لا تزهو المؤسسات العلمية والجامعات الكبرى بشىء قدر ما تزهو حين يكون بين كوادرها قامات رفيعة يجمع الكل على تقديرها كما فى حالات قليلة منها وفى مقدمتها عندنا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد.
إنه ليس فقط أستاذا لأجيال من دارسى العلوم السياسية فى مصر والوطن العربي، وليس فقط صاحب الاسهامات العلمية الرائدة كاتبًا ومؤلفًا وقائدًا لمؤسسات علمية شديدة الاحترام. لكنه- قبل ذلك وبعده- يقدم نموذجًا للمثقف العالم، صاحب الضمير الوطنى، وحامل الهم القومى فى أنقى صوره.
ومن هنا كانت الصورة الكبيرة مما نشر عن ملابسات استبعاده من حفل تكريم أقامته جامعة القاهرة لأبنائها الفائزين بالجوائز العلمية الكبرى فى العامين الماضيين، وهو تقليد جيد ليته يستمر ولكن بدون سقطات مثل تلك التى حدثت مع الدكتور أحمد يوسف، والتى نتمنى أن تكون مجرد خطأ فردى يحاسب من ارتكبه، ويتم الاعتذار عنه للرجل الذى كرمته الدولة بأرفع جوائزها، والذى وضعته كل الأوساط العلمية والثقافية فى مصر والعالم العربى كله فى المكانة التى يستحقها.
هذا الخطأ الفادح فى حق الدكتور أحمد يوسف لا يسىء إلا لمن ارتكبه، خاصة حين يكون ذلك فى رحاب جامعة القاهرة بكل تاريخها المضىء ودورها الرائد. الإساءة لا تلحق أبدا بالرجل الذى يعرف الجميع قدره، ويعرفون أيضا ترفعه عن المعارك الصغيرة، وعزوفه عن الأضواء، ومقدار ما يتمتع به من تواضع العلماء.
المحاسبة على الخطأ واجبة، وكذلك الاعتذار عنه. لكن الأهم هو إصلاح مواطن الخلل فى الإدارة التى لا تعرف أقدار الناس، ولا تدرك أن أمثال الدكتور أحمد يوسف فى كل المجالات هم ثروة الجامعات الحقيقية التى ينبغى الحفاظ عليها لا محاولة الإساءة إليها بتصرفات صغيرة من موظفين صغار «أيا كانت مواقعهم!!» أضروا بصورة الجامعة العريقة، لكنهم- والشهادة لله- أتاحوا فرصة للتأكيد على ما نرجوه لجامعاتنا، وما يكنه الجميع فى مصر والعام العربى من تقدير لما يمثله الدكتور أحمد يوسف. علما، ووطنية، ونبلا إنسانيا، وتحملا لمسئولية المثقف العربى بكل أمانة.