من وراء النافذة

«الطيب»

هالة العيسوى
هالة العيسوى

إن لم تخنى الذاكرة، لم أشهد فى حياتي، أو أقرأ، أو حتى اسمع من السلف الصالح، ما هو أكثر تجنيا أو تطاولًا على مقام شيخ الأزهر عمّا يجرى الآن نحو فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب. إن أقل ما يوصف به ما يجرى الآن من هجوم يأتى على ألسنة العوام والهوام كلما نطق فضيلة الإمام برأى فى قضية، أو حتى تحية فى مناسبة ما، هو البذاءة  الناجمة عن الجهل.

على مر العصور كان الأزهر الشريف متصديًا لقضايا الوطن والمجتمع. كانت هناك خلافات فكرية بلا شك، ومعارك فقهية نتيجة تباين المشارب والمدارس الفكرية والانتماءات الأيديولوجية، وفى بعض العصور كان هناك عدم رضا عن أداء الأزهر وشيخه، لكن أبدًا لم تتعد هذه الخلافات الفكرية أو عدم الرضا حدود الأدب. فقد كانت خلافات بين علماء وقامات فكرية رفيعة، تعرف وتقدر مكانة الأزهر ومقام شيخه.

أما الآن أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، والشاشات المفتوحة لكل من هب ودب التطاول والقفز بغثاء القول على فضيلة الشيخ، والافتئات عليه بتزييف أقواله وتلوينها، والادعاء عليه بما لم يقله.

هجمات مريبة، من شخصيات مجهولة ولكن دوافعها ودافعيها معروفون، تعيد إلى الأذهان شخصية زكى قدرة التى أداها ببراعة الفنان الراحل عادل أدهم،  «ادبح يا زكى قدرة يدبح زكى قدرة، اسلخ يا زكى قدرة، يُسلخ زكى قدرة».

مؤخرًا هوجم الشيخ الجليل لأنه توجه بالتهنئة للإخوة المسيحيين بمناسبة عيد الميلاد المجيد. وبقدر ماكانت تعليقات بعض المهاجمين مسيئة ، كانت هى نفسها مثيرة للسخرية من أصحابها وكاشفة عن جهل مدقع، فبعضهم استخدم وصف «الرويبضة»، وهم تجسيد حى لهذا الوصف، وبعضهم  للعجب سأله: هل تعلمت فى القرآن ما يأمرك بتهنئة المسيحيين؟ فيتبادر إلى الذهن سؤال آخر: وهل فى القرآن ما ينهى عن ذلك؟

مشكلة بعض خصوم الطيب، وهم من مُدّعى الحداثة والتنوير، وتجديد الخطاب الديني، أنهم يتعاملون مع فضيلة الإمام بالقطعة، حين ينطق بما لاتهوى أنفسهم، يتحولون إلى زكى قدرة، وحين يساير كلامه هواهم تجدهم يمجدون فى شخص الرجل وأفكاره، ويصفقون له.

أما مشكلة البعض الآخر من خصومه، وهم السلفيون، فمزمنة، وأبدية، وهى الدليل الثابت على رجاحة عقل الرجل. ولعلنا مازلنا نذكر الفيديو المسرب  للدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، الذى كان عضوًا بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور الذى كشف فيه أن السلفيين تمكنوا من تضمين بعض المقترحات فى مسوّدة الدستور المصرى والتى ستتيح التخلص من شيخ الأزهر بعزله عن منصبه بتحديد سنّ التقاعد.وقال برهامى فى الفيديو الذى تم تسريبه للجلسة المغلقة لملتقى العلماء والدعاة لمناقشة الدستور، إنه طرح عزل شيخ الأزهر فى الجلسة المغلقة فهاج ممثلو الأزهر فى الجلسة، «لذلك تغاضينا عن المطالبة بعزل شيخ الأزهر حتى لا يهيج علينا الشارع، لكن بعد تشكيل هيئة كبار العلماء، ووضع القانون يمكن أن نعزل شيخ الأزهر بالقانون!»

هذا اعتراف صريح بمكانة شيخ الأزهر فى الشارع المصرى وفى قلوب المصريين، دون ادعاء قداسة لشخصه أو عصمة. لكنه تكريم للشيخ الذى يقدره ويبجله الغريب قبل القريب.