تراجع الإنتاج وهجرة النجوم فى مسرح 2022

نجوم المسرح
نجوم المسرح

محمد بركات

بالرغم من أن “أبو الفنون” يحظى بجماهيرية كبيرة بين الكبار والصغار، ويحرصون على متابعة العروض المسرحية الجديدة كل عام، أو العروض التي حققت نجاحا كبيرا في وقت سابق وتقرر تجديد عرضها، فالمسرح هو الطريق للتعبير بحرية وإبداع وتوجيه الرسائل المجتمعية والإنسانية، ويكون بمثابة المتنفس الترفيهي للخروج من ضغوطات الحياة اليومية، وعلى الرغم من ذلك ومع وجود فرق ناشئة مليئة بمواهب فنية في جميع المجالات.

غير أن حال المسرح هذا العام لم يكن على ما يرام مقارنة بالأعوام السابقة، وفي السطور التالية نستعرض أراء المسرحيين حول أبرز مظاهر المشهد المسرحي، وتقييم المسرح في عام2022.

شهد الوسط المسرحى هذا العام انخفاض وتراجع عدد العروض بصفة عامة مع تراجع مستوياتها الفنية، وذلك مع غياب شبه كامل للعروض الكبيرة سواء بمسارح الدولة أو بفرق القطاع الخاص، وهي ظاهرة ترتبط بالطبع بانخفاض الميزانيات المخصصة للإنتاج، فأغلب المسارح هذا العام إكتفت بعرض مسرحيات عُرضت ولم تستقبل عروض جديدة، ونجد البعض الأخر اكتفى بعرض رواية واحدة، فعلى سبيل المثال نجد المسرح القومى الذى يعتبر أكبر وأعرق المسارح بعرض مسرحية “الحفيد”، في وقت كان يشهد فى الأعوام السابقة أكثر من عرض مسرحى، ومن ضمن ظواهر هذا العام في المسرح، نجد عودة النجوم للمسرح بعد غياب سنوات طويلة ولكن من خلال بوابة المسرح الترفيهى بالسعودية، كما غاب أغلب النجوم والمخرجين والمؤلفين عن المشهد المسرحى هذا العام، وخيم الحزن على الوسط المسرحى بعد أن ودعنا بكل مشاعر الحزن والأسى مجموعة كبيرة من كبار المسرحيين الذين ينتمون إلى أكثر من جيل، وأبدع كل منهم بإحدى المجالات الفنية، فقد ودعنا بمجال التأليف كل من الكتاب يسرى الجندى، جمال عبد المقصود، د.مصطفى سليم ، وبمجال الإخراج كل من المبدعين جلال الشرقاوى، مصطفى سعد، عبد الرحمن الشافعى، د.كمال عيد، وبمجال الموسيقى والألحان كل من الفنانين أحمد الحجار، فتحى الخميسى، محمد سلطان، وبمجال تصميم الديكور د.سمير أحمد ، وبمجال النقد المسرحى الناقدة زينب منتصر، وبمجال الإنتاج محيى زايد ، وبمجال التمثيل كل من الفنانين عايدة عبد العزيز، جالا فهمي، أحمد فوزى ، أحمد حلاوة ،عهدى صادق، ليلى نصر، فاطمة مظهر، عزت بدران ، محمد عبد الرشيد ، رجاء حسين وغيرهم من النجوم.
وعن مظاهر المسرح هذا العام يقول الناقد والمخرج والمؤرخ المسرحى د.عمرو دوارة: للأسف الشديد أن أدق وصف لأحوال مسرحنا المصرى هذا العام هو: “ضجيج بلا طحن”، حيث تراجع التأثير الإيجابى للمسرح برغم تعدد الفعاليات والمهرجانات بافتقاده للتواصل المنشود مع الجمهور.

