اتهامات أوروبية لأمريكا بالتربح من الحرب بين أوكرانيا وروسيا

بوتين وبايدن
بوتين وبايدن

دينا توفيق

بعد انجرار أوروبا وراء الولايات المتحدة فى تصعيد الحرب بين أوكرانيا وروسيا وفرض عقوبات اقتصادية على الأخيرة.. انزلقت أقدام القارة العجوز وأصبحت من الخاسرين، بعد أن استنزفتها واشنطن لتحقيق مصالحها بإشعال الحرب وتمويل كييف، والآن تواجه أوروبا وحدها ضغوطاً سياسية داخلية ومخاوف من عدم توافر الطاقة ومحاولاتها سد الاحتياجات ولكن الأثمان باهظة، بالإضافة إلى التهديد الذي يشكله قانون مكافحة التضخم الأمريكي عليها.

تمر العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى بمرحلة صعبة حيث تبرز الخلافات القديمة فى المقدمة. هناك ثلاثة محاور رئيسية للخلاف؛ أولها إلى أين تتجه الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتصورات القومية الاقتصادية، وكيفية التعامل مع الصين، هذه كلها قضايا قديمة فى شكل جديد تدخل فى صميم العلاقة عبر الأطلسي، ولكن عندما يتعلق الأمر بين الأمن والاقتصاد، سيكون الخلاف قائماً بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفقًا لمديرة مؤسسة كارنيجى أوروبا "روزا بلفور".

وتمت صياغة استراتيجية زمن الحرب فى واشنطن، ولكن الحرب أظهرت الثغرات المتواجدة فى الوحدة الأوروبية؛ هناك تصورات مختلفة تمنع ظهور قيادة أوروبية واضحة. كانت العلاقات الفرنسية الألمانية فى صراع، والعلاقات البولندية الألمانية تتدهور. فيما تنشط بولندا ودول البلطيق فى تشكيل استجابة الاتحاد الأوروبى للحرب، بينما يمنع عدم وجود اتفاق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى بشأن بروتوكول أيرلندا الشمالية ترقية التنسيق الحالى بشأن أوكرانيا إلى دور قيادي.

ولفترة طويلة، عارضت كل من فرنسا وألمانيا ضغوط الولايات المتحدة لتوسع الناتو إلى أوكرانيا؛ فألمانيا هى الدولة الأكثر أهمية من الناحية الاقتصادية بالنسبة للاتحاد الأوروبى وفى نفس الوقت الأكثر اعتمادًا على روسيا. بدون أى سيادة للطاقة وتعتمد على الشراكة مع موسكو لتزويد سوقها الداخلي، سعت برلين لعقود من الزمن للحفاظ على علاقات عملية مع روسيا، قادرة على التغلب على أى خصومات سياسية أو أيديولوجية، لكن هذا الموقف تم التخلى عنه بالكامل. خلال الأيام الأولى للعملية العسكرية الروسية الخاصة فى أوكرانيا، كانت ألمانيا الدولة الأولى التى حاولت بطريقة ما مقاومة الضغط الأمريكى لفرض عقوبات، على الأقل فيما يتعلق بالطاقة. لكن حكومة شولتز كانت غير قادرة على الإطلاق على مقاومة الضغط من واشنطن وسرعان ما "استسلمت"، مفضلة الاستراتيجية الأمريكية المعادية لروسيا والإضرار بالمصالح الألمانية.

والآن ظهر غضب كل من باريس وبرلين من الاستخدام المتلاعب من قبل إدارة الرئيس الأمريكى "جو بايدن"، والاستفادة وجنى ثروة من حرب أوكرانيا بالوكالة بينما يعانى اقتصاد الاتحاد الأوروبي، حيث إن التكاليف الاقتصادية والإنسانية لأوروبا لها عواقب أكبر بكثير مما تتحمله الولايات المتحدة. ويهاجم مسؤولو الاتحاد الأوروبى بايدن بسبب ارتفاع أسعار الغاز ومبيعات الأسلحة، بعد اضطرابات شهدتها بلدان القارة العجوز نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتى تنذر بتدمير الوحدة الغربية.

