أشهر طبيب مزيف فى الستينيات.. كشف على المرضى سنوات وضبط أثناء عملية جراحية

محمد سعيد .. الطبيب المزيف
محمد سعيد .. الطبيب المزيف

كتب: أحمد الجمَّال

هى واحدة من أغرب قصص النصب والاحتيال، وقعت فى صعيد مصر قبل 60 عامًا، بطلها نصاب انتحل صفة طبيب كشف على العديد من المواطنين فى محافظتى الوادى الجديد وأسيوط، قبل الاشتباه به وإلقاء القبض عليه أثناء إجرائه عملية جراحية لمهندس فى إحدى الشركات.. تفاصيل حكاية أشهر طبيب مزيف فى الستينيات رواها لـ«آخرساعة» مراسل المجلة فى أسيوط وقتذاك، غاندى الأسيوطي، نعيد نشرها بتصرف محدود فى السطور التالية:

لقد استمعت إلى أكثر من قصة وشاهدت أكثر من مأساة.. وبطل هذه القصص والمآسى طالب محتال يُدعى الدكتور محمد سعيد، واسمعوا قصته من أولها: لقد بدأ نشاطه فى حلوان.. فتح عيادة وانتحل صفة طبيب.. وسرعان ما كشف رجال المباحث أمره فقبضوا عليه ولكنه استطاع أن يهرب من أمام غرفة الاتهام، واختفى لفترة، حتى قرأ إعلانًا بإحدى الصحف عن وجود وظيفة طبيب خالية فى الوادى الجديد، ووقع عقدًا بمرتب قدره 60 جنيهًا، واشترط على الشركة أن تشترى له سيارة جديدة، فوافقت واشترت له سيارة تونسل موديل 1961، كان يستخدمها فى خداع الناس على أنها سيارته الخاصة.

وتسلم عمله دون أن يقدم مصوغات تعيينه، وفى الوادى الجديد تعرف على المحافظ، ومدير المنطقة الطبية، وخدعهما بأن كشف على كثير من الناس فى الوادي، وأسيوط، فقد كان مظهره لا يوحى بأى شك.. وظل أمره مجهولًا حتى اكتشف سره رجال مباحث أسيوط.

اقرأ أيضًا

القبض على «متسولة» تستجدي ركاب المترو بطرق احتيالية 

تلقى الرائد إسماعيل نجيب، رئيس مباحث المحافظة، مكالمة من مجهول يقول فيها: إن طبيب شركة النيل للأشغال محتال كبير ومتهم فى عدد من قضايا النصب والاحتيال، وهو موجود بمستشفى أسيوط. فذهب رئيس المباحث للمستشفى فوجد الطبيب المحتال يجرى إحدى العمليات بمساعدة أطباء المستشفى، لمهندس فى الشركة التى يعمل بها.. انتظره حتى خرج وطلب منه البطاقة الشخصية، فتعلّل بأن جميع أوراقه تركها فى الوادى لأنه حضر بصفة عاجلة لإجراء عملية جراحية، وفى الوقت نفسه كان رئيس المباحث يرسل إشارة تليفونية إلى حلوان للإفادة: هل هناك طبيب محتال مطلوب القبض عليه؟

وكان الرد: «بناء على الاتصال التليفونى بشأن الاشتباه فى شخص يزاول مهنة الطب، يرجح أن يكون هو المتهم محمد سعيد عبدالحليم، السابق ضبطه فى القضية جنايات حلوان 61، وهرب أثناء عرضه على غرفة الاتهام، وقد بُلِّغ عنه فى النشرة البوليسية».

محاولة للهرب
وحاول الطبيب المزيف الهرب.. طلب من رئيس المباحث السفر إلى الوادى ليحضر أوراقه الخاصة، ولكن رئيس المباحث رفض وقبض عليه، وأودع فى قسم ثانى أسيوط.. وأمام المقدم عبدالغنى توفيق، مأمور قسم ثانى أسيوط، بدأ الطبيب المزيف يبكي، وقال: إننى طالب طب تركت الكلية لأن والدى فقير، وأريد أن تنقذني، وانخرط فى البكاء.. كان ممثلًا بارعًا، ومع هذا فشل للمرة الثانية، وفى المرة الثالثة حاول خداع المخبر، حيث طلب منه الذهاب إلى دورة المياه فتركه وبدأ يراقبه من بعيد، ولاحظ أنه بدلا من أن يذهب إلى الحمام اتجه ناحية الباب الخارجى فقبض عليه.

وبدأت النيابة تحقق معه، وكنت ساعتها فى غرفة التحقيق، وفوجئت بوكيل النيابة يقول لي: «لقد خدعنى هذا الطبيب.. حضر عندي.. وكنت قد طلبته للتحقيق بناء على البلاغ المقدَّم منه لشرطة النجدة عن الطفلة نادية عبدالعاطي».

نص البلاغ
استدعينا اليوم المدعو عبدالعاطى فراج، المقيم بأسيوط شارع محمد محمود بسوق السلاح فى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، وبالمنزل أعلاه كشفنا على طفلة حديثة الولادة تبلغ من العمر سبعة أيام ووجدنا بها الآتي:
التهابا برباط السُرة نتيجة لعدم ربطه بإحكام فى أثناء الوضع، ما ترتب عليه حدوث خُرّاج بداخل البطن، ورأينا نقل الطفلة إلى المستشفى بعربتنا الخاصة، وهناك وقبل البدء فى إجراء أى شيء توفيت الطفلة، ورأينا تقديم البلاغ لإجراء اللازم، خشية أن يكون فى الأمر جريمة.

ماذا قال الطبيب؟
وقال الطبيب المزيف للمحقق إنه يشتبه أن يكون فى الأمر جريمة، ويقترح تشريح الجثة، ووافق المحقق، وجاء تقرير الطب الشرعى مخالفًا لما قاله الطبيب المزيف ولم تمضِ 48 ساعة حتى حضر الطبيب نفسه متهمًا فى هذه المرة لا شاهدًا.. وبدأ التحقيق..

وفى التحقيق أشار إلى أنه يعمل فى الإشراف على علاج عمّال الشركة، وأنه تم تعيينه بالشركة، بعد أن قرأ إعلانًا مفاده أن شركة النيل بحاجة لطبيب فتقدم لها، وتم تعيينه براتب 60 جنيهًا. وقال إنه ليس لديه مؤهل علمي، فقد كان طالبًا بكلية طب الإسكندرية ونجح بامتياز فى الجراحة ورسب فى الباطني.. ودلت التحريات الجديدة على أن الطبيب المزيف لم يدخل كلية الطب إطلاقًا، ولم يحصل حتى على التوجيهية (الثانوية العامة)!.
(«آخرساعة» 4 أبريل 1962)