زكريا عبدالجواد يكتب: أحلام «جنوبية» عام 2023

زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد

هناك فى الصعيد، وتحديدًا بقريتى وما يجاورها، شباب يستقبلون العام الجديد بأحلام قديمة! ويبتهلون من أجل جرعة حظ، تلطف عنهم قسوة العيش. هم يخوضون حروبًا ضد الفقر فى عزم الشتاء، ميادين نضالهم حقول القصب، أكفهم خشنة لا تتألم من شوك أوراقه.

وحين يحتضنون الأعواد بحفاوةٍ، تتعاطف مع كفاحهم وتتمددُ على أكتافهم بتؤدةٍ، فيملؤون بها أفواه مقاطير تئن من البرد، وينتصرون على قسوة الشتاء بشلالات من العرق فى صقيع الفجر. 
لا يعرف أحدهم عن الكريسماس شيئًا، رغم أن منهم المثقفين والمفكرين، والحاصلين على دراساتٍ عُليا، ولكن لا سبيل أمامهم للكسب سوى هذه المهنة الشاقة فى الشتاء، أو طلوع النخل فى الصيف.

زوجة أيهم لا تعرف الترف، ولو فى شهر حملها الأخير، وحين تصادف تعليمات - تليفزيونية - بضرورة المتابعة مع طبيب؛ تضحك ساخرة، وتسددُ قبضةً لفحل بصل، أوصتها جدتها بأنه يُسهّل الولادة الطبيعية.

هى امرأة يتكئ الرجل على شهامتها، وتستقبله بماكياج تستحى أن يراه صغارها، حين يعود من كد يومه الطويل، ولا تشكو لأبيهم تواطؤ السقف مع الصقيع. هم أُناس اعتادوا جفاء الحياة، وفى كل صباح يقبلون على يومهم؛ تصافحهم الشمس بخجلٍ، وفى المساء ينتصرون على نهار الشقاء بتسامرهم، ويخترعون قمرًا يكون جديرًا بونس الحكاية.