مع تعرضها للضرب والإهانة والتمييز.. المرأة الأوروبية منهكة جسديا ومعنويا

مظاهرات فى فرنسا للمطالبة بالتصدى للعنف ضد المرأة
مظاهرات فى فرنسا للمطالبة بالتصدى للعنف ضد المرأة

دينا توفيق

المرأة الأوروبية نراها قوية، وكأنها تتمــتع بحــريتهـا دون أن يتحــكـم فيها أحد.. نتصور أنها قادرة على نيل حقوقها دون معاناة، أو تنتهك كرامتها.. لا تتعرض للضرب أو الإهانة ولا تواجه العنف والتمييز، لا تستغل وليسـت ضحية.. لكن فى الحقيقة تعانى المرأة فى أوروبا وحريتها مكبلة، منهكـة معــنويًا ومنتهكـة جســديًا، تتعرض للوحشية يمكن أن يدفعها ذلك إلى الانتحار وإنهاء حياتها.. مضطهدة، غارقة فى قسوة الحياة، تحاول النجاة، ولكن يتحكمون فيها ويتاجرون بها لكونها أنثى.

لا تزال المرأة فى أوروبا تعانى من الإهانة والإذلال، لا تزال تتعرض للاضطهاد وينظر لها وكأنها سلعة يمكن أن تباع وتشترى.. يواجهن التمييز، وعرضة للفقر والعنف مع وقوع بعضهن ضحايا للاعتداءات الجنسية، فالمرأة الأوروبية تجتهد مثلها مثل الرجل بل وأكثر فى تحمل أعباء الحياة، فلا تزال تكافح من أجل المساواة فى العمل والتعليم وفرص تقلد المناصب، فالملايين منهن يتناولن المهدئات والأقراص المنومة ومضادات الاكتئاب لمواجهة الضغوط اليومية الملقاة على عاتقهن. العنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان وشكل من أشكال التمييز على أساس الجنس. وفى أوروبا، المشكلة فى عدم المساواة بين الرجل والمرأة قديمة وكبيرة، وتتخذ أشكالاً عديدة، كما أن تقديرات حجمها مقلقة؛ خاصة أن هذا العنف له تأثير كبير على الضحايا ويفرض عبئًا ثقيلًا على المجتمع. ووفقًا لوكالة الاتحاد الأوروبى للحقوق الأساسية «FRA»، ينتشر العنف ضد المرأة بشدة فى أوروبا، حيث إن ثلث النساء أى ما يقرب من 62 مليون سيدة فى دول الاتحاد الأوروبى تعرضن للعنف الجسدى من قبل الرجل. وغالبًا ما ترتبط أسبابه بالفقر والتبعية الاقتصادية والتمييز بين الجنسين. يعد الافتقار إلى الاستقلال الاقتصادى أحد التحديات الرئيسية التى تواجهها المرأة الأوروبية عندما تحاول ترك شريكها الذى يسيء معاملتها. وتدرك مراكز مناهضة العنف فى جميع أنحاء القارة العجوز أن النساء غالبًا ما يجبرن على الاستمرار مع الشريك العنيف بسبب اعتمادهن المالى عليه. وتقترن هذه المسألة بحقيقة أن ضعف مشاركة النساء فى سوق العمل وفى الأدوار الإدارية، حيث لا يزال معدل إجمالى عمالة الإناث أقل من الرجال.

وفى عام 2020، وفقًا لموقع Statista المخصص للإحصائيات العالمية، شهد العديد من الدول الأوروبية عددًا كبيرًا من حالات قتل الإناث المبلغ عنها رسميًا. حيث يمثل قتل الإناث أكثر حالات العنف ضد المرأة تطرفًا. وخلال العام ذاته كان هناك ما يقدر بنحو 400 حالة قتل للإناث فى بولندا، و117 فى ألمانيا، و102 فى إيطاليا، و99 فى المجر. فيما أثارت جرائم القتل الوحشية موجة من الاحتجاجات والغضب، خلال العام الجارى فى فرنسا، إحدى أغنى دول العالم، بعد أن فشلت الحكومة الفرنسية فى التصدى لقتل النساء. كل هذا له تكلفة إضافية على المجتمع والاقتصاد، حيث يقدر المعهد الأوروبى للمساواة بين الجنسين (EIGE) أن العنف القائم على النوع الاجتماعى يكلف أوروبا حوالى 366 مليار يورو كل عام. ويشكل العنف ضد المرأة 79% من هذه التكلفة التى تصل إلى 289 مليار يورو.

