الدكتور أشرف غراب يكتب: «بروتين المصريين».. رؤية للإصلاح والتطوير

الدكتور أشرف غراب
الدكتور أشرف غراب

القطاع الداجني.. هو بوابة المصريين الأولى والآمنة منذ قديم الأزل فى تناول البروتينات أوقات الأزمات واستفحاش الغلاء وارتفاع أسعار اللحوم محليًا وعالميًا، خاصةً هذه الأيام التى وصل فيها سعر كيلو اللحم البلدى بالمجازر الخاصة نحو مائتى جنيه للأبقار والجاموس، وما يقارب المائة وعشرين جنيهًا بمنافذ الزراعة والتموين وغيرهما.

ولو تحدَّثنا عن حجم استثمارات ذلك القطاع الحيوى المهم فى مصر لوجدناه تخطى 250 مليار جنيه تقريبًا، ويعمل به قُرابة "4" ملايين عامل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وإذا ما قرَّرت الخوض فى غُماره والدخول فى تفاصيله، فلك أن تسرح بخيالك بعيدًا، حيث إن كل رب أسرة من العاملين به لديه نحو  3 إلى 4 أفراد، قوامها زوجة وعدد من الأبناء إضافةً إلى شخصه، وهنا نصل إلى حوالى 20 مليون شخصٍ يترزَّقون منه، أى بمعنى أدق خُمس عدد سكان مصر، ناهيك عن المُستفيدين منه على موائدهم وهم الغالبية العظمى من التعداد العام، وهذه الأرقام بمثابة نذيرٍ يدعونا أن نُفكِّر قليلًا ونحترس عند التعاطى مع هذا القطاع، أو الاقتراب من هذه الصناعة المهمة؛ حتى لا تتأثَّر شريحةٌ كبيرة هم كما يُطلق عليهم محدودو الدخل، ولأنها أيضًا بمثابة أمن غذائى وأرخص بروتين حيوانى فى مصر يعتمد عليه الشعب المصرى أجمع اعتمادًا كبيرًا، كأرخص بروتين مُتاح بين أيديهم وحسب دخولهم والاحتياجات اليومية التى هى أبسط مُتطلبات أى أُسرة، غنيةً كانت أو فقيرة، أضف إلى ذلك طبق البيض الذى هو عمود البروتينات للغذاء اليومى للأطفال والكبار معًا، ونعلم جميعًا ما تُعانيه صناعة الدواجن والصناعات المُغذِّية لها، والتى تتمثَّل فى النسبة الأكبر فى صناعة الأعلاف التى هى بالتبعية مُهدَّدة فى عالم أصبحت فيه لغة الجشع والاحتكار وقلة الضمير وغياب الوعى والتخبُّط العالمى فى ظل ظروف الحرب الروسية الأوكرانية وما خلَّفته للعالم من مخاوف وهواجس كان لها النصيب الأكبر فى ضعف اقتصادات البلدان بشكل كبير وخطير.

