حبر على ورق

كوميديا الأفروسنتريك السخيفة

نوال مصطفى
نوال مصطفى

لست ممن يتابعون التريند ولا يعتقدون بسلامة نيته الخالصة، فغالباً بل دائماً يكون وراءه أيادٍ خفية أو مصالح تطبخ فى الخفاء، وأموال كبيرة دفعت لصفحات بعينها كى ينفجر بقوة أمام أعيننا، بل على العكس أهرب  منه، لكنى تابعت الهاشتاج الذى يطالب بإلغاء حفل الممثل والكوميدى الأمريكى كيفن هارت، الذى سيقدمه فى ستاد القاهرة فى فبراير القادم، وهى جولة عالمية يقوم بها هارت ليقدم من خلالها عروض «ستاند أب كوميدى».

لكن القصة التى بدأت مع إعلانه هذا كانت أغرب، وهى أنه من الداعمين لما يسمى حركة «الأفروسينتريك»، وتسعى هذه الحركة إلى «تسليط الضوء على الهوية والمساهمات للثقافات الإفريقية فى تاريخ العالم، وتنشط هذه الحركة فى الولايات المتحدة وفى بعض الدول الأوروبية وبين الجماعات ذات الأصول الإفريقية، ومن بين النظريات التى يروج لها مؤيدو الحركة «أن أصل الحضارة المصرية إفريقى فقط، وأن الفراعنة قد استولوا عليها.

بالتأكيد ستصاب عزيزى القارئ مثلما أصبت أنا بإحساسين متناقضين الأول أن هذا الكلام خطير وهو محض تخريف وعبث، والثانى أن مثل هذه الدعوات التافهة يجب ألا نسلط عليها الضوء عملاً بمبدأ دعه يعمل دعه يمر، فمن فى العالم سيصدق تلك الإدعاءات الغريبة؟، فى الحقيقة بدأت رحلة بحث عن هذه القضية على الإنترنت وما تمت كتابته على الهاشتاج على موقع تويتر، أخذت أبحث عن الفيديو الذى يقول فيه هذه التصريحات فلم أجده، لكنى وجدت مواقع إخبارية موثوقة نقلته عنه، مثل تصريحات سابقة منسوبة لكيفن هارت يقول فيها إنه: «يجب أن نعلّم أولادنا تاريخ الأفارقة السود الحقيقى عندما كانوا ملوكا فى مصر، وليس فقط حقبة العبودية، التى يتم ترسيخها فى التعليم فى أمريكا... تتذكرون الوقت الذى كنا فيه ملوكا؟».

وقد اعتبر كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر أن فى تلك التصريحات «تزويراً للتاريخ المصرى»، واتهموا كيفن هارت بـ»العنصرية». كما أنه يمتلك شركة هارتبيت والتى بدورها لها حصة ملكية فى شركة بلاك ساندز (الرمال السوداء) وهى من أشهر داعمى حركة المركزية الإفريقية أو الأفروسينتريك.

هنا سأنهى الحديث عن هذا الممثل وتلك الحفلة وهذه الحركة، لأن العيب ليس فيهم على الإطلاق، فالحضارة الفرعونية المصرية القديمة هى أعظم حضارات الأرض، وطبيعى أن يحاول كل من هب ودب أن يربط نفسه بها أو يستولى عليها بادعاءات فارغة، وهذه ليست المحاولة الأولى ولا الأخيرة، فقد حاول قبل ذلك الإسرائيليون أن ينسبوا لأنفسهم بناء الأهرامات مثلما تعمد مناحم بيجن أن يذكر هذا الأمر عدة مرات منها مرة أمام الرئيس السادات.

ولكن أين نحن من الآن من حضارتنا الممتدة لأكثر من 7 آلاف سنة؟ ماذا نعرف عنها؟ ماذا نعلم أولادنا عن عظمتها؟. فى الدول الأوروبية وأمريكا يدرسون التاريخ الفرعونى ونظريات بناء الأهرامات، تفاصيل لا نجدها فى الكتاب المدرسى المصرى.

كل ما نعرفه عن هذه الحضارة الجبارة العظيمة مجرد قشور أو أسماء لملوك وملكات عظام فقط، الحفاظ على الحضارة والهوية المصرية ليس فى أجندتنا أو أولوياتنا. وهذا هو الموقف الذى يجب أن نأخذه والاتجاه الذى يجب أن نتحرك صوبه بعد هذا التريند، أن ما نملكه غالٍ جداً، لكن إن فرطنا فيه سيتقاتل عليه العالم كله ليثبتوا أن لديهم مجرد صلة به. أتمنى أن تصل رسالتى لوزير التعليم ووزيرة الثقافة ووزير الشباب.