السينما الأمريكية في 2022.. عام باهت ومواجهة غير متكافئة

السينما الأمريكية فى 2022
السينما الأمريكية فى 2022

 

عام سينمائي باهت لن يبق في الذاكرة منه سوى أفلام لا يبلغ عددها أصابع يد واحدة !

هذا هو باختصار حال السينما الأمريكية في ٢٠٢٢، والتي لم تتعاف حتى الآن من تداعيات وباء كورونا، الذى كان له أثر كبير على صناعة السينما، وربما يكون نقطة تحول فارقة في تاريخ صناعة ظلت قوية راسخة لعقود تجاوزت خلالها أزمات عديدة ولكن هذه المرة الأمر يختلف.

أربك الوباء القائمين على الصناعة بعد فترة طويلة من الإغلاق أدت لخسائر فادحة مازلنا نرصد أثرها حتى الآن، الأهم من حجم الخسائر والتي ممكن تعويضها مستقبلاً، كان تفكيك روابط هذه الصناعة، وهو ما جعل العودة لنقطة ما قبل الوباء ليس بهين، خاصة مع تغير نمط الحياة واعتياد الناس عليه.

هنا في أمريكا، قلعة صناعة السينما، لا مجال للتفاؤل أو التشاؤم وتبرير الأخطاء وحسابات الخيال، فالأرقام وحدها تتحدث وتفسر ما يحدث وما قد يحدث مستقبلاً، وكل شيء بمقدار.

تعنت الصين وغزو أوكرانيا

حققت السينما الأمريكية إيرادات قدرها ٢٥.٨ مليار دولار في جميع أنحاء العالم منها ٧.٥ مليار تقريبا فى أمريكا وكندا ، لتخيب كل التوقعات المتفائلة فى بداية العام ، فهو أقل بكثير مما حققته السينما الأمريكية عام ٢٠١٩ قبل الجائحة وإغلاق دور العرض (٤٢.٣ مليار دولار عالميا ، و ١١.٣ مليار في أمريكا وكندا ) ، وهو ما خضع لتحليل دقيق من بعض الشركات والمكاتب المتخصصة منها شركة Gower Street لتحليل شباك التذاكر، والتي بررت ما حدث بالإجراءات الوقائية الصارمة التي مازالت تتبعها الصين -ثاني أكبر سوق سينمائي في العالم - خوفا من انتشار فيروس كورونا مرة أخرى، مما أفقد السينما الأمريكية ٣ مليارات دولار ، ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا، ومقاطعة الاستوديوهات الأمريكية لروسيا ليفقدها مليار دولار آخر تقريبا، هذا فضلاً عن الظروف الاقتصادية السيئة وتقلب أسعار الصرف والذى أثر كثيراً على صناعة السينما وإيراداتها عالمياً وداخلياً.

تراجع الأفلام 

والهروب إلى المنصات

أما Comscore وهى شركة للتخطيط وتقييم الوسائط وتحليل بيانات ورؤى جمهور التليفزيون والسينما ، فترى أنه لم يكن هناك عدد كبير من الأفلام الجاذبة للجمهور ، والتى من السهل عليها تحقيق أرقام ضخمة تتجاوز مليار دولار .. ثلاثة أفلام فقط تمكنت من ذلك هذا العام ، هى «Top Gun: Maverick»  ١.٤٩ مليار دولار ، و «Jurassic World Dominion» مليار دولار تقريبا ، وأخيراً «Avatar:The Way of Water»  ١.٣٨ مليار دولار ، بينما فى ٢٠١٩ كانت هناك ٩ أفلام فى نادى المليار دولار ! .

ويضيف تقرير Comscore أن عدد الأفلام التى تلقتها دور العرض الأمريكية كان أقل بـ ٣٠% من عدد أفلام ٢٠١٩ ، وهو بسبب تأجيل عدد كبير من الأفلام الضخمة لعام ٢٠٢٣ ، ويبرر هذا الأمر بريان روبينز المدير التنفيذي لشركة باراماونت بيكتشرز ، بتراكم عدد كبير من الأفلام فى شركات المؤثرات البصرية، مما أدى إلى تأجيل عرضها لتواريخ أخرى فى العام الجديد، غير تحويل بعض الأفلام إلى منصات البث مثل «Turning Red» لبيكسار ، و «Hocus Pocus 2 لديزنى»، غير أفلام أخرى مثل «Halloween Ends»  و «Firestarter»  تم عرضها بمنصات البث فى نفس وقت طرحها بدور العرض وبالتالي لم تحقق سوى إيرادات محدودة ، حتى فيلم «Glass Onion Knives Out»  والذى كان متوقعاً أن يحقق ايرادات ضخمة ، عرضته نيتفليكس على منصتها بعد أسبوع واحد من دور العرض ، وهو ما فعلته ديزنى مع فيلميها «Lightyear»  و«Strange World» ، ويقول تقرير Comscore إن بهذا السلوك عودت ديزنى جمهورها على مشاهدة أفلامها على منصتها فخسرت مبيعات التذاكر.