وبالنظر إلى صناعة الدواجن فى مصر، فإن حجم التربية سنويًا يُقدَّر بحوالى 1 ونصف مليار  فرخة، وهو والحمد لله يُوازى 90% من المطلوب، بما يعنى أننا لدينا اكتفاء ذاتى نوعاً ما منها، كما أنه بالنسبة لبيض المائدة، فيوجد لدينا من 38 إلى 42 مليون فرخة بياضة تُنتج من11 إلى 12 مليار بيضة سنويًا، ولدينا أيضًا اكتفاء ذاتى منه بنسبة وصلت 100%‎ ويزيد، وهو ما يشى بأننا الأفضل موقعًا وحالًا فى هذا القطاع الضخم، وقطعنا شوطًا لا بأس به فيه، ويجب الحفاظ على هذا النجاح وتنميته، لنكون على رأس المُصدِّرين، لا المُكتفين فقط.
فى الآونة الأخيرة عمل البعض على صب الزيت على النار، وتعمَّدوا هادفين ومُغرضين أن يُعكِّروا الصفو، ويُشعلوا الفتن ويُثيروا القلاقل، بأن ألقوا على أبصارنا ومسامعنا عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وفى قنواتهم المشبوهة، ومنصاتهم الإعلامية المسمومة، بأن هناك انهيارات كتيرة ومتلاحقة فى هذه الصناعة الحيوية، وعدَّدت من المساوئ والأسباب ما كان وراء حدوث ذلك، وهو ما يضرب هذه الصناعة الوطنية الاستراتيجية المهمة والحيوية فى مقتل، وبالتبعية الصناعات الأخرى التي تقوم عليها بشكل مباشر أو غير مباشر، ثم تأثُّر العاملين فيها، والمُستفيدين منها، ما يخلق زوبعةً نحن فى غنى عنها، ولا نُريدها حاليًا، لأننا فى أمسِّ الحاجة لعامل الوقت لاستكمال مشاريعنا الوطنية التى بدأناها وتدفع باقتصاد بلدنا قُدمًا للأمام، ومُؤازةً للقيادة السياسية التى تطوف العالم شرقه وغربه، لجلب الاستثمارات ولفت الأنظار لبلدنا، ليكون الوجهة المستقبلية لكل العالم، وهو ما نطمحه ونأمله قريبًا إن شاء الله، لذلك من باب أولى تحديد العقبات التى تُواجه هذه الصناعة المهمة لبلدنا، وطرح الرؤى والحلول لتخطيها وتفاديها، وهى ليست مُعضلةً ولا تحتاج لذلك الضجيج وهذا الصياح الذى يفتعله المغرضون، الذين ينعقون عند كل موقفٍ يُقابلهم، وإن كان عابرًا يحدث فى كل أنحاء العالم، وليس فى مصرنا فقط، وإنما هى نفوسهم المريضة، وتوجهاتهم الخبيثة.
هناك عِدَّة مقترحات لإصلاح ما يعترى القطاع الداجنى من عوائق، والتى تقف حجر عُثرة فى سبيله تقدمه ونمائه، وتحقيق المرجو منه، لأنه حال نجاحه فإن مردوده الاستثمارى سوف يكون كبيرًا ويصب فى عصب الاقتصاد المصرى، لهذا نقترح أولًا أن تقوم الحكومة ممثلةً فى الجهات المعنية بالدولة بمراجعة اشتراطات تصدير الدواجن إلى الخارج، وتبدأ بالفعل فى معالجة تلك الشروط، بأن تُضيف على ما ينقصها، وتقصى ما يزيد أوجاعها ويُوقف عطاءها، وحتى يكن بمقدور الدولة فتح أسواق جديدة لها تُدر مصدرًا جديدًا للعملة الصعبة التى نحن فى أمسِّ الحاجة إليها حاليًا، كما يجب أن نُوحِّد اسمًا تجاريًا مُعينًا للدواجن لا يُؤثِّر على سعرها بالأسواق، فبإمكاننا مثلًا فى مصر أخذ الفرخة من المُنتج التى هى بسعر ٣.٥ دولار خارجيًا، و٥٠ % محليًا، من المجزر مُباشرةً لئلا نُؤثر على السوق المحلى، ولتكن للتصدير بنحو ٢.٥ دولار، وداخليًا ٤٠ جنيهًا، وبهذا لا يهمنا أن يكون سعر العلف غاليًا أو رخيصًا، وتكون المُحصِّلة مكاسب للجميع، لأصحاب معامل الكتاكيت، ولمُنتج العلف، ولمُربى الدواجن، والمجزر أيضًا الذى يقوم بعملية الذبح والتجميد والتعبئة.
أما ثانى المُقترحات، هو أن يكون لدينا حصرٌ فعلىٌّ لاستهلاك الدواجن فى جميع محافظات الجمهورية، حتى نتعرَّف عن قُرب على اللازم للسوق ونستطيع توفيره، ووضع احتياطى مُناسب لتأمين الاضطرابات والأزمات التى تُفاجئنا بين الحين والآخر سواء كانت داخلية أو خارجية، كما يجب أن نُقنِّن تربية الدواجن فى مصر، فليس مقبولًا العشوائية فى تربيتها، فلا يُعقل أن يقوم أى أحدٍ بتربية الدواجن، وإنما يجب أن يكون من المُتخصصين فى هذا المجال المهم العَالِمين به، ولابد من تقنين المَزارع أيضًا، وأن تكون الوزارة المسئولة عن القطاع لديها حصرٌ بها، لسلامة المُنتج، والحفاظ على عوائد المُربى والدولة معًا، إضافةً إلى ترتيب دخول دورات التسمين فى المحافظات بما يُناسب الاستهلاك لكلٍّ منها، ومنع بيع دواجن محافظة لمحافظة أخرى.
ثالث الاقتراحات يتمثَّل فى وقف بيع الحى منها تمامًا، إذ من المهم أن يكون للمجازر دورٌ كبير الأيام المقبلة، وربط سعر التكلفة بسعر بيع اللحم عن طريق إنشاء لجنة مكونة من وزارة الزراعة، والاتحاد العام لمنتجى الدواجن، وأخيرًا رابع هذه الاقتراحات، أراه فى تقليل التربية بما يُوازى قلة الاستهلاك، بمعنى أدق أننا كدولة لا نملك إحصائيات دقيقة مثلًا لشهر نوفمبر كم طنًا من اللحم تم بيعه، ولا يُوجد أحدٌ حتى اللحظة باستطاعته الجواب على هذا السؤال، فحين يكون حجم التربية أكبر من حجم الاستهلاك، يحدث انيهارٌ للأسعار، أما حين تكون التربية موازية للإنتاج، سوف نصل حتمًا لنقاط التعادل مع هامش ربح بسيط.. وبذلك نضع قدمًا على طريق إصلاح قطاعٍ من أكثر القطاعات الحيوية والاستراتيجية للدولة والمواطن والعاملين فيه، ونخلق بيئة استثمارية منه تجلب العملة الصعبة، كما لا ننسى ضبط السوق وتحقيق رضا الجميع، حفظ الله مصر وشعبها وأهلها من كل مكروه وسوء.