عبد الرحيم الخصار يكتب: قراءات في كتب مغربية صدرت عام 2022

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

اعتاد المغاربة على إصدار كتب متنوعة المجالات، موزعة بين الأدب والفكر والنقد والترجمة، جزء كبير منها نشر داخل المغرب، لكن الجزء الأكبر نشر بالخارج، لدى دور نشر عربية فى المشرق أو فى بلدان المهجر. وهذا أمر لافت، أقصد هذا الانفتاح الكبير للكتاب المغاربة على دور النشر العربية. هنا استعراض لبعض هذه الكتب:

1

اختار الشاعر والمترجم المغربى أحمد لوغليمى المقيم فى إيطاليا أن يقدم إلى القارئ العربى عملاً زاخراً بالحكمة والطرافة فى الآن ذاته، فضلاً عن المتعة والتشويق. يتعلق الأمر بترجمته لمنتخبات من الكتابة الشذرية المعاصرة فى إيطاليا بعنوان «بلد تلفّ فيه الكواكب حول دعسوقة» (دار خطوط وظلال).

وهو كتاب مكثف يحتفى بالأدب الوجيز بكثير من الحماسة، فمعظم الكتّاب الإيطاليين المدرجين فى هذه الأنطولوجيا يكتبون فى شذراتهم عن الكتابة الشذرية بعينها، ويعلون من شأنها وينتصرون لها على حساب أجناس كتابية أخرى.

وربما يعود هذا «التعصب» الأدبى إلى إيمانهم بما قاله الفيلسوف والشاعر والروائى الألمانى فريدريتش شليغل قبل قرنين: «الشذرة فنّ يخاطب المستقبل»،وجمع لوغليمى فى كتابه الشذرى أسماء معروفة فى الحياة الثقافية الإيطالية من قبيل تشيزارى بافيزى وآلدا ميرينى وأودجينيو مونطالي، الحاصل على جائزة نوبل للآداب، وأسماء أخرى قليلة الشهرة من الجيل الأحدث، وقدّم كتّاباً  وشعراء غير معروفين على الإطلاق لدى معظم القرّاء العرب.

2

آثر المفكر المغربى عبد السلام بنعبد العالى أن يسرح، متخففاً من كل منهج أكاديمي، فى حقول الكتابة لدى الكاتب المغربي الإشكالى عبد الفتاح كيليطو، متعقباً أفكاره الغزيرة، خصوصاً تلك التى تظل مثار دهشة عند المتلقى العربى.

فكيليطو من طينة الدارسين الذين ينتبهون لما لا ينتبه إليه الآخر، أو بصيغة أدق، إنه يملك قدرة على لفت أنظارنا إلى تفاصيل دقيقة قريبة منا، كنا نظن أنها غير موجودة، أو أنها توجد على مبعدة هائلة.


وفى كتابه الجديد «عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللسانين» الصادر حديثاً عن (منشورات المتوسط)، «يقف بنا عبد السلام بنعبد العالى فى منطقة الحيرة اللغوية عند صاحب «لن تتكلم لغتي»

و«متاهات القول» و «الأدب والارتياب» و «أتكلم جميع اللغات، لكن بالعربية»، وغيرها من الكتب التى كان اشتغال كيليطو فيها مبنياً على حدين: التنقيب والمكاشفة. فالرجل نبّاش كبير في التراث العربي بأدوات متجددة.

ومن حين لآخر يخرج للقارئ العربى وغير العربى بما يدهشه من المناجم العميقة للثقافة العربية المعتقة. أما المكاشفة فنقصد بها الاعترافات المتعاقبة التى يدلى بها كيليطو كلما واجهه هاجس من هواجس الحيرة أو الاندهاش والانجذاب خلال رحلة البحث والتنقيب. فكيليطو يملك خاصية نادرة لدى الباحثين.

وهى القدرة على قول أى شىئ فى أى مقام بشجاعة ومن دون تحفظ. إنه قادر بكامل رصانته المعرفية، أن يعبر عن عجزه أو قصوره أو عدم شساعة مرجعيته القرائية، هو الذى التهم رفوفاً من الكتب الممتدة فى التاريخ والجغرافيا.

3

يقترح الشاعر المغربي حسن نجمى فى كتابه الشعرى الجديد «يتشهاكِ اللسان»، وعلى مدار أكثر من مئتى صفحة، رحلةً حسية عميقة تتوسل الشعر كبساطِ ريحٍ غايتُه أن ينقل القارئ إلى الأماكن الباطنية التى تعتمل فيها صهارات الشهوة. غير أننا أمام شهوة مختلفة، بل يمكننا القول أيضا إننا أمام تجربة أدبية إروسية جديدة، لكنها لدى حسن نجمى هادئة ومغلفة بمسحة روحية أيضا.

