد القيامة –  عمدة قرية صول المجاورة أيضاً لمجتمع البحث، ملتقياً بكاهن القرية مهنئاً إياه حاملاً تهنئة قريته. وقد جرت هذه العادة منذ عدة سنوات حيث كان عمدة صول مرشحاً فى الانتخابات.

وقد ساعده الكاهن وأصوات الناخبين من قرية دير الميمون وكانت سبباً فى نجاحه. ومنذ ذلك الحين يأتى هذا العمدة كل عام فى أعياد الميلاد والقيامة للتهنئة.

اقرأ أيضًا | المطران يدعو المؤمنين لصلاة الاستعداد ضمن طقوس قداس الميلاد