مواجهة «الأخوة الأعداء» .. حاضر وماضى إنجلترا وفرنسا

معركة تشرشل وديجول .. حسمها نابليون

 إبراهيم ربيع
إبراهيم ربيع

العطر الباريسى الفواح كيف حول زئير الأسود الثلاثة إلى نواح ؟!

قبل الحروب العالمية التى فجرتها ألمانيا كان العداء مستحكما بين الإمبراطوريتين الأنجليزية والفرنسية وكان الصراع محتدما على بلع العالم فى النسخ القديمة من الإستعمار.. وبعد الحروب العالمية تحول الأعداء إلى أخوة وحلفاء تحت مظلة الغرب الرأسمالى أمام مظلة الشيوعية السوفيتية وحلفائها من الأوروبيين أيضا.

لكن التاريخ من الصعب نسيانه بسرعة لأنه يترك بصمة دائمة مثل الوشم فى نفس كل الأجيال المتتابعة ..ولاتوجد مباراة كرة إلا وتحاصرها السياسة ويقتحمها التاريخ فيقفز إلى الأحفاد الصور الذهنية للأجداد ولا يرى اللاعبون والجمهور فى الملاعب المستطيل الأخضر والمدرجات والجمهور فقط بل يطل من الخلفية نابليون وتشرشل وديجول ومشاهد معارك الأساطيل فى البحار والمحيطات..
كانت معارك الفرنسيين والإنجليز معظمها لصالح الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس.. وفى الكرة أيضا كانت معظم الانتصارات لها.. بل هى المرة الأولى فى كئوس العالم يتغلب فيها العطر الفرنسى الفواح على زئير الأسود الثلاثة.. فيتحول الزئير إلى نواح تمتلئ به شوارع إنجلترا ومنصاتها الإعلامية.. بينما على النقيض تعم الأفراح والليالى الملاح شوارع فرنسا.. ولم يعد مقصورا على دول العالم الثالث المتأخرة علميا وتكنولوجيا عملية البحث عن أى مجد فى أى شئ وأوله الرياضة .. بل شمل ذلك الدول المتقدمة التى أصبح المجد الرياضى تكملة للأمجاد الأخري..


فى المباراة .. كانت فعلا مواجهة بين ثقافة أوروبية مشتركة لكن لها عدة أوجه ..فريق فرنسى له رائحة العطر الباريسى الفواح وفريق انجليزى له هيبة العقلية العسكرية يناسبها رمز الأسود الثلاثة..وبينما اهتم مدرب إنجلترا بإيقاف مبابى وفعلا أوقفه إلا قليلا لكنه لم يتحسب للمهاجم المحاصر دائما بالجدل والتشكيك فى أحقيته واهليته للعب الدولى ''جيرو''.. كان جيرو الشبح المختبئ أو قل أنه نابليون المباراة.. نوعية من المهاجمين إحتاجها المنتخب الفرنسى لأن كل القسم الهجومى من اللاعبين ''شبه بعضهم'' .. كان مثل نابليون فى المعارك يشق طريقة خاطفا عمق أعدائه ومثل نابليون فى الشطرنج.. لقد انقض ووضع الكرة برأسه وقت أن كان الإنجليز فى أفضل أحوالهم..هو الخطف والطريقة النابليونية فى اختراق العمق ومفاجأة الخصم الذى ربما يكون على رقعة الشطرنج على وشك قتل الملك..
وكانت المعركة شديدة للسيطرة على وسط الميدان..وتبادلا فيها الكر والفر والمناورة بين قوة بنية الإنجليز ومهارة الفرنسيين ولم يحسم أيهما الحوار الخشن..ووسط هذه المعركة الواسعة كانت الأعين تركز على مبابى وهارى كين لأن لديهما التفاصيل الصغيرة والفردية ..فلكل جيش بطل أو مجموعة أبطال وتحكى لنا الأفلام الأوروبية والأمريكية عن أبطال فى الحرب العالمية الثانية صنعوا الفارق ونحكى نحن فى مصر عن الجندى البطل محمدعبد العاطى أحد أفراد مجموعة أبطال اصطادوا عشرات الدبابات الإسرائيلية..وخسرت هذه الأعين الرهان.. فلم يسجل مبابى ولم يفعلها كين بل بكى بحرقة بعد المباراة لأنه أهدر ضربة الجزاء التى كانت كفيلة بعودة الإنجليز إلى ميدان المعركة..صحيح البرود الإنجليزى سمعة التصقت بهم إلا أن المونديال ليس فيه أماكن باردة هكذا هو تصميمه الذى يجعل كل شئ فى الملعب والشارع ساخنا وربما ملتهبا وأقرب مافيه هو الدموع ..


وبالطبع كانت هناك ميزة إنجليزية وهى الضغط من كل اللاعبين على الخصم فى أماكنهم سواء فى الهجوم أو الوسط ..بينما لم يكن ذلك متاحا لمنتخب فرنسا لأن مبابى وجريزمان وديمبلى تقريبا لايضغطون وإذا ضغطوا فعلى فترات قليلة أو على استحياء..إلا أن الإنجليز لم يستفيدوا من ذلك وفازت فرنسا ..لماذا ؟..لأنها أولا كرة القدم وهذا طابعها..وثانيا لأن الإنجليز دائما مايتوقفون عند الأدوار النهائية ..وثالثا لأننا لم نكن نعرف المستوى الحقيقى لهم لكونهم لعبوا فى أضعف مجموعة..