استثمار الأصول في الثقافة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

جمعيات رواد قصور الثقافة فكرة الراحل الكبير سعد الدين وهبة وكان الهدف منها تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدول وتمويل الأنشطة الثقافية ذاتيًّا بل والمساهمة في استكمال احتياجات القصور من أثاثات وأجهزة وما إلى ذلك.

التوجه المتعلق باستغلال مرافق الثقافة أو أصولها استثماريًّا فى الواقع ليس توجهًا جديدًا ولكنه توجه جيد ومقدر فى ظروفنا الحالية، ومن يقرأ جيدًا على سبيل المثال القرار الجمهورى المنشئ لهيئة قصور الثقافة رقم 63 لسن 1989 ، سيجد أن ذلك فى بعض بنوده (بند ب من المادة 3 المتعلقة بموارد الهيئة، وبند هـ من المادة 5 المتعلقة باختصاصات مجلس الإدارة).

بل إن هذا التوجه سابق على هذا القرار فمنذ تأسس جهاز الثقافة الجماهيرية عام 1966 ليدير قصور الثقافة التى انتشرت فى عواصم المحافظات كان هذا التوجه قائمًا بالفعل من خلال التعاون بين تلك القصور وجمعيات رواد قصور الثقافة التى بدأ تأسيسها منذ عام 1969 لتتحمل مسؤولية إدارة بعض الأنشطة النوعية.

والتى تدرُّ عائدًا يدخل إلى صناديق الجمعيات ثم يعاد توظيفه فى تمويل ودعم الكثير من الأنشطة الثقافية الخدمية الاعتيادية  للقصور من مثل الأنشطة الأدبية والمسرحية ونشاط المكتبات وأنشطة الثقافية الموجهة إلى الطفل وغيرها.

وكان مجال نشاط السينما التجارية هو المجال الأبرز فى هذا التوجه الاستثماري، أتذكر مثلًا أن السلفة المستديمة لقصر ثقافة أسيوط التى كان يتم من خلالها الصرف على الأنشطة الخدمية الاعتيادية من مثل ما ذكرت .

وإبان حقبة السبعينيات - لم تكن تزيد على مائة جنيه فى الشهر وهى غير كافية إلا للصرف على القليل منها بينما كان تمويل سائر الأنشطة الثقافية من اعتيادية ونوعية يتم من خلال صندوق جمعية الرواد تحت إشراف مجلس إدارة الجمعية.

وكذلك الصرف على إقامة ضيوف الأنشطة المختلفة القادمين من القاهرة والمحافظات الأخرى وهو بند لم يكن موجودًا فى الميزانية الرسمية المتمثلة فيما يعرف بالسلفة المستديمة التى كانت عملية استعاضتها سنوات طويلة تحتاج إجراءات كثيرة ومستندات يسافر بها كل شهر تقريبًا موظف إلى مقر الثقافة الجماهيرية بالقاهرة.


وبخلاف إدارة جمعيات الرواد لدور السينما بقصور الثقافة كانت تدير أنشطة أخرى ذات عائد استثمارى مثل ورش صناعة الكليم والسجاد والجوبلان والخزف والفخار وكان لكثير من الجمعيات ورش نجارة تسهم فى خدمة نشاط المسرح بالإضافة إلى اضطلاعها بمهمة إصلاح ما يحتاج إلى إصلاح من أثاثات القصر.

وكان عائد ما يباع من إنتاج ورش صناعة الكليم والسجاد وورش الخزف والفخار وما إلى ذلك يدخل إلى صندوق الجمعية ليعاد الصرف منه على كثير من الأنشطة الخدمية الاعتيادية أيضًا.

وقد اسهمت جمعيات الرواد من خلال تحملها مسؤولية إدارة الأنشطة الاستثمارية فى دعم الأنشطة الثقافية عامة وفى تمويل إصلاح ما يحتاج إلى إصلاح من أثاثات وأجهزة بل وفى تزويد قصر الثقافة ببعض احتياجاته الأساسية، فجمعية قصر ثقافة أسيوط مثلا اشترت فى الثمانينيات سيارة ركوب طراز لادا.

