اتهامات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا باستخدامها.. رعب القنبلة القذرة

القنبلة القذرة
القنبلة القذرة

خالد حمزة

فى تصريح ملفت، زعم وزير الدفاع الروسى، سيرجى شويجو، أن أوكرانيا قد تستخدم القنبلة القذرة، وهى عبارة عن قنبلة تحتوى على مواد مشعة، بالإضافة إلى متفجرات تقليدية، ولم يقدم شويجو أى دليل على هذه المزاعم، التى رفضتها أمريكا والغرب، ونفى الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى هذه المزاعم، واتهم روسيا بأنها مصدر كل ما يمكن تخيله فى  هذه الحرب من قذارة.

ووفقا لما قاله الجنرال إيجور كيريلوف، المسئول عن المواد المشعة والمنتجات الكيميائية والبيولوجية فى  الجيش الروسى، فإن العناصر المشعة فى مرافق تخزين الوقود النووى  المستخدمة فى  محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية الأوكرانية، يمكن استخدامها، وإن الهدف من وراء استخدام القنبلة، هو اتهام روسيا باستخدام أسلحة الدمار الشامل، وشن حملة قوية ضد روسيا فى العالم، تهدف إلى تقويض الثقة فى موسكو، كما أن منظمتين أوكرانيتين لديهما تعليمات محددة لصنع قنبلة قذرة، والعمل عليهما فى مرحلتهما النهائية.

ووفقا لخطط نظام كييف، سيكون من الممكن إخفاء وتمويه مثل هذا النوع من التفجيرات، بالادعاء بأنه انفجار مفاجئ لذخيرة نووية روسية منخفضة القوة، يستخدم فيها يورانيوم عالى التخصيب، وسيتم تسجيل وجود نظائر مشعة فى الهواء بواسطة مجسات نظام المراقبة الدولى فى أوروبا، لاتهام روسيا باستخدام أسلحة نووية تكتيكية.

وكنتيجة لاستفزاز القنبلة القذرة تتوقع أوكرانيا تخويف السكان المحليين، وزيادة تدفق اللاجئين فى أوروبا، وإظهار روسيا كإرهابية نووية، ومع ذلك فإن انفجارها، يمكن أن يثير الخوف والذعر، ويلوث الممتلكات، ويتطلب عمليات تطهير مكلفة، وهناك النفايات المشعة التى يجرى تحميلها فى قذيفة وإطلاقها، ونتيجةً لانفجارها فى الهواء، ترش النفايات المشعة على منطقة معينة.
كما توجد فى أوكرانيا مؤسسات لديها مخزون من المواد المشعة، التى يمكن استخدامها فى صنع قنبلة قذرة، وهى 3 محطات نووية ومحطة تشيرنوبيل النووية غير المستخدمة، التى توجد فيها مرافق تخزين النفايات المشعة، كما تمتلك أوكرانيا - وفقاً للتقرير الروسى- القاعدة العلمية الضرورية، بما فى ذلك فى معهد خاركوف للفيزياء والتكنولوجيا، الذى شارك علماؤه فى البرنامج النووى السوفيتى، وكذلك معهد البحوث النووية التابع لأكاديمية العلوم فى كييف؛ حيث يتم التعامل مع المواد المشعة.

وحسب صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، فإن القنبلة القذرة هى قنبلة تحتوى على مادة مشعة مثل اليورانيوم، وتتناثر جميع محتوياتها فى الهواء، عندما تنفجر بشكل تقليدى، ولا تحتاج القنبلة إلى مواد مشعة عالية النقاء، كما هو مستخدم فى القنبلة النووية، وبدلا عن ذلك يمكن أن تستخدم المواد المشعة الموجودة فى المستشفيات، أو محطات الطاقة النووية أو مختبرات الأبحاث فى تصنيعها، وهذا يجعلها أرخص بكثير وأسرع فى صنعها من الأسلحة النووية، كما يمكن حملها فى  شنطة السيارة.

القنبلة القذرة تقتل أو تصيب من خلال الانفجار الأولى للمتفجرات التقليدية، والإشعاع والتلوث المنقول بالهواء، ومن هنا جاء مصطلح قذرة، ويأتى  تصميمها بثلاثة أساليب، الخيار الأول عبارة عن قذيفة مزودة بمادة مشعة، وعند انفجارها ستُحمل المواد المشعة، وتنتشر على مساحة كبيرة، والخيار الثانى هو إلقاء القنبلة بنظام صاروخى بعيد المدى لضرب نفايات محطات طاقة نووية، أما الخيار الثالث فهو إسقاط طائرة فوق أراضٍ يسيطر عليها الطرف صاحب هذا النوع من القنابل، ونظرًا لأن الإشعاع المنبعث منها عند انفجارها، يمكن أن يسبب أمراضًا خطيرة مثل السرطان، فإن مثل هذه القنبلة، قد تسبب الذعر بين السكان المستهدفين، ويجب إخلاء منطقة واسعة حول منطقة الانفجار لإزالة التلوث، أو التخلى عن تلك المنطقة تماما.

وقام اتحاد العلماء الأمريكيين بحساب أنه إذا تم تفجير قنبلة تحتوى على 9 جرامات من الكوبالت المشع بمدينة مانهاتن فى  نيويورك، فإن المنطقة بأكملها من المدينة، ستصبح غير صالحة للسكن لعقود من الزمن، وبمقابل اتهام أوكرانيا للتخطيط باستخدامه، هناك تكهنات بأن روسيا تخطط لتفجير قنبلة قذرة فى أوكرانيا، وإلقاء اللوم على القوات الأوكرانية، ومع ذلك يقول الروس إنهم ليسوا بهذا التهور، بالنظر إلى الضرر الذى  يمكن أن تلحقه قنبلة قذرة بقواتهم والأراضى الواقعة تحت سيطرتهم.