 ويضيف دوارة: أهم ظاهرة مؤسفة هذا العام هى انخفاض وتراجع عدد العروض بصفة عامة مع تراجع مستوياتها الفنية، وذلك مع غياب شبه كامل للعروض الكبيرة سواء بمسارح الدولة أو بفرق القطاع الخاص، وهى ظاهرة ترتبط بالطبع بانخفاض الميزانيات المخصصة للإنتاج ، وذلك برغم ارتفاع أسعار الخامات والتجهيزات وكذلك الأجور، ولذا كان من المنطقى أن تختفى الفرق الخاصة الكبرى من المشهد المسرحى هذا العام ولم يصمد من بينها سوى الفنان محمد صبحي الذي قدم مسرحيتين منها “عيلة اتعمل لها بلوك”، وأيضا المؤلف والمنتج أحمد الإبيارى الذى افتتح مؤخرا مسرحيته “صالة بديعة”، بينما سارع بعض كبار النجوم لتقديم عروض ببعض دول الخليج العربى والمشاركة فى مواسم الترفيه بالمملكة العربية السعودية، وذلك فى حين رفضوا تقديم عروضهم بمصر للجمهور الذى منحهم الشهرة والنجومية، وذلك ليس فقط لاصرارهم على تحقيق أكبر قدر من المكاسب المادية ولكن أيضا وبالدرجة الأولى لضعف المستوى الفنى لتلك العروض التى لا تتناسب مع الجمهور المصرى وتذوقه للفنون الرفيعة وعشقه لعروض المسرح الجاد.

 ويتابع: إذا كان جميع النقاد وكبار المسرحيين قد اجمعوا منذ سبعينيات القرن الماضى على ضرورة استقلالية البيوت المسرحية والمحافظة على هوية كل فرقة بتفعيل دور المكاتب الفنية واحترام توصياتها والإلتزام كذلك بتنفيذ قرارات لجان القراءة فإننا حتى الآن للأسف ما زلنا نعانى من المركزية والبيروقراطية الإدارية والانفراد بالقرارات الإدارية مع غياب الشفافية، ولعل أوضح مثال لذلك أن يتم تعيين مديري الفرق المسرحية وإقالتهم تتم فجأة وبدون إيضاح للمعايير الخاصة باختيارهم ولا إبداء الأسباب التى أدت إلى إقالتهم،  فنحن حتى الآن لم نعرف سببا لعدم تكريم القيادات التى تم إنهاء مسئوليتهم الإدارية هذا العام كالفنان أيمن عزب (مدير المسرح الكوميدى السابق)، والفنان إسماعيل مختار رئيس البيت الفنى للمسرح السابق، وكذلك عدم تعيين رئيسا جديدا خلفا له لعدة شهورقبل تحمل الفنان خالد جلال للمسئولية، مما مهد الفرصة للبعض لإطلاق الشائعات حول توليهم المنصب  والعجيب أنه خلال تلك الفترة لم يصدر أى بيان رسمى من مسؤول ينفى تلك الشائعات التى استمرت لعدة أسابيع.

ويستكمل دوارة حديثة قائلا: أيضا تعد ظاهرة كثرة المهرجانات المحلية والعربية هى أبرز الظواهر التى شهدها المسرح خلال هذا العام، حيث تزايد عددها بصورة مبالغ فيها جدا، وللأسف فقد تحولت هذه الظاهرة الإيجابية إلى ظاهرة سلبية خلال السنوات الأخيرة بعدما أصبحت تنظم بمصر شهريا في المتوسط ثلاثة مهرجانات مسرحية، فتداخلت مواعيد تنظيمها كما تم تكرار مشاركة كثير من العروض ببعض المهرجانات، وكذلك تكررت أسماء أغلبية المكرمين والمشاركين في اللجان المختلفة وخاصة بالمهرجانات الدولية، وذلك لضمان استمرار تبادل الدعوات بالنسبة لرؤساء المهرجانات بالدول المختلفة !! ولعل هبوط مستوى الدورة الأخيرة لمهرجان “القاهرة الدولى للمسرح التجريبى” (الدورة 29) – والتي تعد من أسوأ الدورات إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق، حيث تعاظمت بها السلبيات والتجاوزات الإدارية والفنية مما دعا كثير من الأقلام النقدية الجادة للكتابة والمطالبة بضرورة محاسبة المسئولين عنها. والحقيقة التي يجب تسجيلها أيضا في هذا الصدد هي أن التمثيل المصرى بالمهرجانات العربية لم يكن مشرفا على الإطلاق، لدرجة أن جميع الفرق التى شاركت بمهرجانات عربية لم تحظ أى منها بأى جوائز أو حتى إشادات نقدية، وبرغم قتامة الصورة المسرحية بصفة عامة إلا أن هناك بعض النقاط المضيئة التى يجب الإشارة إليها حيث تم تقديم بعض العروض المتميزة بفرق مسارح الدولة ومن بينها على سبيل المثال: “الحب في زمن الكوليرا، ليلة القتلة (لفرقة مسرح الطليعة)، كذلك قدم شباب الجامعات (المعهد العالي للفنون المسرحية) وعدد كبير من فرق الهواة بالعاصمة والأقاليم بعض التجارب المتميزة جدا، ومن بينها على سبيل المثال: “بنت القمر لكلية الآداب جامعة حلوان، أشباح الأوبرا لمركز الهناجر للفنون، علاقات خطرة لفريق بيتر شو، سينما 30 لجامعة الدلتا”، وتعد مسرحية “استدعاء ولي أمر” إنتاج مركز الهناجر للفنون من وجهة نظرى أفضل عرض، ومما سبق يتضح أن من أبرز المعطيات المشرقة هذا العام هى استمرار تألق وتميز فرق هواة المسرح ونجاحها في حمل راية الإبداع بالمسرح المصري والعربي، وهى الظاهرة التى استمرت تقريبا منذ بداية الألفية الجديدة والتي تأكدت بحصول عروضهم ونجومهم بالجوائز الأولى بالدورات المتتالية للمهرجان القومى للمسرح المصرى.