بل إنها إروسية لا تخلو من براءة. يقول الشاعر محمد الأشعرى فى تقديمه لكتاب نجمى «يتشهاك اللسان» الصادر حديثا عن دار خطوط وظلال فى عمّان: «كل هذا يكتبه الشاعر بعينى طفل يدهشه العرى ويربكه ويخيفه».

يشِيد الأشعرى بالرهان الذى رفعه نجمي، وهو الكتابة عن الجسد دون افتعال مشهدي، بل بـ «نوع من هدوء المشاعر، حيث التذكر، والعودة إلى لحظات البدء، وإعلاء التجربة إلى مرتبة انخطاف صوفى.
4

اختار يحيى بن الوليد فى كتابه الجديد الصادر عن دار الفاصلة فى طنجة، الحائز جائزة المغرب للكتاب فى دورتها الأخيرة، أن يكون العنوان جملة استفهامية، «أين هم المثقفون العرب؟». وهى جملة تحمل من الدلالات ما يفتح على كثير من التأويل.

السؤال هنا، وإن جاء فى صيغة الاستفهام، فهو يروم المحاكمة. إنه سؤال عن مسئولية المثقف العربي فى ما يقع من تحولات فى حياتنا الراهنة. ولعل العتبة التى اختارها يحيى بن الوليد للمفكر المغربى عبدلله العروى تضيء مضمون سؤال الكاتب، وتكشف مقصدية الكتاب. يقول العروي، «التهرب من الأسئلة الجوهرية قد يشجع على استبدالها بأخرى تافهة، وأحياناً تغليطية».

من الصفحات الأولى فى كتابه، يدعو بن الوليد المثقف العربى إلى مراجعة دوره، وينتقد ما سماه «تقاعس المثقفين على مستوى التشابك مع قضايا مجتمعاتهم»، لذلك بدا له أن ما عاشه المثقف العربى فى العقود الأخيرة هو حالة استقالة من المجتمع، عبر قطع كل صلات أوأشكال التفاعل مع ما يشغله.

وقد كانت أحداث الحراك العربي الذى انطلق قبل أكثر من عشر سنوات، حافزاً مهماً لإعادة طرح السؤال حول وظيفة المثقف ودوره داخل مجتمعه، وحول ما سماه الناقد المغربى «السلطة المعنوية» التى سُحبت منه، عبر تعاقب عوامل من داخل الحياة الثقافية ومن خارجها، كرست صورة المثقف المنقطع عن محيطه، ووضعت كل أشكال الالتزام الثقافى فى إطار كلاسيكى.

5
مع منتصف القرن الماضى بدأ السرد الأدبى يعرف تحولاً كبيراً، عبر كتابات وتنظيرات انطلقت من فرنسا، وأثرت فى مصير الآداب فى العالم. كانت الحياة الجديدة تفرض وجود أدب جديد يواكبها. فقد شكل بروز تيار “الرواية الجديدة” منعطفاً كبيراً فى تاريخ الكتابة الروائية.

إذ بدأ ألان روب غريي وناتالى ساروت وميشيل بوتور ومارغريت دوراس وكلود سيمون وصموئيل بيكيت وغيرهم فى الخروج عن المواضيع الروائية المألوفة وتغيير حجم البطل وموقعه وسماته ووظائفه، وتشسيع مساحات التجريب، وتغيير أشكال الحضور الإنسانى فى الرواية، وتكسير البنى الزمانية والمكانية، والعمل على عدم اتساقها بالضرورة.

فى كتابه الصادر حديثاً «كى نفهم الرواية الجديدة» يعود الكاتب المغربى المعروف أحمد المدينى إلى هذه الحقبة الفرنسية المهمة، ليضيء التجربة وينزع كثيراً من الشوائب عن التمثلات التى انبثقت وتشكلت عنها، خصوصاً أنه كان قريباً جداً من مختبراتها.

بدليل أنه حاور باكراً ألان روب غريي، وضمن هذا الحوار فى كتابه الجديد الصادر عن «منشورات ملتقى الطرق» بالدار البيضاء ضمن سلسلة «مواعد» التى يشرف عليها الشاعر حسن الوزاني.

يجد المدينى مبرراً لعودته إلى زمن «الرواية الجديدة»، فما وصل إلى القارئ العربي، عبر الترجمة، قد «قدم غالباً فى قشور، وبتعميمات». هذا ما يقوله الكاتب المغربى فى الصفحات الأولى من كتابه.

وما يسعى إلى مناقشته وتفسيره عبر فصول الكتاب الذى لم يحتف بألان روب غريى فقط، باعتباره عراب الرواية الجديدة أو «الرجل الذى قلب موازين الرواية» كما سماه، بل امتد للحديث، فى فصل خاص، عن مارغريت دوراس، إحدى الأيقونات الأساسية للرواية الجديدة، وإن اختلف أسلوبها وتصورها عن تنظيرات العراب.

اقرأ ايضًا | في ذكرى حصوله على «نوبل».. لهذا السبب لم يسافر نجيب محفوظ لتسلم الجائزة | فيديو