وفى التسعينيات اشترت سيارة أخرى طراز فيات وأهدتهما إلى قصر فرع ثقافة أسيوط لتوظيفهما فى الانشطة الثقافية والمهام الإدارية، وما زالت السيارتان فى عهدة ثقافة أسيوط حتى الآن.
لقد كانت فكرة أن تكون هناك جمعيات أهلية باسم جمعيات رواد قصور الثقافة فكرة الراحل الكبير سعد الدين وهبة.

وكان الهدف منها تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدول وتمويل الأنشطة الثقافية ذاتيًّا بل والمساهمة فى استكمال احتياجات القصور من أثاثات وأجهزة وما إلى ذلك، ولكن قرارًا مشبوها مع الأسف صدر فى أوائل التسعينيات فك الارتباط مابين تلك الجمعيات وقصور الثقافة.

ومما أدى إلى القضاء على مورد استثمارى  كان يمثل النصيب الأكبر من ميزانية تمويل الأنشطة والإصلاحات والاحتياجات المختلفة، ومنذ ذلك الوقت أصبح الاعتماد فقط فى كل ذلك على الميزانية الرسمية.

ومع التوسعات العشوائية فى المواقع الثقافية وفى سياسة التعيينات التى تبناها الفساد ورعاها إبَّان ثلاثين سنة من حكم مبارك لم تعد الميزانية الرسمية قاصرة على تمويل كثير من الأنشطة الثقافية وغير كافية حتى لتغطية أبسط احتياجات المواقع الثقافية، واسهم فى أزمة الأداء الثقافى لقصور الثقافة بخلاف ضعف ميزانية النشاط الرسمية.

وأن بعض الوظائف القيادية بالهيئة يساء اختيار من يتقلدها، بل ويؤتى بكثير منهم من خارج المؤسسة دون أية ميزة من كفاءة أو مهارة أو خبرة لافتة، وفاقد الشىء لا يعطيه كما يقول المثل هذا فضلًا عن ظاهرة الشخصنة التى تُفقِدُ المؤسسات الثقافية فعاليتها.

وتهدر ما قد يكون لديها من إمكانات يمكن استثمارها جزئيًّا أو كليًّا لصالح أداء المؤسسة لرسالتها وتلبية بعض احتياجاتها الأساسية، وأعتذر عن التمثيل لذلك بأمر يتعلق بى حين كنت رئيسًا لهيئة قصور الثقافة.

وهو أننى أسست بقصر ثقافة الإبداع فى الحى السابع بمدينة 6 أكتوبر ورشة لتصنيع وإصلاح الأثاث وتركت لدى الشؤون المالية والإدارية بالهيئة قبل خروجى إلى المعاش لائحة محكمة لتشغيل الورشة بحيث يمكن اعتمادًا عليها اصلاح الكثير من الأثاثات بدلًا من تكهينها، وتلبيةً .

إن لم يكن لكل احتياجات المواقع الجديدة من الأثاث - فعلى الأقل لنسبة من تلك الاحتياجات، كما أسست بقصر ثقافة الجيزة وحدة للتجهيزات الفنية لخدمة مشروع النشر بالهيئة الهدف منها التقليل من تكاليف طباعة الكتاب فالوحدة التى تضم كوادر فنية من شباب الهيئة تضطلع بكل المراحل السابقة على المرحلة النهائية فلا يبقى للمطبعة إلا الورق والأحبار تقريبًا.

وكان مصير ورشة  تصنيع وإصلاح الأثاث الإغلاق لصالح المتربحين بشراء الأثاث من شركات القطاع الخاص ولصالح العاملين الفاسدين ممن فى مصلحتهم تكهين الأثاث المعطوب بدلًا من إصلاحه.

وقد كان مصير وحدة التجهيزات الفنية مشابهًا تقريبً المصير ورشة الاثاث، لماذا؟، لأن الشخصنة هى سيدة الموقف فى حياتنا فلا ينبغى عند المسؤول الأعلى فى المؤسسة الثقافية أن يضع طوبةً فوق طوبةٍ وضعها من سبقه، وما لاينسب إليك إنجازه لا تهتم به وأتركه يتدهور ويخرب.


