بقلم: د. علاء الجرايحي: شعب مصر.. واختبار سليل الأنبياء

 د. علاء الجرايحي
د. علاء الجرايحي

يُردد البعض جُملة الظلام الدامس، وهو الوقت الذى لا تستطيع فيه الرؤية، وتُحجب فيه عيناك بالكُلية عن مُشاهدة ما حولك أيًا كان حجمه وطبيعته، لكن الظلام بمفهومه المعنوى، فيُمكننا القول بأنه ما لا نستطيع فيه التمييز بين الجيد من الرديء، والحَسن من القبيح، لأننا عادةً نرى الأشياء الواضحة فقط الموجودة بوضح النهار وقت سطوع الضوء، سواء كان للشمس أو القمر، أو المصابيح الكهربائية التى هى من صُنع البشر، ومن هنا أتساءل: هل الجميع لا يرى فى الظلام الدامس، أم أن هناك أشخاصًا يُمكنهم الرؤية حتى حين تنقطع الإضاءة بالكامل بجميع أشكالها وأنواعها؟ ولو أننى أرى أن هناك مَنْ يرى بالفعل وقت انقطاع التيار الكهربائى عنه، أو خلال وجود سحابة كثيفة تحجب نور السماء بالكامل.. نعم يُوجد هؤلاء الأشخاص الذين يرون بوضوحٍ فى كل الأوقات، وتتوفَّر لديهم تلك الرؤية لكنها بطرقٍ مُختلفة، فإما أن تكون عَبر بصيرة إلهية مُنحت لهم، أو من خلال صُنعهم الدائم لأشياءٍ تُساعدهم على الرؤية فى كل الظروف والأحوال.
يُراودني دائمًا مجموعة أسئلة عزيزى القارئ أُريد توجيهها إليك؛ وأعتقد أن إجابتها كامنة لديك دون أن تدرى، إلا أن البعض منا يختلف فى وسائل التعبير عنها ولو عن طريق محض الصدفة؛ ومنها: كيف ترى الأشياء غير الواضحة أو المُبهمة أمامك، وكيف ترى المستقبل والغد وأنت ممَّن لا يملك المعلومات الكونية أو العالمية التى توصَّل لها العقل البشرى، والتى تجعلك ترى كل الأشياء حولك، وكيف يرى فاقد البصر قضاء حاجاته باستمرار وسُبل مُمارسة طقوس حياته اليومية كل يومٍ وكأنه يرى كل شيءٍ؟، ما السر فى ذلك رغم فُقدانه للبصر وانعدامه لخاصية النظر؟ وما الذى يجعل الطفل الصغير يشعر برغبته فى الطعام والشراب، ويُحرِّك إحساسه الشعور بحاجته لوالدته رغم عدم درايته وتركيز رؤيته فى أيامه الأولى من ولادته؟! هل تلك الأشياء تحدث بمحض الصدفة أم أن لها سرًا كونيًا وسمةً كونيةً؟وأتساءل أيضًا كيف يخرج الطير وهو جائعٌ ويعود وهو مُمتلئ البطن شبعانًا؟، هل هذا حظٌ أم هو طبيعة كونية، أم أنه إرادة إلهية؟!
تقول الروائية العالمية أجاثا كريستي: "لماذا نغلق أعيننا عندما نضحك بشدةٍ، وعندما نحلم، وعند العِناق، وعند التأمُّل، وعند الخُشوع؟"، وتُتابع فى مَعرض إجابتها على أسئلتها بمَلكة العقل التى حَباها الله إياها: "لأن أجمل ما فى الحياة لن تراه بعينك، بل ستشعر به بقلبك".. وحقيقةً إن ما أستشعره بقلبى الآن؛ هو جمال مصر وشعبها وقيادتها وأهلها البُسطاء الذين يُؤمنون بالقضاء والقدر، ويملكون دائمًا قدرًا لا بأس به من المواقف البطولية على مرِّ العصور، وإن ما يحدث فى العالم بأكمله لن يُؤثِّر علينا بالسلب؛ بل سيجعلنا فى حِراكٍ دائمٍ، وعملٍ مُستمر، لكى تتحوَّل أقدارنا إلى الأفضل والمرجو، وأتيقَّن أننا بنعمة البصيرة نستطيع أن نصل إلى القمة، ونُصبح يومًا ذات شأنٍ وفى أعلى مراتب التقدُّم والتطوُّر والحضور المأمول.