فشل التوزيع وعدم التنوع

ويضيف التقرير سببا آخر لتراجع الإيرادات ، أنه تم تجميع الأفلام الجماهيرية والضخمة تحديداً فى شهرين بمنتصف العام ،مما أدى إلى وجود أوقات فراغ ليس بها أفلام جاذبة للجمهور ، فكانت الشهور الأربعة الأولى بدون فيلم يستحق ، كانت شهورا كارثية ، فى حين ازدحم مطلع الصيف بالأفلام القوية وهى التى حققت إيرادات ضخمة ، وظلت حتى آواخر الصيف ، لتأتى أشهر عجاف ، لم تحقق فيها الأفلام إيرادات مقبولة فيما عدا «Smile» الذى حقق ١٠٠ مليون دولار ، وعاد الوضع كارثيا من جديد ، حتى جاء «Avatar 2»  منقذا قبل نهاية العام بأسبوعين ليضيف للإيرادات ١.٣٨ مليار دولار..

وفى حين أعزى كثير من الخبراء والنقاد تراجع الإيرادات لعزوف الناس عن الذهاب للسينما وتفضيل المشاهدة المنزلية التى اعتادوها بعد الجائحة ، يختلف معهم دير جارديان كبير محللى Comscore فيقول « لو كان السبب هو عدم رغبة الناس فى العودة للسينما، ما كانت أفلام موسم الصيف حققت إيرادات ضخمة ، يصل كل منها للمليار وتتجاوزها أيضا.. السبب هو قلة عدد الأفلام المطروحة وسوء توزيعها خلال العام ، مما أدى إلى حالة فوضى لم تعتدها السينما الأمريكية».. ديزنى و يونيفرسال الفائزان فى ٢٠٢٢ !..

ربما يؤكد رأيه ما حققه كل من يونيفرسال وديزنى من نجاح وإيرادات ضخمة ، لأنهما كانا الأكثر حرصا على الالتزام بمواعيد العروض وتنوعها فاقتسما المراكز الأولى فى البوكس أوفيس لهذا العام .. يونيفرسال عرضت ٣٣ فيلما مختلفا تخاطب كل فئات الجمهور وبذلك حققت نتائج مبهرة بداية من Top Gun المركز الأول والأعلى إيرادات هذا العام ١.٤٨ مليار دولار ، واقتنصت ديزنى الحريصة على التنوع المركز الثانى «Avatar 2» ١.٣٨ مليار ، وكان المركز الثالث ليونيفرسال «Jurassic World : Dominion»  محققا مليارا واحدا تقريبا ، ثم اقتنصت ديزنى المراكز من الرابع حتى السادس ، «Doctor Strange in the Multiverse of Madness»  ٩٥٥ مليونا تقريبا، و «Minions: The Rise of Gru»  ٩٣٩ مليونا، «Black Panther: Wakanda Forever»٨٢٠ مليون دولار ، وتقتحم الحصار شركة دى سى بفيلم « The Batman» الذى جاء فى المركز السابع بـ ٧٧٠ مليونا ، لتعود ديزنى للسيطرة مرة أخرى وتقتنص المركز الثامن بفيلم « Thor: Love and Thunder»  ٧٦٠ مليونا .. والمركزان الأخيران التاسع والعاشر احتلتهما السينما الصينية «Water Gate Bridge»  ٦٢٦ مليونا و «Moon Man» 460 مليونا.

أما الأفلام التى صنعت للمنافسة على الجوائز وهى ما ستبقى فى الذاكرة من إنتاج هذا العام فلم تحقق إيرادات تذكر، وإن كان هذا هو المعتاد، ومنها « The Banshees ofInisherin»  و«Tàr» و«The Fabelmans»  و«Babylon».

دور العرض الخاسر الأعظم

الجدير بالذكر أن الاستوديوهات الكبيرة لم تخسر ، بالعكس حققت مكاسب هائلة ، فما خسرته فى دور العرض تم تعويضه من المنصات التى عظمت من مكاسبها خلال هذا العام ، الخاسر الوحيد فعلا فى منظومة الصناعة ، كانت شركات دور العرض التى تأثرت بشدة من الإغلاق لما يقرب من عامين ثم الركود الاقتصادى، ولم تنجح الأفلام هذا العام فى تعويضها ، رغم العروض الترويجية التى اطلقتها السلاسل الشهيرة كاشتراكات شهرية زهيدة لا تتجاوز قيمة تذكرتين تسمح لك بمشاهدة ١٢ عرضا خلال الشهر ، أو تخفيض ٥٠% من قيمة التذكرة فى بعض أيام الأسبوع وغيرها من المحاولات التى لم تفلح فى إنقاذ بعضهم من الإفلاس، فكان أسوأ حدث فى ٢٠٢٢ هو تقدم شركة Cineworld بطلب لإشهار إفلاسها فى سبتمبر الماضي وهى المالكة لـ Regal ثانى أكبر سلاسل دور العرض فى أمريكا بعدما أثقلتها الديون ، أما الشركة الأمريكية الأولى AMC فقد تراجعت أسهمها بشدة (٨٢% ) مما يهدد بكارثة حقيقية ، وهو ما سنتحدث عنه فى الأعداد القادمة .

اقرأ أيضاً | في 10 أيام| أفاتار يصل لـ900 مليون.. هل يحقق المليار دولار قبل الكريسماس؟