وتكشف التقارير الإخبارية عن الغضب الذى يتسلل إلى الصحفيين فى بروكسل، الذين يتهمون واشنطن بـ"الاستفادة" من الحرب فى أوكرانيا، وهو اتهام خطير يؤدى إلى الشكوك الشعبية المتأصلة فى الولايات المتحدة. وعلى العكس من ذلك، ترى واشنطن أن شحنات الغاز الطبيعى المسال "المربحة" لها فائدة على أوروبا؛ وهى تحرير الأخيرة من اعتمادها على الوقود الأحفورى الروسي. وبعد تسعة أشهر من اندلاع الحرب، تتجدد المخاوف الأوروبية من قرارات الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" بإمكانية تصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا ما ينذر بتفتيت الغرب ووحدته، خاصة مع تحايل بعض دول الاتحاد على العقوبات الغربية على روسيا.
ومن ناحية أخرى، رفضت الولايات المتحدة شكاوى أوروبا؛ وألقى المتحدث باسم مجلس الأمن القومى التابع لبايدن المسؤولية بأكملها على بوتين وحربه مع أوكرانيا وحرب الطاقة التى شنها على أوروبا وتهديد حرمانهم من الغاز. وأضاف أن صادرات الغاز الطبيعى المسال من الولايات المتحدة إلى أوروبا "زادت بشكل كبير ومكنت أوروبا من التنويع بعيدًا عن روسيا".

يرى المحلل الأمريكى "إريك زويس"، عندما تولى باراك أوباما منصبه فى عام 2009، أعاد على الفور توجيه واشنطن نحو أهداف الحرب الباردة القديمة، والتخطيط للسياسات المناهضة لروسيا والصــين بالإطــــاحــــة بالنظـــــام الســــــوري، والإطاحة بالرئيــــس الأوكـــــرانى الســــابق «فيكتـــــور يانوكـــوفيتش» وأى قيــــــادة أمة تكون صديقة روسيا أو الصين، وكان هذا يتطلب منه والآن من بايدن إجبار أوروبا على الالتزام بسياسات مناهضة لروسيا والصين؛ وبالتالي، فقد يتطلب الأمر تقسيم العالم إلى حرب باردة متجددة دون الحاجة إلى عذر أيديولوجي. والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هى نزع الصناعة من أوروبا، وهذا يحدث الآن. ستصبح أوروبا أكثر من جمهوريات الموز الأمريكية. هذا هو السبب فى أن إدارة بايدن مصممة على إبعاد التصنيع من أوروبا. تعامل الولايات المتحدة أوروبا على أنهم "حلفاء" أو دول تابعة لاستخدامها كمناطق لانطلاق غزواتها لهزيمة "منافسيها".
ومع تفاقم الأزمة الأمنية وعدم الاستقرار فى أوروبا، وخاصة فى ألمانيا، أصبح عدم جدوى استمرار النموذج الأوروبى الحالى للتوافق التلقائى مع السياسة الخارجية الأمريكية واضحًا بشكل متزايد. التنافس الأمريكى مع روسيا، الذى تتبناه الدول الأوروبية بشكل سلبي، ينتهك بشكل خطير مصالح الاتحاد الأوروبى ويضع الكتلة بأكملها تحت تهديد خطير. أدى ضعف المستشار الألمانى "أولاف شولتز" وعدم شعبيته إلى قبول حكومته بشكل سلبى للفرضيات الأجنبية وتصعيد المشاركة فى الصراع الأوكراني، مما أضر باقتصادها وشعبها. وتشير عدة تقارير استخباراتية إلى تورط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبولندا فى تخريب خطوط نورد ستريم، ومع ذلك تظل ألمانيا خاضعة. أعاقت هذه الأحداث أى فكرة عن "السيادة الأوروبية".

ونتيجة لذلك، تفقد أوروبا فرصة أن تصبح كتلة مستقلة وسط صعود عالم متعدد الأقطاب. فى مرحلة ما فى المستقبل القريب، سيحاول القادة الأوروبيون عكس الأخطاء التى ارتكبت الآن، لكنهم سيجدونها أكثر صعوبة.

أقرأ أيضأ :قلق دولي حيال تصاعد العنف في جنوب السودان