وقد حاولت عام 2013 تقريبًا إحياء الارتباط ما بين الهيئة العامة لقصور الثقافة وجمعيات رواد قصور الثقافة التى كثرت حتى بلغت حوالى ثمانين جمعية تعد كلها بمثابة فروع لجمعية رواد قصور وبيوت الثقافة المركزية ومقرها قصر ثقافة السينما بجاردن سيتى منذ تأسيسها عام 1970.

وتمثلت محاولة الإحياء فى بروتوكول تعاون بين الجمعية المركزية للرواد والهيئة ولكن مع الأسف جاء بعدى من ألغى البروتوكول دون مبررمقنع إلا لأن البروتوكول من وجهة نظره الشخصية غير مجدٍ، وحينها تساءلت ألم يكن الأفضل بدلًا من إلغاء البروتوكول البحث فى أسباب عدم جدواه.

وهذا بافتراض أنه غير مجد كما قيل - وتعديل ما يحتاج إلى تعديل من بنوده ليصير مجديًا؟ فى الحقيقة كان السبب فى إلغاء البروتوكول مرض الشخصنة والرغبة فى ألا ينسب أمر حسن إلى أحد سوى الجالس على الكرسي.


والحديث ذو شجون وتفاؤلى محدود بنجاح ما تسعى إليه السيدة وزيرة الثقافة بشأن استثمار الأصول فى الثقافة استثماريًّا، ولكن فى نفس الوقت لا ينبغى التشاؤم والاستسلام لليأس فقد تنجح التجربة إذا صدقت النيات وتوافرت الإرادة والعزيمة.

وتم البناء على ما سبق من مثل إعادة الاعتبار إلى جمعيات رواد قصور بيوت الثقافة مرة أخرى والمسارعة فى إحياء بروتوكول التعاون بينها وبين هيئة قصور الثقافة لأن مسؤولية إدارة تلك المرافق أو الأصول كدور السينما وغيرها لا يمكن أن تتم من خلال موظفى الثقافة فحسب وهم محكومون فى حركتهم بقوانين العمل الرسمية ولوائحه، ولكن إدارتها من خلال جمعيات الرواد تحت مظلة البروتوكول تجمع بين مزايا الشراكة بين الحكومى والأهلى فى الإدارة.


ولكن قبل أن تبدأ السيدة الوزيرة تجربتها بخصوص استثمار المرافق أو الأصول فى الثقافة عليها أن تنظر مليًّا فى مجالس الإدارات التى تهيمن أو من المفترض أن تهيمن على شؤون بعض هيئات وقطاعات وزارة الثقافة، فبعض تلك المجالس مخالف فى تشكيله لبنود القرار المنشئ للهيئة كما أن تشكيل بعض المجالس يخلو من الخبرات المعتبرة فى مجال عمل المؤسسة الثقافية.

كما أن بعض أعضاء تلك المجالس مزمنون فى عضوية المجلس والتغيير سنة الحياة، فتلك المجالس إذا شُكَّلت بصورة جيدة فإنها تكون عونًا لرئيس الهيئة على الإنجاز ولا تكون مجرد أداة طيعة فى يده لصبغ المؤسسة الثقافية بطابعه الشخصي.

وإن مثل تلك المجالس المعيبة لا يمكن التعويل عليها فى تبنى التغيير المطلوب واستيعاب أهدافة الإستراتيجية بل قد تكون عائقًا يحول دون التغيير لإبقاء الأوضاع على ما هى عليه، كما أن التجربة لابد من القيام بها بشكل تدريجى ولتبدأ مثلًا – من وجهة نظرى المتواضعة.

وفى قصور الثقافة الكبرى بعواصم المحافظات، وألا تطبق التجربة على الأنشطة الخدمية كنشاط المكتبات والانشطة الأدبية وأنشطة الثقافة العامة أما بخصوص نشاط المسرح فيمكن تطبيق التجربة بشكل جزئى على فرق وعروض وأوساط ثقافية معينة واستثناء العروض المسرحية التى تقدم إلى الجماهير ذوى الاحتياجات الثقافية الضروريةبالمناطق الشعبية والمدن الصغيرة والقرى فى الأقاليم ومع خالص دعواتى بالتوفيق للتجربة والقائمين عليها.

اقرأ ايضًا | العرض المسرحي «بنت السيرك» على مسرح قصر ثقافة أسيوط |صور