د. أشرف غراب يكتب: الحياة الحزبية.. آمال وطموحات المصريين

د. أشرف غراب
د. أشرف غراب

ما إن هبَّت شرارة ثورة 30 من يونيو، حتى اشتعل معها نشاط نضال الحياة السياسية فى مصر، إذ أسهمت الأحزاب وقتئذ بدورٍ لا بأس به فى فضح جماعات الضلال والإفك ونواياها الخبيثة ضد مصر والمصريين، وكانت بالفعل رأس حربة الثورة المجيدة فى حث المصريين كافة على ضرورة المشاركة فيها، والوقوف بالمرصاد لمن خانوا العهد، وفقدوا الثقة، وباعوا دماء المصريين بثمنٍ بخس، لأجل الكراسى الزائلة، والمناصب الرفيعة، فقد اجتمعت جميع الأحزاب قبل قيامها بأيامٍ قلائل فى بوتقة واحدة، من أجل إعلاء مصلحة الوطن، وإيمانًا من رجالها وقادتها بأن الخطر حين يقترب من مصر، لا حديث عن جهاتٍ وجبهات، وفرق ومذاهب، وآراءٍ وتعددية، وإنما الكل سينصهر فى جسدٍ واحد، وهو ما حدث بالفعل، إذ وجدنا لُحمة قوية بين جميع الأطياف السياسية وقت اندلاع الثورة، وظهرت جبهة الإنقاذ الوطنى التى ضمت فى طياتها أحزابًا وتيارات مختلفة الأيديولوجيات والأفكار، جميعها اتحدت لتدفع عن البلاد خطرًا يحدق بها من كل حدبٍ وصوب داخليًا وخارجيًا.

عقب نجاح الثورة، ولفظ أهل الشر، ووقوف الدولة على قدمين ثابتتين، وإقامة أركانها الدستورية والتشريعية والتنفيذية، آمنت القيادة السياسية بدور الأحزاب القوى فى الشارع المصرى، وضرورة التنوع والاختلاف البنَّاء الذى لا يُفسد للوطن قضية، وتحقيقًا للنهج المصرى القديم والأصيل فى التعددية السياسية، ودورها الرائد على مر العصور فى بنيان الدولة صاحبة الحضارة الممتدة لسبعة آلاف عامٍ، فتحت القيادة السياسية الباب على مصرعيه لإنشاء الأحزاب، بعد أن يسَّرت ذلك وجعلت الإخطار أحد أيسر الطرق لصدورها وانطلاقها  لتعمل على الأرض، توعيةً وإرشادًا ومساهمةً مع الحكومة فى التنمية والتثقيف والتوعية، فتوالى تأسيس الأحزاب عام 2018 حتى بلغ عددها 104 أحزاب سياسية مسجَّلة رسميًا فى نظام مصر، ومعتمدةً من لجنة شئون الأحزاب.

وها هى مصر الآن تملك حياة حزبية عريقة شهدت طفرة كبيرة فى الآونة الأخيرة، حيث كان لها نشاطها الملموس فى الجمهورية الجديدة، وقد ضربت المثل مرات ومرات فى الوطنية، والإخلاص للدولة والشعب، بقيامها عبر أفرعها ولجانها بالقرى والمدن ومحافظات مصر المُترامية الأطراف، بتقديم الدعم للجماهير، والندوات الثقافية، والمؤتمرات الشبابية، والمشاركة فى الأزمات وطرح الرؤى والحلول الاقتصادية والتشريعية من خلال أعضائها باللجان ونوابها بالشيوخ والبرلمان، وهو ما يؤكده أن انخراطها أكثر فى الحوار الوطنى الذى دشَّنه الرئيس السيسى فى 26 أبريل 2022، لتحديد أولويات العمل الوطنى، خلال المرحلة الراهنة، بالتعاون والمشاركة مع التيارات الشبابية ورجالات الدولة بجميع الجهات العلمية والبحثية والاقتصادية والإعلامية والسياسية، ما يضع على عاتقها مسئوليةً حقيقيةً فى التنمية والبناء، تتطلب تنسيقًا مشتركًا بينها.