فيما يواجه مئات الآلاف من الأوروبيات خطراً كبيراً بالتعرض للعنف الجنسى والتحرش فى أماكن العمل، لأن السلطات وأصحاب العمل يفشلون فى توفير الحماية المناسبة لهن. فى كل عام وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية «BBC» يتم تهريب آلاف النساء إلى المدن الأوروبية بهدف الاتجار بهن. وفيما كشفت وكالة «الجريمة الوطنية البريطانية» NCA أن الاتجار بالبشر تطور فى أوروبا وعادت تجارة الرقيق الأبيض، وأصبح سماسرة الجنس يرسمون وشمًا على أجساد النساء كختم الماشية لتأكيد ملكيتهم لهن قبل بيعهن بآلاف الدولارات. وأشار تقرير سابق نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إلى أن هذا الرمز المعروف بـ«بار كود»، يستخدم للاتجار بالنساء الفتيات، اللاتى يتم استقدامهن من الخارج، خاصة من أوروبا الشرقية. وتشكل النساء والفتيات المستغلات جنسياً غالبية ضحايا الاتجار بالبشر فى الاتحاد الأوروبي، فيما تعمل بروكسل الآن على تعزيز جهودها للتصدى لشبكات التهريب.
ويمثل الاتجار بالنساء مصدر قلق عالمى خطير اليوم يهدد حياة وأمن العديد من النساء وينتهك حقوقهن وكرامتهن. وفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة حول الاتجار بالأشخاص لعام 2020، فى عام 2018، كان الاتجار بأكثر من نصف الضحايا البالغ عددهم (60%) فى الاتحاد الأوروبى بغرض الاستغلال الجنسى (92% منهم نساء وفتيات)، بينما تم الاتجار بـ15% من الضحايا من أجل الاستغلال فى العمل. هناك تباين كبير بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بأشكال الاستغلال المختلفة التى تسجلها السلطات وهيئات التسجيل الأخرى. وعلى الرغم من أن الاتجار من أجل الاستغلال الجنسى يهيمن على 15 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، فقد تم الإبلاغ عن زيادة فى الاتجار من أجل الاستغلال فى العمل فى العديد من البلدان الأوروبية. وتشهد الإحصائيات التى جمعها المجلس الأوروبى على الزيادة الإجمالية من هذا الشكل من أشكال الاتجار بالبشر، والذى ظهر باعتباره الشكل السائد للاستغلال فى أوروبا. ومن ناحية أخرى، تحتاج النساء فى أوروبا إلى استقلال اقتصادى أكبر لتجنب الفقر والعوز، وفقًا لتصريحات المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بالفقر وحقوق الإنسان «أوليفييه دى شوتر»، فى مؤتمر صحفى فى بروكسل يناير 2021 وهو يختم جولته فى الاتحاد الأوروبي. تواجه النساء فى القارة العجوز التمييز فيما يتعلق بالعمل والأجر، لا يزال هناك تقسيم للأدوار بين النساء والرجال داخل الأسرة مما يجعل من الصعب على النساء البحث عن عمل طويل الأجل بدوام كامل. وغالبًا ما تنقطع وظائف النساء لرعاية الأطفال، ويعمل عدد أكبر من النساء على أساس الدوام الجزئي، وبالتالى فإن مستوى المعاشات التى يتلقينها أقل بكثير. تبلغ فجوة الأجور بين الجنسين فى الاتحاد الأوروبى 14.1% ولم تتغير إلا بشكل طفيف خلال العقد الماضي. وبلغت فجوة التوظيف بين الجنسين 11.7% عام 2019، مع توظيف 67.3% من النساء فى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبى مقارنة بـ79% من الرجال، فالنساء يعانين من فوارق اقتصادية كبيرة فى الأجور، مقارنة بالرجال.

كما أبلغت واحدة من كل 10 نساء فى الاتحاد الأوروبى عن تعرضها لمضايقات إلكترونية بداية من سن الخامسة عشرة. وشمل ذلك تلقيها رسائل بريد إلكترونى أو رسائل نصية قصيرة غير مسيئة، أو غير ملائمة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويزداد الخطر بين الشابات من سن 18 إلى 29 عامًا.

لم تحل بوضوح هذه القضايا فى التشريعات، الأمر الذى يؤكد أن كثيراً من الدول الأوروبية التى تدعى الديمقراطية وتنادى بالحريات وحقوق المرأة، يتم انتهاك المرأة بها جسدياً وتدميرها نفسياً سواء باستغلال عزمها على العمل مقابل أجر لا يساوى جهدها، أو بالاتجار بها فى الرقيق الأبيض بشكل شبه علنى وإن كانت سلطات هذه البلاد وبعض مؤسساتها تدعى محاربته.

أقرأ أيضأ : قومي المرأة يطلق فعاليات حملة الـ 16 يوم من الأنشطة لمناهضة العنف ضد المرأة