د. مصطفى الرزاز يكتب.. الاستثمار الثقافى

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

 الاستثمار يتطلب الصرف ولا تأتى نتائجه بالحماس والنوايا الطيبة، والعاملون فى الهيئة وفى الوزارة ليس لديهم الخبرات اللوجستية للتسويق والإعلان والتخطيط وتحمل مسئوليات الأداء والمحاسبة على نواتجها.

فكرة الاستثمار لأصول وزارة الثقافة بمرافقها المتعددة تتصاعد منذ سنتين تقريبا وقد عقدت اجتماعات لجان تضم ثقات لبحث إمكانية استثمار أصول قطاع الفنون التشكيلية، ولكن الاجتماعات طالت وتعددت، وبالرغم من الطروحات والأفكار الممتازة، لم يتحول المسعى إلى واقع قابل للتطبيق حتى الآن.


 والآن هناك توجه إلى استثمار أصول الهيئة العامة لقصور الثقافة، فى هذا الصدد وفى الموضوع المتعلق بقطاع الفنون التشكيلية وربما في مرافق ومواقع خدمية أخرى بوزارة الثقافة، أود أن أعبر عن رؤيتى التى كونتها من خلال تجاربى الممتدة فى تلك القطاعات والهيئات مسئولا أو مستشاراً، أو مشاركا فى طروحات التفكير فى مثل تلك المشروعات.


 أولاً: من الضرورى الانتباه إلى أن خدمات وزارة الثقافة ولنتوقف الآن عند هيئة قصور الثقافة، هى حتما وفى ذاتها وواقعها الراهن عمل استثمار بالغ الأهمية فيما يتعلق بالتنمية البشرية، ونشر أفكار المعرفة والتنوير والابداع، واكتشاف الملكات والمواهب من جميع أرجاء مصر بما فيها القرى والنجوع.

وقد كانت دوما مصدراً هائلاً لاطلاق تلك المواهب المتميزة  فى شرايين الحركة الثقافية والابداعية فى مجالات الأدب والفنون بأطيافها المختلفة، حتى إن أجيالاً من أعظم كتاب الدراما والرواية والشعر والدراسات الأدبية.

ومن رجال المسرح والموسيقى بتقنياته وأدواره العديدة، والفنانين التشكيليين من مختلف الأقاليم الذين ازدهروا وصار بعضهم روادا فى الثروة الثقافية المصرية خرجوا من عباءة الهيئة العامة لقصور الثقافة.


إن الهيئة بواقعها الراهن وبخدماتها المجانية هى استثمار (كالتصنيع الثقيل) لأنها آليات صناعة المبدعين ونشر الوعى التنويرى والمعرفى والعملى والابداعى، فضلا عن ثقافة الطفل والمرأة والعمال. 


وهى أيضا سفير رفيع المستوى من خلال العروض المدهشة لفرق الرقص الشعبى المتعددة والمتميزة في العواصم العالمية، وهى مضمار تجريبى لفنون المسرح وتقديم العروض الراقية وتحكيمها بواسطة النقاد والثقاة، والتسابق السنوى فيما بينها.


 وهذه  مجرد أمثلة لمعين أكبر،والهيئة إذن مرفق استثمارى بامتياز- فى مجال التنمية البشرية، وهى حائط صد قوى ضد التيارات المتطرفة، والأفكار الرجعية المتربصة بالمجتمع من ناحية ومن الأفكار العدمية الهدامة من ناحية أخرى.


 ومع كل ما تقدم فإنى أرى أن أتوجه إلى نوع مواز من الاستثمار المادى المباشر لتكوين حصيلة من دخل، يساعد من ناحية على تعزيز موارد الصرف علي تلك القصور والبيوت النشطة للثقافة الجماهيرية، وتوفير عائد مادى ذى قيمة ملموسة لتعزيز ميزانية وزارة الثقافة، هو أمر جيد وقابل للتحقيق دون الإخلال بالوظائف الخدمية الحالية وفى هذا أطرح بعض الأفكار.


