أول طبيب مصري يعيد «نور العين» بدون جراحة!

اللحظات الحاسمة التى يقرر بعدها مصير المريض
اللحظات الحاسمة التى يقرر بعدها مصير المريض

كتب: أحمد الجمَّال

شهدت «آخر ساعة» تجربة جديدة في غرفة العمليات وسجلتها عدسة المجلة، وقد أجرى العملية الطبيب المصري الوحيد المتخصص في جراحة الشبكية، والجديد أنها أجريت بدون استخدام مشرط واحد، وبعدها عاد نور العين للحاج عبد الشافي الفلاح في محافظة الدقهلية بعد أن عاش شهورا طويلة وسط الظلام، وكل ذلك تم بواسطة جهاز الأشعة الذى وصل أخيرًا إلى بلادنا، ويرجع الفضل في اختراعه إلى ظاهرة كسوف الشمس التي حدثت فى ألمانيا عام 1945.

كانت العملية قبل اختراع هذا الجهاز تتم عبر جراحات معقدة في قاع العين، ثم تنتهى بكى جدار العين عن طريق تيار كهربى يخترق الجدار حتى يصل إلى الشبكية، ويكوى كل الأنسجة التي يمر بها وبعدها يظل المريض شهرًا كاملًا في السرير بلا حراك حتى تنتهى آثار الكى الكهربائى.

وكانت هذه الطريقة من أحدث ما توصل إليه الطب في علاج مرض انفصال الشبكية، ويرجع الفضل لاكتشافها إلى الدكتور السويسرى جونان الذى استخدمها لأول مرة عام 1925، وقبل هذا العام كان الطريق مسدودًا أمام علاج هذا المرض الخطير، وكان كل من يمرض به ينتهى به الحال إلى عالم الظلام. وقد نقل هذه الطريقة إلى مصر الطبيب الراحل محمد صبري أول من اهتم بهذا المرض وتخصص فيه، واستطاع أن ينقذ آلافًا من مرضى الانفصال الشبكي في بلادنا خلال الثلاثين سنة الماضية.

ومضت عشرون عامًا، كانت الطريقة السابقة هي الوسيلة الوحيدة لإرجاع البصر لمرضى انفصال الشبكية. وفى عام 1945 لعبت المصادفة دورًا غريبًا في علاج هذا المرض، ففي يوم 10 يوليو من هذا العام، وعقب كسوف الشمس الذى حدث بألمانيا ورد إلى عيادة الدكتور مايو سفيكران، بعض حالات غريبة لاحظ إصابتها بحروق في الشبكية، واكتشف أن أصحاب هذه الحالات تتبعوا كسوف الشمس بتمعنٍ شديد.

ودفعته هذه الملاحظة للتفكير في استخدام أشعة الشمس أو ما يعادلها في كي الشبكية في مكان التمزق الذى يتسبب فى حدوث حالات الانفصال الشبكي، وظل يجرى تجارب لمدة أربع سنوات وتمكن في النهاية من اختراع جهاز أشعة الشمس، وصمّم أول جهاز كي ضوئي لعلاج الانفصال الشبكي.

اقرأ أيضًا

أعراض يجب الانتباه إليها.. انفصال الشبكية وفقدان البصر

وقال الطبيب الذى أجرى هذه الجراحة الجديدة لـ«آخر ساعة»، الدكتور أنور جادالله: العين لا تختلف كثيرًا عن الكاميرا، فعدسة الكاميرا تكون صورة مقلوبة على الفيلم، وحدقة العين تكون صورة لما تراه على الشبكية، وشبكية العين غشاء رقيق شفّاف يبطّن النصف الخلفي لها، وأكثر بقعة حساسة فيها «المقولة» (مركز الشبكية)، وعليها تتوافر حدة الإبصار، ومنها تُنقل صور المرئيات بواسطة العصب البصرى إلى مركز الإبصار بمؤخرة المخ لترجمتها.

والدكتور أنور هو الطبيب المصرى الوحيد المتخصص في علاج انفصال الشبكية، وبدأ اهتمامه بهذا المرض عام 1941، عندما تخرج في كلية طب جامعة القاهرة، والسبب كما يقول أنه وجد أن حالات الانفصال الشبكي يختلف بعضها عن بعض، وكل حالة قائمة بذاتها، ولذا يحدث اختلاف كبير في التشخيص، وكثيرًا ما يذهب ضحيته مئات المرضى، وأنه لا بُد من التفرغ والتخصص فى هذا الميدان ليكون التشخيص صحيحًا. وقرّر أن يقتصر اهتمامه على هذه الناحية، وعندما عُيِّن مدرسًا لأطباء التخصص بمستشفى الرمد بروض الفرج، شكاه كبير الأطباء لمدير المستشفى لأنه يعمل في دراسة حالات الانفصال الشبكي على حساب العمل الروتيني، وحتى يتخلص من هذه الشكوى كان يأتي فى الصباح الباكر ليجري عمليات الانفصال الشبكي قبل الساعة الثامنة صباحًا، أي قبل بدء العمل الرسمي، حتى لا يضبطه أحد بارتكاب جريمة الاهتمام بهذا المرض.

وفى عام 1945 استقال الدكتور أنور وافتتح عيادته الخاصة وتوسع فى تجاربه، وأجرى حوالى 500 عملية انفصال شبكى ناجحة، خرج منها بحصيلة ضخمة من المعلومات والخبرات، وأصبحت عيادته معهدًا مفتوحًا لكل من أراد أن يتزود من الأطباء بالمعلومات أو التجارب العملية.

وفى عام 1949 أعلن لأول مرة فى تاريخ الطب بمصر تخصصه في الانفصال الشبكي، وقوبل بمعارضة من الجمعية الرمدية، ومن نقابة الأطباء، وقالوا له في خطاب رسمي «إنه لا يجوز التخصص في جزء من أجزاء العين».. ولكنه مضى في طريقه من أجل نور العيون.
(آخر ساعة» 10 يوليو 1963