علاء عبد الهادي يكتب: رحيل شيخ النقاد

الناقد الكبير د. صلاح فضل
الناقد الكبير د. صلاح فضل

برحيله، بعد عام من رحيل د. جابر عصفور، توشك دعائم دولة النقد العربى العتيدة أن تتداعى، وتغرب شمسها، بعد غياب آخر حراسها وحماتها من الحرس القديم الذين شكلوا ملامح الفكر والثقافة ليس فى مصر وحدها، بل فى العالم العربى خلال العقود الأخيرة.


رحل د. صلاح فضل (84 عاماً) أستاذ الأدب والنقد، والقائم بأعمال رئيس مجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين) بعد حياة بالتأكيد كانت ثرية مثمرة، وبقدر ما كانت مثمرة بقدر ما تعرض الرجل للهجوم حياً، وميتاً بعد أن لقى الله قبل أيام.


الحديث عن د. صلاح فضل، أمر صعب، وليس باليسير كما قد يبدو للوهلة الأولى .. أما السهولة فتتبدى للمتابع الجيد للشأن الثقافى والفكرى أو حتى لمن لا يعرفه معرفة جيدة.. يكفى أن تتهجى حروف اسمه على محرك البحث «جوجل».

ولكى تجد فيضاً من نتاج فكره وابداعه، ولما لا وأنت أمام أحد رموز الحركة النقدية العربية فى العقود الأربعة الأخيرة، وفى نفس الوقت ستجد بقايا الكثير من غبار معاركه النقدية ورؤاه التى انحاز لها ويمكن أن نقول إنه كان علماً فيها.


إذا كان الأمر كذلك فمن أين إذن تأتى الصعوبة كما قلت آنفأ؟ 
ولم يكن من الصعب على أىِ ممن يتلمسون خطاهم الأولى فى دنيا الإبداع شعراً كان أم رواية أن يدرك أن عليه أن يذهب الى شيخ النقاد: د. فضل إذا أراد أن يحصل على شهادة ميلاده كمبدع، ومن هنا قد تأتى إشكالية الكتابة عنه.

فكما كان يمنح شهادة ميلاد ممهورة بتوقيعه (كثير منهم ممن يتصدرون دنيا الأدب فى مصر والعالم العربى ) كانت هناك الكثير من شهادات الوفاة لكثيرين، تجاهل وجودهم على ساحة الإبداع وكأنهم خواء.


ورغم أن نشأة الدكتور صلاح كانت أزهرية، فى البيت وفى المدرسة وحتى فى كلية دار العلوم ذات الصبغة الدينية، إلا أنه كان من أكثر الناس تشيعا للدولة المدنية، وكان من أشد أعداء خلط الدين بالسياسة وخاض من أجل ذلك معارك كبيرة من أجل إعلاء هذا الهدف أثناء وضع الدستور فى 2013.

وعاد لخوض نفس المعركة الشرسة تحت قبة مجمع الخالدين منذ أن تولى مسئولية إدارة دفة سفينة مجمع اللغة العربية، وبسبب هذه المواقف التى لم يمسك فيها د. صلاح يوما العصا من المنتصف، نالته الكثير من السهام، وبعضها لازال يلاحقه، حتى بعد أن وورى الثرى!


عرفته قارئا وكان كتابه «مناهج النقد المعاصر» (صدرت طبعته الأولى 2002) دليلى لفهم وقراءة أى عمل إبداعى، ثم عرفته كصحفى مسئول عن متابعة شئون وزارة الثقافة لجريدة الأخبار اليومية، عندما تولى مسئولية دار الكتب والوثائق القومية فى العام السابق لإحالته للمعاش.

ولكنه للأمانة انطلق بعد ذلك بروح شاب فى أوائل العشرين، وعقل خَبر الحياة الأكاديمية والوظيفية، واحتك بالغرب واطلع على أحدث النظريات الغربية، وبحنكة خبير ملم بمكامن التفرد والتألق فى تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، وخاصة فى فترة الأندلس.

وانطلق لمزيد من الإبداع والعطاء وطل على قطاع أوسع من قرائه ومريديه من خلال  مقالته فى الزميلة الأهرام، ولم يكتف بذلك بل كان قاسما مشتركاً فى كل أو أغلب المسابقات والجوائز الأدبية العربية الكبيرة التى جرت خلال العقدين الأخيرين.


وتعمقت علاقتى بالدكتور صلاح فى السنوات الأخيرة عندما كنت أتلقى تليفوناته صباح الجمعة (موعد صدور) «أخبار الأدب» لدى (باعة الصحف) حيث كان يتصل إما معاتباٌ فى الغالب.

أو موجهاً، فى بعض الأحيان، كان يناقشنى فى اللفظة التى قد تكون قد وردت فى تقرير يتعلق بتفاصيل ما كان يجرى من صراعات داخلية خاضها الراحل فى مجمع الخالدين.

وكان يرد على دفاعى مداعباً «يا سى علاء لا تنس أننى عملت صحفيا وأعرف جيدا متطلبات العمل الصحفى وضوابطه».


رحم الله الدكتور العالم الأستاذ والناقد الكبير صلاح فضل.

اقرأ ايضًا| صلاح فضل: إنقاذ مجمع اللغة العربية من الهوى الإخواني مهمتي