أوروبا تكافح للتعامل مع أزمة الطاقة

أزمة الطاقة تشل مصانع أوروبا
أزمة الطاقة تشل مصانع أوروبا

بقلم : مروى حسن حسين

مع بدء فصل الشتاء تشهد أوروبا، أسوأ أزمة طاقة والتي جاءت نتيجة مزيج من تأثير وقف روسيا لإمدادات الغاز وأسوأ موجة جفاف شهدتها القارة. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبحت أوروبا تعتمد فى الوفاء باحتياجاتها من الوقود على المواد المستوردة من الطاقة وأصبحت فى نفس الوقت تعتمد على النفط المستورد لتلبية ما يقرب من 60 بالمائة من احتياجاتها من الطاقة.
ترى مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، أن القارة العجوز ستعانى من شتاء قارس وقاسٍ بسبب أزمة الطاقة الطاحنة التى تواجهها حالياً بعد تقليص روسيا من وارداتها من الغاز للدول الأوروبية كرد فعل على العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب حرب أوكرانيا.


وتتزايد المخاوف من قطع روسيا بالكامل لوارداتها من الغاز للدول الأوروبية. وقد ألقت تلك الأزمة بظلالها على كثير من القطاعات فى أوروبا، حيث تسببت فى ارتفاع أسعار جميع السلع بما فيها أسعار الطاقة ونقص حاد فى مواد الطاقة فى الدول الأوروبية وشتاء قارس البرودة.

وقد فاقمت أزمة المناخ التى مر بها العالم من تأثير الأزمة على الدول الأوروبية، حيث أدت موجة الجفاف التى ضربت أوروبا لجفاف عدة أنهار مما أثر على الطاقة المولدة من مياه الأنهار، وتباطؤ التجارة، وإجبار محطات الطاقة، مثل المفاعلات النووية فى فرنسا، على الإغلاق؛ لأن قلة توافر المياه جعلت تبريدها أكثر صعوبة، كما أدى ارتفاع أسعار الوقود لزيادة رهيبة فى معدلات التضخم فى جميع أنحاء أوروبا مثل بريطانيا وألمانيا.


ويرى المراقبون أنه ليس أمام أوروبا من سبيل للتخفيف من الأزمة الحالية فى الطاقة إلا بترشيد استهلاكها من الطاقة إلى جانب الاعتماد على مصادر بديلة للطاقة، مثل فرنسا التى بدأت بالفعل فى الاعتماد على الطاقة النووية فى محاولة لتنويع مصادر الحصول على الوقود.


كما تتعرض ألمانيا، القوة الاقتصادية الكبرى فى وسط أوروبا، للخطر بشكل خاص، حيث يمثل الغاز الروسى ما يقرب من 40 فى المائة من مزيج الطاقة لديها، وهو أمر ضرورى للصناعات الكيماوية والفولاذية وصناعة السيارات، بالإضافة للاستخدامات للأغراض المنزلية مثل التدفئة وإمدادات الكهرباء.


وتسعى ألمانيا والحكومات الأخرى فى أوروبا جاهدة للتعامل مع التداعيات طويلة المدى لأزمة الطاقة مع اقتراب الأشهر الباردة، سيواجه شمال غرب أوروبا التحدى المتمثل فى تدفئة المنازل للتعويض عن فقدان الغاز الروسى من خلال عقد صفقات مع دول أخرى حلت النرويج الآن محل روسيا كمورد رئيسى للغاز لأوروبا، ويجرى التفاوض على صفقات جديدة مع قطر والمملكة العربية السعودية وأذربيجان وموردى الغاز الطبيعى المسال الآخرين.


احتياطيات الغاز فى الاتحاد الأوروبى ممتلئة بنسبة 90 % تقريبًا بسبب هذه الحلول البديلة، فقد كانت حلولًا باهظة الثمن وأدت إلى ارتفاع أسعار الغاز فى جميع أنحاء العالم، كما أن الغاز الطبيعى المسال أغلى بكثير من الغاز عبر الأنابيب الذى يتدفق من روسيا، سيكون للغاز الذى اشترته أوروبا، وما زالت تشتريه، تأثيرات شديدة على التضخم فى جميع أنحاء العالم.


مع بدء فصل الشتاء، يتعرض كل شىء من النفقات المنزلية الشخصية إلى الصناعات الكبيرة، وحتى المشاريع العلمية للتهديد من جراء أزمة الطاقة المتفاقمة وستصبح الكهرباء أغلى بكثير. تكمن مشكلة صانعى السياسة الأوروبيين فى أنهم ليس لديهم الكثير من الخيارات.

وأكدت التسريبات الأخيرة فى خط أنابيب الغاز نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2 حقيقة أنه حتى لو تم استئناف اتفاقية إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا، فلن تكون خالية من السقطات. يؤكد الخلاف الأخير بين أوكرانيا وروسيا على هذا فقد اتهمت أوكرانيا روسيا بعدم دفع رسوم عبور الغاز الذى يمر عبر خط أنابيب نفتوجاز.

وهددت روسيا فى المقابل بفرض عقوبات على أوكرانيا. إذا تصاعد هذا الأمر وأدى إلى إغلاق خط الأنابيب، فسيكون خط أنابيب الغاز الوحيد الذى يستمر فى ضخ الغاز الروسى إلى أوروبا هو ترك ستريم، عبر البحر الأسود.


أدى اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية لتحويل الحرب إلى أزمة طاقة وأزمة اقتصادية، مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية فى الأشهر الأخيرة إضافة إلى التقلبات الشديدة. رداً على ذلك، عملت الحكومات بجد لإيجاد إمدادات جديدة والحفاظ على الطاقة.

حيث أصبحت مرافق تخزين الغاز ممتلئة بنسبة 86 فى المائة قبل موسم التدفئة الشتوى، متجاوزة هدف الـ 80 فى المائة. لقد تم الالتزام بخفض استخدام الغاز بنسبة 15 فى المائة. فحتى لو كان هناك غاز، فالأسعار المرتفعة دفعت الناس والشركات إلى استخدام كميات أقل وأجبرت بعض المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل صانعى الزجاج على الإغلاق.


ولكن إذا فشلت الدول فى تقليل استخدام الوقود، ستكون منشآت الغاز الأوروبية فارغة بحلول شهر مارس وقبل انتهاء الشتاء. ولتفادى الأزمة، تحتاج الدول لخفض استخدام الغاز كل شهر بنسبة 15٪ أقل من متوسط الخمس سنوات. وسيؤدى ذلك إلى وجود مخزون إلى ما بعد الشتاء بنسبة 45٪ إذا واصلت روسيا إرسال الغاز عبر نورد ستريم 1، و26٪ إذا قطعت روسيا الإمدادات كما حدث.
 

اقرأ ايضًا | أفقر دولة في أوروبا تتجه لإنهاء الاعتماد على الغاز الروسي