بينما يقول المخرج عصام السيد: الحركة المسرحية ليست في حالة صحية، تعرض المسرح هذا العام لمشاكل كثيرة جداً أولها إنخفاض الميزانيات التى كانت سبب في انخفاض إنتاج عروض جديدة، فتم تحديد 100 الف “سلفة” فى البداية يتم صرفها للعرض مهما كان ديكور وملابس العرض والأبطال المشاركين، فى حين نجد ديكور وملابس العرض لا تكفى هذه الميزانية لهم فقط، ثم نطالب بعد ذلك بسلفة أخرى، هذه تعليمات تنطبق على أى وزارة ولكن لا يمكن تطبيقها على وزارة الثقافة او المسرح تحديداً، هذا بالاضافة لتطبيق الفاتورة الإلكترونية التي تم تطبيقها على الفنانين، فالفنان ليس تاجر او مقاول، او مقدمين خدمات، وبالتالى يجب النظر إلى المسرح بنظرة مختلفة، ويكون المسرح له وحدة إنتاجية ذات طابع خاص وتتحرر المسارح من الإجراءات الإدارية الكثيرة والبيروقراطية.

 ويضيف السيد: لك أن تتخيل أن المسرح القومى الذى يعتبر من أكبر وأعرق المسارح لم يقدم سوى رواية واحدة هذا العام وهى مسرحية “الحفيد”، وهذا بسبب إنخفاض الإنتاج، فيجب إتاحة الفرص للجميع حتى نتخلص من هذا الإحتقان فى العام الجديد، وإعادة النظر في المعوقات التي وضعتها وزارة المالية، مع النظر فى زيادة الميزانية ووضع خطة لجذب كبار النجوم لخشبة المسرح مرة أخرى من خلال توفير مسارح وميزانية مناسبة، خاصة بعد أن شاهدنا عودة النجوم للمسرح ولكن من خلال الهيئة الترفيهية بالسعودية.

زيادة الروتين الإدارى من أهم المظاهر السلبية هذا العام في المشهد المسرحي، هكذا قال المخرج حسام الدين صلاح، وأضاف: انخفض جداً هذا العام إنتاج عروض مسرحية، كما شهد المسرح أقل عدد فى ليالى العروض، أقل إيرادات وذلك بالرغم من توافر مسارح القطاع العام والفرق التى تتقاضى مرتبات شهرياً ولم تقدم عروض، فالمسرح القومى لم يقدم عرض يعبرعن مكانته وقيمتة الكبيرة، خلال السنوات الماضية، ويتم الحديث عن عودة كبار النجوم لمسارح القطاع العام المختلفة ولم نجد ذلك، حتى مسرح القطاع الخاص يكاد يكون اختفى بسبب ارتفاع إيجار المسارح، وإرتفاع سعر التذاكر، إلا بعض التجارب للفنان محمد صبحى فى المقابل نجد البعض الاخر لجأ إلى العرض فى السعودية حتى يستطيع منتج العرض تحصيل أمواله وتحقيق أرباح طائلة، يجب إعادة النظر في الوضع المسرحى حتى لا يزداد الأمر سوءاً.

اقرأ أيضًا.. تحت رعاية وزيرة الثقافة.. الأحد خالد جلال يعقد مؤتمر «٢٠٢٣ عام جديد ومسرح جديد»