الواقع الذى تعيشه الحياة الحزبية فى تلك المرحلة من تاريخ مصر، والذى تعمل الدولة فيه على جميع المحاور بلا استثناء، من إصلاحات سياسية وتشريعية واقتصادية، وحرب تنمية لا هوادة فيها انطلقت منذ تسع سنوات ولم تتوقف إلى اللحظة التى نحن بصددها، رغم الأزمات العاتية التى لحقت بالعالم كله، من فيروس كورونا الذى قضى على مجرد التفكير فيها، وأوقف عجلة الدوران عن سُبلها لنحو ثلاث سنوات وبالتحديد منذ عام 2019، وإن كانت توابعه قائمةً وليست بالحِدة القديمة، ثم ما تلاها من حربٍ روسية أوكرانية أعطبت سلاسل الإمداد، وشلَّت حركة الماكينات والمصانع عن العمل، ورفعت تكلفة المواد الخام الأولية التى تحتاجها الدول لإقامة مشاريعها وتسيير أمور شعوبها، وما زالت تضرب بقوةٍ ما نتج عنها مجاعة فى بعض البلدان، وأزمات فى أخرى، وتوقف العمل فى ثالثة، وغيرها من الأمور التى لا يُحمد عقباها، بينما واقع الحياة الحزبية اختلف تمامًا بعد أن تشكَّلت أحزاب 30 يونيو من بينها أحزاب مستقبل وطن، والشعب الجمهورى، وحماة الوطن، وغيرها من الأحزاب التى تتصدَّر المشهد الحزبى اليوم، وإن كانت الأحزاب القديمة تُصارع الفناء والموت البطىء، أو التطوير ومحاولة الوجود ثانيةً.

ونظرةً عن قُرب للأحزاب التى تخطى عددها أكثر من 100 حزب رسمى أُعطى لها الضوء لتُمارس مهامها الوطنية، ترى أنه يتواجد ما يقرب من 13 حزباً فقط تحت قبة البرلمان، منهم 5 أحزاب لديها عدد كبير من النواب داخل المجلس، وهى أحزاب مستقبل وطن، والشعب الجمهورى، وحماة الوطن، والوفد، ومصر الحديثة، ومن ثم يُمكن رؤية الخريطة الحزبية للجمهورية الجديدة، والتى ستعتمد على تلك الأحزاب بشكل أساسى فى صُنع القرار مُستقبلًا، وتكوين تعاونٍ مشترك فى العمل العام، وفى خطاب الجمهور وإرشاده، وأيضًا الاطلاع على همومه وما يحتاجه دون وسيطٍ، من خلال اللجان المنتشرة بالمناطق التى يُقيم فيها، مدينةً كانت أو قريةً ونجعًا وتابعًا، لكن ما زال المأمول أكبر، والمطلوب أكثر، والشعب يُريد أفعالًا، لا شعارات رنانة، وأقوالًا عديمة التنفيذ.

فى اعتقادى أن الأحزاب  الآن فى اختبار سياسى لتحديد أولويات العمل خلال الأيام المقبلة، تُقاس عليه قدرتها على المشاركة الفعلية فى صناعة القرار خارج نشاطها القديم من خلال أصوات نوابها بالبرلمان، من مساحة جديدة أتاحها لها الرئيس للحوار والنقاش "الحوار الوطنى"، بما يخدم مصلحة الوطن، وبالتالى يجب عليها استغلال تلك الفرصة وهذه المساحة، وإن كان الجميع سيتفق على بعض الأولويات وأهمها استكمال المشروعات القومية الفاصلة فى تاريخ مصر، وعلى رأسها "حياة كريمة"، بجانب مواصلة العمل فى خطط الدولة التنموية والإصلاحية فى مجالات الاقتصاد، وأيضًا الهيكلة الإدارية، مع إعطاء الأولوية لمشروعات الأمن الغذائى والسيبراني، وتكثيف الاهتمام بمظلات الحماية الاجتماعية وغيرها من أدوات مواجهة التحديات الراهنة التى يفرضها علينا الواقع العملى، فمصر قلب العالم والنقطة الجيوساسية الأهم على الخريطة العالمية، ومن ثم ترتيب أولويات العمل فى الداخل المصرى يجب أن يتفق والمتغيرات الدولية والتحديات الداخلية، ما يصعب الاختبار على الأحزاب ولكن جودة الحياة الحزبية الآن تُبشر بنتائج إيجابية مُنتظرة من أحزاب الجمهورية الجديدة.