أولاً: لقد لاحظت أن الجماهير وبالذات فى المدن تعزف عن زيارة أو الاستمتاع بخدمات الهيئة لكونها (مجانية تماما) بالرغم مما تقدمه من عروض موسيقية ومسرحية وملتقيات شعرية ذات مستوى معتبر، وأرى أن يصبح دخول تلك الفعاليات مقابل رسوم مخفضة ولكن ملموسة، فإن ذلك سيؤدى إلى زيادة الاقبال الجاد عليها، بينما يوفر حصيلة معقولة لمشروع الاستثمار.


ثانيا: لدى الهيئة عدد معتبر من فرق الفنون الشعبية، والمسرح والموسيقى العربية والأوركسترا وفرق شعبية كالمداحين والكفافة والدفوف النوبيين، وغيرها وكلها ذات مستوى احترافى يمكنها من تقديم العروض فى عواصم عالمية وحصد اعجاب تفاعلى مدهش أينما ذهبت.


وهى طبعا تقدم عروضها المجانية فى قصور الثقافة عبر الوطن بنجاح كبير، وأرى أنه يمكن تخصيص عرضين مثلا لكل فرقة، تقدمها فى مسرح تجارى أو فى أحد مسارحها، مع حملة إعلامية ودعائية وإدارة تسويقية احترافية لتكون تذاكرها مرتفعة والاقبال عليها واسعا.


هذا هو مدخل مدهش للاستثمار والربحية السخية معتمدين على رصيد الصرف على تلك الفرق ماديا وفنيا وتدريبيا بما فى ذلك الأدوات الموسيقية والملابس والديكورات المسرحية وأجهزة الاضاءة والتسجيل والاذاعة.


 سيكون من الممكن الاستفادة من هذا الاعداد والصرف المتكامل والمحترم، فى مناسبتين سنويتين ضمن برنامج مواز لبرنامج الهيئة الاعتيادى،ثالثاًَ: يمكن تحويل أنشطة ممارسة والتدريب على الصناعات الابداعية من مختلف الحرف الفنية كالسجاد والكليم والتطريز والحلى وأشغال الخزف والمعادن والأخشاب الفنية إلى أنشطة استثمارية.

وسيتم تسويق إنتاجها بعد رفع مستويات التدريب والأداء، وتعزيز الابتكارية والاتقان، وتحديد المصنفات التى تتطلبها الأسواق، فتباع ويأخذ منتجوها نسبة من العائد المادى فيتم تشجيعهم على إنتاج المزيد بجدية، مما يرفع من كفاءتهم ويمكنهم من الاستقلال بمشاريعهم الخاصة من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.

وسيكون ذلك استثمارا ماديا مضمونا، واستثمارا فى زرع ثقافة العمل واحترام المهن، وبعث الحرف المعرضة للاندثار، وهو هدف قومى وثقافى لا يستهان به.


 بل وهل يمكن أن تتعاقد قصور الثقافة من خلال خبراء التسويق مع تجار المشغولات الفنية الشعبية، لتنتج كمية محددة من المصنفات بالمستوى التسويقى الراقى، ثم قد تأتى فرصة للتسويق الخارجى. 


 هذه هى أمثلة ثلاثة على ذلك المسعى لوزارة الثقافة وبالطبع هناك مدخلات أخرى يمكن تأملها وتفعيلها عندما يتحول التفكير إلى خطة عمل محددة الأهداف والمسئوليات.


الاستثمار يتطلب الصرف ولا تأتى نتائجه بالحماس والنوايا الطيبة، والعاملون فى الهيئة وفى الوزارة ليس لديهم الخبرات اللوجستية للتسويق والإعلان والتخطيط وتحمل مسئوليات الأداء والمحاسبة على نواتجها.


ولذلك فإنه من المهم أن تنشئ الوزارة أو الهيئة نوعا من الشراكة على مختصى التسويق والدعاية وتنظيم العروض، وضبط الحسابات، مقابل نسبة من الدخل يتفق عليها، ذلك هو المدخل الذى سيجعل عروض الهيئة ومنتجاتها ذات سمعة جذابة لمن يدفع بسخاء للاستمتاع بها.

اقرأ ايضًا | لجنة الفنون بـ«قومي المرأة» تنظم معرضا فنيا وندوة بعنوان «صيحة» بنقابة التشكيليين