ويقول مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى، إن تصنيع هذا النوع من القنابل، لا يتطلب أكثر مما يحتاجه صنع قنبلة تقليدية، فلا يلزم عملية تجميع خاصة، لأن المتفجرات التقليدية تنشر ببساطة المواد المشعة المعبأة فى القنبلة، لكن الجزء الأصعب هو الحصول على المادة المشعة، وليس صنع القنبلة.

القنبلة القذرة لا تمتلك التأثير المدمر للانفجار النووى، الذى نجم عن القنبلة النووية التى  ألقيت فى ناجازاكى، وتلك التى ألقيت فى هيروشيما باليابان قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، حين أسفر تفجير القنبلتين عن سقوط مئات آلاف الضحايا، إضافة إلى تدمير مساحات شاسعة من الأراضى جراء التلوث الإشعاعى، وبالتالى لا يمكن مقارنة القنبلة القذرة بالقنبلة النووية، التى تحدث انفجاراً أقوى بملايين المرات، وتنشر سحابة إشعاع على مدى آلاف الكيلومترات المربعة، فى  حين الإشعاعات الناجمة عن القنبلة القذرة، يمكن لها أن تنتشر فقط ضمن مساحة صغيرة.

الخطر الأكبر للقنبلة القذرة مصدره الانفجار وليس الإشعاع، إذ إن الأشخاص القريبين جداً من موقع الانفجار، هم من يتعرض لإشعاع يكفى للتسبّب بمرض خطير، كما يمكن أن ينتقل الغبار والدخان المشع إلى مسافة أبعد، بحيث يشكّلان خطراً على الصحة فى حال استنشق الغبار، وتناول أطعمة أو مياها ملوّثة، ويُمكن كشف الإشعاعات بسهولة باستخدام المعدات، التى يحملها بالفعل الكثير من العاملين فى  قطاع الطوارئ، ويساهم الكشف الفورى عن نوع المواد المشعة المستخدمة، فى التقليل كثيراً من أعداد الضحايا وحجم الأضرار.

وفى تقرير نشرته شبكة إن.بي.سى الأمريكية، توصلت غرفة المحاسبة الأمريكية إلى أن الإجراءات الأمنية الراهنة، لا توفر الحماية الكافية ضد شراء المواد المشعة عالية الخطورة، حيث تمكن المحققون باستخدام تراخيص مزيفة، من شراء تلك المواد من شركتين أمريكيتين مختلفتين، وهو ما يكفى لوقوع خسائر بمئات الوفيات الناجمة عن عمليات الإجلاء، وأضرار اجتماعية واقتصادية بمليارات الدولارات، وهو الأمر الذى يؤكد استمرار خطر تلك القنابل، كما كان فى الماضى بعد عدة محاولات لاستخدامها، حث كانت المحاولة الأولى 1995، حين اتصلت مجموعة انفصالية فى  الشيشان بمحطة تلفزيون روسية، وأبلغوها أنّها زرعت قنبلة قذرة تتكون من الديناميت ومادة سيزيوم 137 المشعة فى حديقة إسماعيلوفسكى فى موسكو، لكنّهم أخفقوا فى  تفجيرها، وفى 1996 زرع متمردون من الشيشان قنبلة، تحتوى على الديناميت والسيزيوم فى حديقة إزمايلوفو فى موسكو، وقد استخرج السيزيوم الذى استخدم فيها من معدات علاج السرطان، واكتشفت الأجهزة الأمنية موقعها وتم نزع فتيلها، وفى 1998عثر جهاز المخابرات الشيشانى على قنبلة قذرة، كانت موضوعة بالقرب من خط سكة حديد فى الشيشان وأبطل مفعولها.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، كان الرأى الذى حظى بتوافق كبير فى إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش، أنّ تنظيم القاعدة بحوزته ملوثات مشعة مثل سترونشيوم 90 وسيزيوم 137، التى  يمكن استخدامها لصنع «قنبلة قذرة»، وآنذاك أرسلت وزارة الطاقة الأمريكية عشرات العلماء النوويين المتخفين، مع معدات الكشف عن الإشعاع إلى مواقع رئيسية فى 5 مدن أمريكية كبرى، وفى 2002 أُلقى القبض على خوسيه باديلا، وهو مواطن أمريكى كان على اتصال مع القاعدة فى مدينة شيكاغو، للاشتباه فى أنه كان يخطط لهجوم بقنبلة قذرة، وحُكم عليه بالسجن 21 عامًا، وفى 2003 عثر مسئولون بريطانيون على وثائق فى ولاية هرات غرب أفغانستان، تشير إلى أن القاعدة نجحت فى  صنع قنبلة قذرة، وأواخر ديسمبر 2003 حذر مسئولو وزارة الأمن الداخلى الأمريكية من أن تنظيم القاعدة، سيفجر قنبلة قذرة خلال احتفالات ليلة رأس السنة الجديدة، وبعد ذلك بعامين قبض على ديرين باروت، وهو مواطن بريطانى وعضو فى القاعدة فى لندن، بتهمة التخطيط لهجمات إرهابية فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كان من الممكن أن تشمل استخدام قنبلة قذرة، وفى 2016 خططت الخلية الإرهابية المسئولة عن تفجيرات بروكسل، لتصنيع قنبلة قذرة مشعة.

أقرأ أيضأ :روسيا تتهم واشنطن بتجاهل خطر حدوث كارثة إشعاعية