يستند تحليلى للأمر برُمته والحالة التى نحن عليها حاليًا؛ بأنها الحياة وسماتها المُتقلِّبة، فالنهار يتبعه ليلٌ، والشمس يليها قمرٌ، والحركة يتلقَّفها سكون، والقوة يلحقها ضعفٌ، أى إنها كما ترى - عزيزى القارئ- عملية ديناميكية تمتاز بالحيوية والتكرار الدائم؛ من نهارٍ لليل، ومن شمسٍ لقمر، ومن قوةٍ لضعف، وكأنه تنظيمٌ مُحكم ما جُعل إلا ليُحافظ على التوازن لطبيعة الكون والخليقة، فمنذ أن كان الإنسان سيد الأرض بالإرادة الإلهية، وهو يرى تكرار الأشياء حوله، حتى حين الممات يترك آخرَ من سلالته ليُعمِّر مكانه الأرض، عوالم تختفى وأخرى تظهر، وقوى تندثر وأخرى تُولد، إنها سُنة الحياة، وما أُريد لفت الانتباه إليه فى مقالى المُتواضع هذا؛ هو تفسير موعظة سيدنا يوسف الصديق، رضى الله عنه، والحِكمة من فقْد أبيه الكريم البصر، وتحليل موقف أصحاب الرُؤى والمُتأمِّلين والروحانيين لاختبارات الحياة، وما يدور حولنا ما هو إلا الدورة الكونية وطبيعتها وتدريجها المُتناسق بإحكامٍ، فلا تخف من المستقبل أو الحاضر؛ لأنك فى معية الله، فهو مالك أمورنا ومُدبِّرها، ونحن أسمى مخلوقات الله، دائمًا سبحانه ما يُرشدنا إلى الطريق القويم، ولن يتركنا فى جهلنا، بل سوف يدلنا على الطريق الصحيح، ويُعطينا مفاتيح التعلُّم من الأحداث وإن كانت الأشد قسوةً علينا.
أثق فى قيادتنا الوطنية بأنها ستعبر بنا من هذه المِحنة الاقتصادية الخانقة التى نعرف أسبابها الخارجة عن إرادتنا بالطبع، والتى نتج على إثرها ارتفاعٌ فى الأسعار وتضخمٌ لم نعهده من قبل، ولدىَّ يقينٌ بأنها تبذل قصارى جهدها لأجل المواطن محدود الدخل ومتوسطه، وستقف بجانبه لتدعمه وتجعله يعيش بأفضل حالٍ، وسيُعينها الله فى هذا حتى تعبر بنا من الظلام إلى النور، ومن عدم وضوح الرؤية إلى الضوء الساطع، ومن الضعف والسكون إلى القوة والديناميكية الفاعلة، وتذكَّروا دائمًا قول الحقِ، جلَّ فى علاه، فى كتابه الكريم "وفى السماء رزقكم وما تُوعدون"، وفى قصة أيوب عِبرة لمَنْ يعتبر، إذ نادى المولى، عزَّ وجلَّ، بعد أن صبر طويلًا على فقد أمواله وأولاده ومرضه وطرده من مدينته لسنين عددًا، بأنه مسَّه الضرُ وهو أرحم الراحمين؛ فكانت الإجابة من أعلى سريعًا، عاد إليه شبابه وصحته وماله، وهذا الذى حدث لسيدنا أيوب يُعلِّمنا الصبر على الابتلاء وضيق الرزق حين يحل، ونتوجَّه بقلوبنا لله مُوقنين بأنه مالك ناصيتنا وأمرنا، وأنه علينا لطيفٌ رحيم، ولو نظرنا أيضًا لقصة أُمنا السيدة مريم البتول، واتهامها زُورًا فى حملها بكليم الله، وكيف جعل الله سيدنا عيسى، عليه السلام، يتكلَّم فى المهدِ؛ لتبرئة أمه الشريفة مما يزعم أهلها وأقاربها وقريتها، وكيف عاش الأنبياء ومرُّوا باختباراتٍ إلهية ومِحنٍ، نتأكَّد بأن بعد العُسر يسرٌ، وبأن بعد الضيق يتبعه فرجٌ، وأن الظلام بعده نورٌ، وأن الله يتولانا ويتولي أمرنا، وسيُعين وُلاة أمورنا وقادتنا بالخير دائمًا ما دمنا على يقينٍ بأن الخير آتٍ.
أختم مقالى بدعوة للجميع بأن يرفعوا أيديهم إلى الله بالدعاء والتضرُّع أن يُعيننا ويُعين قيادتنا السياسيَّة الوطنية على المسئولية، ويرزقهم حُسن القرار، ويرشدهم لِما فيه الخير لبلادنا وشعبنا الأصيل الأبي، فيا أهلى ويا أصدقائى وجيرانى لا تُرفع مكانةٌ ولا يُبنى تاريخٌ، دون كدٍّ وسعىٍّ ومُعاناة، فاصبروا وصابروا واعلموا بأن الخير آتٍ، وستكون مصر دائمًا وأبدًا جنةً وخير أرضٍ لقاطنيها.