علاء عبد الهادي يكتب : شهادة مفيد فوزى الأخيرة

علاء عبد الهادي
علاء عبد الهادي

[email protected]

جائنى صوت صديقى الفنان الكبير عمرو فهمى عبر الهاتف متهللاً: عندى لك مفاجأة ، ولم يمهلنى عمرو لكى أستفسر عن المفاجأة التى استشعرت أنها سعيدة من طبقة صوته ، وأضاف : أنا الآن مع الأستاذ مفيد فوزى الذى قرر أن يختص سلسلة «كتاب اليوم» العريقة بإصدار أحدث كتبه .. ليس هذا فحسب بل إنه اختار لكتابه عنوان « خلف الستار .. حكايات لها معنى وربما مغزى» وكلفنى، أى عمرو ،  بتصميم الغلاف ، وتناقشت معه أيضا فى الفكرة ، وأعطى الفنان عمرو التليفون للأستاذ مفيد لكى يتحدث معى حديثه الودود الذى يتميز بالضغط على مخارج الألفاظ ونهايات الجمل .


هذا الحوار سبقته حوارات كثيرة بينى وبين الأستاذ مفيد،  بدأت بتعارف سريع خارج مصر، فى فيينا، عندما كنت والأستاذ مفيد ضمن المدعوين لحضور افتتاح معرض للآثار المصرية فى العاصمة النمساوية ، ثم التقينا بعدها فى حفل استقبال أقامته سفارة سلطنة عمان قبل سنوات ، وتبادلنا أرقام التليفونات للتأكيد على ضرورة استمرار التواصل بيننا.

حتى جائتنى منه رسالة عبر «الواتس اب» معلقاً على يوميات لى نشرت عبر الصفحة الأخيرة فى الأخبار ، ومن يومها توطدت العلاقة بالأستاذ مفيد ، وساهم فى ذلك وجود أصدقاء مشتركين على رأسهم العالم الدكتور زاهى حواس.

رصدت انضباطه الشديد فى المواعيد التى يلزم بها نفسه ، وينتظر أن يلزم بها الآخرون أنفسهم ، وخرج الكتاب كما تمنى وكما أراد، معبراً عن رؤيته المكثفة والتلغرافية فى شخصيات عاصرها ، وفى أحداث كان شاهداً عليها، قال كلماته القصيرة باعتباره شاهداً على أحداث كثيرة دائما كانت تحدث خلف الستار .

فما تراه على المسرح ليس كل المشهد ، والبطل الذى يبهرك بكلامه وحركاته على الخشبة يقف وراءه خلف الستار كثيرون، يؤثرون فى المشهد سلباً وايجاباً، واتفقنا على تنظيم ندوة وحفل وتوقيع ،فى «أخبار اليوم»  ولكن كورونا اللعينة احتلت المشهد.

وتأجلت الندوة ، الى أجل لم يتحقق، حتى بدأت أقرأ مؤخراً أخباراً هنا وهناك عبر صفحات السوشيال ميديا تتحدث عن وعكة صحية ألمت به ، وارتفعت الوتيرة بمطالبات من محبى وتلاميذ الأستاذ مفيد تطالب بسرعة تدخل أجهزة الدولة لإنقاذه، حتى فاضت روحه إلى بارئها قبل أيام.

وكما كان وهو على قيد الحياة «حديث المدينة» بقى بعد مماته أيضا يملأ الدنيا بمن هم معه ومن هم ضده ، وهذا هو قدر الإعلامى دائما ، أن يجد من يحبه ، وان يجد بالتبعية من يتمنى أن يختفى من المشهد ، أو يسعى الى الانتقام منه بكل خسة ووضاعة وهو تحت التراب ، هذا أمر لم أتوقف عنده كثيراً ، ولكنى توقفت أمام تنامى ظاهرة التشفى فى الموتى واعتبار الموت قصاصاً من المتوفى  ، وكأن من يشمتون قد كتب الله عليهم الخلد !


الأستاذ مفيد فى مقام الأستاذ لجيلى وأجيال كثيرة ممن عملوا بمهنة الصحافة والإعلام رغم اختلاف المدرسة الصحفية، ويمكن اعتباره أيقونة، وآخر رموز الجيل الذهبى للصحافة المصرية ،  ورغم أنه ابن شرعى لمدرسة روزاليوسف، الا أننى اعتبره بمفرده مدرسة عابرة للأجيال ، وللأشكال الإعلامية التقليدية ، حيث إنه ارتقى فى العمل الصحفى وصعد السلم حتى وصل الى منصب رئيس التحرير وخلال ذلك مارس الإعداد التليفزيونى والإذاعى.

ولكنه وبدلا من أن يتقاعد ، ويذهب الى الظل مثل كثيرين، راح يبدع وينحت لنفسه وللمهنة صفة إعلامية جديدة ظلت لصيقة به، رغم محاولات تقليده ،  وهى صفة المحاور ، لم يدع يوما أنه مذيع ولكنه المحاور الاستقصائى الذى يسعى الى لب وصلب القضية عبر حوارات كانت فى الغالب شائكة مع صناع الأحداث .

وهو أمر جر عليه كثيراً من المشاكل ، كما وضعه فى الوقت ذاته فى مكانة تليق به عند المواطن ، وعند صناع القرار والأحداث .. بقدر نجاحه بقدر ما كان له أعداء ، ولكن سيبقى مفيد فوزى ، شئنا أم أبينا مدرسة .


قررت أخبار اليوم إعادة طرح نسخ اضافية من كتاب كواليس الذى يعد آخر ما كتب الأستاذ مفيد فوزى ، كما أنه يتضمن شهادته الأخيرة على أحداث ، وعلى صناع أحداث عبر نصف قرن من الزمن .    

اقرأ ايضا | علاء عبد الهادي يكتب: كثير من الأدب «الأرض تتنفس في شرم الشيخ»