منذ بضعة أيامٍ تزيَّنت محافظتى كفر الشيخ، لاستقبال قيادات حزب الشعب الجمهورى بالمسرح المدرسى،  لانعقاد المؤتمر التنظيمى  الأول لأمانة المحافظة، برئاسة الأمين العام للحزب عن المحافظة النائب على أبو أحمد، والأمين المساعد، النائبة الدكتورة هدى الطنباوي، وأمين التنظيم أحمد الرميلي، وجاء ذلك تزامنًا لافتتاح المقر الرئيسى للحزب بأمانة المحافظة، وأربعة مقار لأمانة الرياض، وسيدى سالم، وبيلا ودسوق، وقد حضر اللقاء التنظيمى الأول لأمانة الحزب بكفر الشيخ، اللواء محمد أبو هميلة، الأمين العام للحزب، والعميد أحمد الألفى، أمين التنظيم والعضوية، والمهندس فوزى الرفاعى، أمين حزب مستقبل وطن بكفرالشيخ، وقيادات حزب الشعب الجمهورى ومستقبل وطن بكفر الشيخ، وكان شعار الحزب مصر أولًا والالتفاف حول القيادة السياسية وتنفيذ الحزب لرؤية رئيس الجمهورية، مبينًا خلال كلمات رجالاته، أن هدف ائتلاف حزبى مستقبل وطن والشعب الجمهورى هو النهوض بالوطن والمواطنين، وخلق قنوات اتصالٍ بين الحزب والمواطنين؛ للوقوف على مشاكلهم وإيجاد الحلول الملائمة لها، وتوعيتهم وحثهم على حُب الوطن والتصدِّى للأزمات الراهنة التى تمر بها البلاد، وفى الوقت نفسه مُعلنين عن  استمرار الخطة المركزية للحزب فى مد أمد معرض السلع الغذائية المُخفضة حتى شهر رمضان المبارك.

علمت من خلال كلمات الأعضاء ومسئولى الحزبين أن دورهما تبلور بأن يكونا معًا أسرة سياسية واحدة تعمل لغرض واحد وهو الوطن ثم الوطن، حيث أشار اللواء محمد أبو هميلة أن من مهام الحزب توعية المواطنين وعدم انسياقهم وراء الشائعات المُغرضة التى يُروجها أعداء الوطن؛ ومنها أخطرها تلك التى تم نثرها فى الفترة الأخيرة، وإشاعة بيع قناة السويس والتى تُعتبر معلمًا استراتيجيًا واقتصاديًا لمصر، وأن أهميتها كأهمية الأهرامات بالنسبة لمصر، وأكد أيضًا أن هذا الصندوق الذى يتم إنشاؤه ما هو إلا للمساهمة فى دفع رواتب الموظفين بالقناة فى حالة حدوث أزمات مثل أزمة السفينة التى علقت بالممر الملاحى، وعُطل الممر لمدة ستة أيام.. أما العميد أحمد الألفى، أمين التنظيم والعضوية للأمانة المركزية لحزب الشعب الجمهورى، فأكد على تكرار زياراته لمقر الحزب بكفر الشيخ، والتى ستكون بشكل مفاجئ، ويأمل أن يستمر معرض السلع الغذائية المخفضة حتى نهاية شهر رمضان، مُعلنًا عن زيادة عدد السيارات المُخصصة لبيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة لتصل إلى 12سيارة، تخفيفًا للعبء الواقع على كاهل المواطنين.. وهنا يُمكننى الختام بالقول، إنه يجب أن تحذو بقية الأحزاب حذو حزبى الشعب الجمهورى ومستقبل وطن النشيطين، وأن تتمتع قياداتها بتلك الكاريزما التى رأيتها فى هؤلاء الرجال الشرفاء، لتكون الحياة السياسية الحزبية فى مصر صحية وآمنة ووطنية، ويعود نفعها على الشعب، محسوسةً ملمومسةً كما شاهدت على أرض محافظتى.. حفظ الله مصر وشعبها وقيادتها والمُخلصين لها من كل مكروه وسوء.