إنها مصر

نفاد الصبر!

كرم جبر
كرم جبر

لست مع تدخل الدولة فى كل صغيرة وكبيرة.. ولكن ماذا تفعل لحماية مواطنيها وتخفيف الأعباء عنهم؟، وسبق أن وجهت نداءات عديدة للتجار المستوردين لضبط إيقاع الأسعار، ولم تجد المناشدات أى صدى غير مزيد من الجشع والاستغلال حتى تجاوز ثمن اللحوم والسلع الرئيسية أرقاماً غير مسبوقة، ولو ترك الحال على ما هو عليه، لضربت معدلات قياسية أخرى.

أتذكر جيداً أن الحكومة فى التسعينات قررت استيراد كميات من الماشية من إحدى الدول الأفريقية قبل عيد الأضحى، فذهب التجار إلى المصدرين، ودفعوا لهم رشاوى باهظة، فى مقابل تعطيل الصفقة وعدم وصولها لمصر، أو استبدالها بأغنام مريضة وهزيلة، حتى يستمروا فى السيطرة على الأسواق، وفرض الأسعار التى يريدونها.

لن ينصلح الحال بالمناشدات، وإنما بالضوابط والقوانين والإجراءات، التى تحمى "المنتج" و"المستهلك" معاً، وتوفر مظلة رحيمة لصالح المجتمع كله، وليس فقط فئة صُناع الأزمات.

لا ينفع أن تكون الدولة محايدة فى هذا الشأن، وواجبها أن تنحاز لأهلها وشعبها، وهو ما تفعله الآن، بعد طول صبر ونفس طويل، وفى بلاد الدنيا المحترمة، يلعب القطاع الخاص دوراً رئيسياً فى حماية الأمن القومى وأهم بنوده الحفاظ على مصالح المواطنين، ولكن فى مصر تنقلب الأدوار أحياناً، ولا ينظر كثيرون إلا لمصالحهم الخاصة، حتى لو كانت على حساب المجتمع.. والسنوات السابقة خير شاهد على ممارسات احتكارية، استغلالاً للظروف الصعبة التى مرت بها البلاد، وكان من المفترض أن يحدث العكس، ولولا تدخل الدولة لحدثت أزمات لا يمكن تداركها.

لم يتحرك تاجر ولا مستورد، لإنقاذ الناس من حريق الأسعار، واستثمروا الأزمة فى جنى مزيد من الأرباح والمكاسب وانتفخت الكروش وتضخمت البطون، وعندما تحركت الدولة بوسائلها الحاسمة، غضب صناع الأزمات، وأطلقوا فى البداية سيلاً من الشائعات حول فسادها، ثم هددوا وتوعدوا بمزيد من الغلاء، وأداروا نفس الأسطوانة المشروخة، حماية المنتج المحلى، "الذى يفتح بيوت ملايين العاملين ويوفر 90% من احتياجات السوق"، ومخاطر هدم صناعة وطنية.

منذ ثورة يوليو 1952 والدولة ترفع شعار "حماية المنتج المحلى"، فكانت تحمى الصناعات الرديئة والسلع الأقل جودة، ودفع المستهلك ثمنها من جيبه، ولم تتحقق الحماية المطلوبة، ولم يتقدم الإنتاج خطوة للأمام، ولم تتحقق المنافسة العادلة التى تحفز على التطوير والتحديث ومسايرة العصر.
والآن.. تمتلك الدولة كل الأدوات والوسائل لتحمى الناس، ولن تبقى صامتة إزاء محاولات البعض إفساد المشهد واصطياد الأزمات.