التريند القاتل

ريزان العرباوى
ريزان العرباوى

‏صغيري.. لم تعد المخاوف بقدر تهيؤات خيال الظل وانعكاسه في صورة شبح على الحائط نصارعه بشجاعة لنتغلب عليه بتهويدة وتربيته, لكبح جماح الزعر وتكالب الخوف. صغيري.. لم تعد عفوية  الطفولة البريئة ومدلولاتها العذبة الهشة قادرة على إكمال رحلتها حتى تتخطى مرحلة الزهور. ثمة عوامل خانقة لكل ما هو بريء فرضت على واقعكم لتسلب منه عذوبته التي غابت في تراكمات الحياة, عوامل هي في نظري شبحا بأنياب أرتدى معطف “ليلى” ذات الرداء الأحمر ليخدعكم بمظهره البراق وينقلكم إلى عوالمه الخفيه التي ظاهرها لا ينم إطلاقا عن باطنها.. عوالم الإنترنت والثورة الرقمية ذلك الانفتاح على العالم بسبل الذكاء الإصطناعي ليستدرجكم في خديعة العالم الإفتراضي والإنغماس فيه.
لم أعد أخشى من عبورك وحدك للطريق، بل أخشى عبورك تلك العوالم الإفتراضية بالرغم أنني بالقرب منك، لكن الخطر أقرب.. نعم الأطفال والشباب مستهدفون بتلك الأفكار التي تدس السم في العسل, فخلقت الهوس بترندات التحديات القاتلة وألعاب الموت, ترندات القتل قبل المتعة والترفيه، فالفائز فيها من يموت!
وكأن أرواح الأطفال والشباب باتت لعبة يتحكم فيها “التيك توك” من خلال تحديات مجهولة المصدر والصنع تستهدف تغييب العقول مع سبق الإصرار والترصد, مسجل خطر دارس جيد للضحية ملما بمؤثراتها الخارجية ورغبة هذا السن في إثبات نفسه ووجوده بأي شكل من الأشكال، حتى ولو كان الثمن حياته, من خلال تحديات على شاكلة كتم الأنفاس ولعبة “تشارلي”، والقفز لأعلى، ومن قبلهم “الحوت الأزرق” الذي كان يقود للموت المحتوم وانتحار من يقرر اللعب.
نحن أمام إستراتيجية منظمة للفتك بمفاصل المجتمع وإحداث شروخ في عموده الفقري لإضعافه وانهياره, فأطفال وشباب اليوم هم بناة المستقبل, ومعظم النار من مستصغر الشرر، لذلك أصبح الأباء والأمهات يصارعون في جبهات مختلفة للوقوف عند معادلة تتبع خطوات الأبناء لحمايتهم دون إقبار أرواحهم, فقد زادت السوشيال ميديا من أعباء وصعوبة العملية التربوية لإنماء الشخصية بشكل متوازن وتكوين مستوى صحي من إحترام وتقدير الذات لديهم, حتى يتكون لديهم مفهوم الخطأ والصواب، ومن ثم الثواب والعقاب.
وللآسف قد تساهم بعض القنوات والبرامج التلفزيونية التي تستهدف ملئ عدد من الساعات دون النظر إلى المحتوى وأثاره السلبية وبدل من تقديم برامج للتوعية نجد بعض النماذج التي تحيد عن المعايير المهنية, فتستغل انتشار أي واقعة أو تريند لتحقيق مزيدا من المشاهدات لتصبح عامل من عوامل انتشار آفة التريند القاتل.

[email protected]