عسل في الكوز

عبد الصبور بدر يكتب: السرقة المباركة

عبدالصبور بدر
عبدالصبور بدر

الحكومة في بلادنا محرومة من الشعور بدرجات الحرارة، لا تفرق بين فصول السنة؛ الصيف بالنسبة لها كالشتاء، والخريف كالربيع، لديها مكيفات في بيوتها، ومكاتبها، وسيارتها، وغرف المؤتمرات الكبيرة التي تظهر فيها، وتُبث على الهواء، في حين لا تمنحها المكيفات إلا درجة حرارة واحدة طيلة العام؛ بينما ينعم المواطن بالتمدد في حرارة الصيف العالية، وينكمش من برودة الشتاء، ويستضيف في جسده أمراض تقلبات الجو في الخريف والربيع.

الحكومة في بلادنا محرومة من زحام الطرق وحوادث السيارات، ورؤية العجزة والمسنين، واللعاب السائل للأطفال الفقراء، وهم ينظرون إلى قطع الحلوى المعروضة، ولا يجدون في أياديهم ما يشتريها؛ لأن مواكب الحكومة تسير في شوارع فارغة موحشة، خالية من الحياة.

أعين الحكومة في بلادنا تعاني الجفاف، محرومة من دموع كسرة النفس بسبب الغلاء، وعدم توفير احتياجات الأبناء من الطعام، والملابس، ومصاريف الدراسة، وثمن العلاج، في حين أن كل شىء يلقي بنفسه تحت أقدام الحكومة، وأبناء الحكومة.

الحكومة في بلادنا مصابة بالملل، أمنياتها تثمر قبل أن تنبت، وأحلامها تتحقق قبل أن تتكون، وأوامرها يتم تلبيتها قبل أن تُطلب؛ بينما يستحوذ المواطن على الدراما، ويحصل على أكثر من حقه في البكاء، يهدر الدموع التي يريقها على وجهه باستمرار؛ وهو يواصل الليل بالنهار واقفًا في عجز لا يدري كيف يأتي لأسرته بعلبة لبن، أو كيس أرز، أو بيضة يسلقها لطفله الصغير في الصباح؟.

المواطن في بلادنا كريم في أمواله، ينفقها بسخاء على الحكومة، كريم في مشاعره، يهتم بالحكومة من طرف واحد، ولا ينتظر منها شيئًا.

انصراف الحكومة عن المواطن جعله يتعلم السرقة المباركة؛ أن يمد يده في جيب الله، ويأخذ ما يشاء.