القمة «العربية – الصينية»| منافع مشتركة وتطور مرتقب فى العلاقات الاستراتيجية

جلسة سابقة لمنتدى التعاون العربى الصينى فى بكين عام ٢٠١٨
جلسة سابقة لمنتدى التعاون العربى الصينى فى بكين عام ٢٠١٨

أحمد جمال

تنتظر المنطقة العربية العديد من التحولات الاستراتيجية مع الزيارة المرتقبة للرئيس الصينى شى جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع وما سيترتب عليها من انعقاد قمتين خليجية وعربية مع جمهورية الصين الشعبية، فى ظل عواصف سياسية دولية تتزامن مع علاقات متوترة بين دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية بسبب خلاف حول إمدادات الطاقة.. وبحسب ما صرح به دبلوماسيون عرب فإن المملكة العربية السعودية تنوى استضافة قمة صينية عربية غدا الجمعة، خلال زيارة الرئيس الصينى إلى المملكة ويسبقها قمة صينية خليجية، وهى قمم لم يسبق أن تنعقد من قبل ما يمنحها زخمًا سياسياً واقتصادياً قد يترتب عليها مزيد من الحضور الاقتصادى الصينى فى منطقة الشرق الأوسط، وهو أمر يشكل هاجساً قويًا للولايات المتحدة الأمريكية.

ويتوقع مراقبون أن تؤسس القمتان إلى جانب قمة ثالثة على مستوى زعماء السعودية والصين لمرحلة جديدة من الجغرافيا السياسية التى ستذهب باتجاه أن يكون الصين شريكاً استراتيجياً للعديد من الدول العربية مستفيدة من عوامل الجغرافيا القريبة من دول الخليج، بما سيتيح لبكين بأن تكون أكثر تشابكاً على المستوى الاقتصادى والسياسى مع البلدان العربية، ويشكل ذلك تطوراً مهمًا بعد أن استمرت الولايات المتحدة فى لعب دور الشريك الاستراتيجى الأبرز دون أن ينازعها أو ينافسها أحد.

ومن المتوقع أن يوقع الوفد الصينى على عشرات من الاتفاقات ومذكرات التفاهم مع مصر ودول الخليج ودول عربية أخرى فى مجالات تشمل الطاقة والأمن والاستثمارات، ما من شأنه أن يضاعف حجم التبادل التجارى بين البلدان العربية والصين والذى بلغ خلال هذا العام قبل الربع الأخير 319 ملياراً و295 مليون دولار أمريكي، بزيادة 35.28% عما كان عليه فى نفس الفترة للعام الماضي، وبما يقارب الحجم الإجمالى فى عام 2021.
ويأتى انعقاد القمة العربية الصينية استجابة لتوصية صدرت عن الدورة التاسعة للاجتماع الوزارى لمنتدى التعاون الصينى بشكل افتراضى فى يوليو من العام 2020، وتبادلت الوفود العربية والصينية فى تلك القمة وجهات النظر على نحو معمق حول بناء المجتمع الصينى العربى للمستقبل المشترك وتبادل الدعم فى القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية للجانب الآخر والدفع ببناء «الحزام والطريق» وتعزيز التعاون فى مكافحة جائحة كورونا.
وقال عادل الجبير وزير الدولة السعودى للشؤون الخارجية فى تصريحات إعلامية سابقة الشهر الماضي، إن توطيد العلاقات التجارية والأمن الإقليمى سيكونان ضمن أولويات زيارة الرئيس الصينى إلى المملكة العربية السعودية.
وتشير التوقعات لإمكانية أن تشهد الزيارة طرح الصين مبادرة لتأمين الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط، والتوقيع على اتفاقات فى مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، مع ازدياد طلب الصين على النفط، بعد أن بدأت تخفف تدريجيًا من القيود التى فرضها تفشى وباء كورونا، إلى جانب توقيع اتفاقيات تجارة حرة بين دول الخليج والصين.

 

وأكد عماد الأزرق مدير مركز التحرير للدراسات والبحوث المتخصص فى الشأن الصيني، أن انعقاد القمة العربية الصينية يفرضها التوجهات المشتركة لتعظيم الاستفادة من إمكانيات الجانبين فى إطار المنافع المشتركة وفى إطار رغبة الصين فى ترسيخ علاقاتها بمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها منطقة جيوسياسية مهمة تسيطر على أغلب الممرات التجارية حول العالم، كما أن الدول العربية توفر 80% من احتياجات الصين من النفط والغاز، فضلاً عن الاستثمارات الصينية الضخمة فى العديد من البلدان العربية.

وأوضح أن الدول العربية فى المقابل لديها رغبة فى توطين التكنولوجيا والصناعات الحديثة والاستفادة من الخبرات الصينية فى هذا الإطار، لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، كما أن القمة تأتى فى توقيت بالغ الأهمية فى ظل الأوضاع الدولية المأزومة جراء الحرب الروسية الأوكرانية وما تفرضه من ضغوطات قوية على الاقتصاد الدولي، بالإضافة إلى تعقد الموقف الصينى الأمريكى واستمرار حدة المنافسة بين الجانبين.
وشدد على أن التوجه الصينى نحو دول الخليج يأتى رداً على مساعى واشنطن لحصار الصين بشكل كبير وإثارة العديد من المشكلات فى محيطها الإقليمي من خلال التحالفات السياسية والأمنية فى المحيط الهادى ودول قارة آسيا.
وتأتى الزيارة فى وقت يشهد فيه العالم نظاماً عالمياً جديداً خلفًا للنظام الحالي، وفقًا للأزرق، ويقوم على التعددية القطبية بدلاً من الأحادية الحالية وأن المنطقة العربية سيكون لديها دور فى بناء النظام الجديد باعتبارها من أكثر البلدان التى تضررت من النظام الدولى الذى تشكل بعد الحرب العالمية الثانية أو الذى تشكل فى أعقاب الحرب الباردة، وأن الدول العربية تستهدف تعزيز تحالفاتها مع القوى الدولية البارزة والتى سيكون لديها مكانة أكبر فى النظام العالمى الحديث فى القلب منها روسيا والصين.

وتنظر الصين إلى العلاقات الدولية بشكل أوسع ولا تحصرها فى العلاقات السياسية وتعتبر أن التنمية والتعاون الاقتصادى هما مفتاح لكافة المشكلات التى يواجهها المجتمع الدولى بما فيها أزمات محاربة الإرهاب والفقر والتغيرات المناخية، لكن ذلك لا يعنى أن تطور العلاقات السياسية سيكون بعيداً عن القمة المزمع عقدها، فى ظل المواقف الداعمة للصين فى القضية الفلسطينية.

لا يتصور الأزرق أن تلعب الصين دوراً رئيسياً فى حل الأزمات العربية لكنه يتوقع أن تلعب بكين دوراً ضاغطاً على الأطراف المؤثرة فى تلك المشكلات، إذ إنها تؤمن بأن المفاوضات السياسية والحوار السبيل الأمثل لإنهاء الحروب والصراعات، ومن الممكن أن تلعب هذا الدور فى اليمن عبر علاقاتها المتطورة مع إيران والمملكة العربية السعودية وفى ليبيا عبر علاقاتها القوية مع مصر وتركيا والأطراف الليبية وكذلك الوضع بالنسبة للسودان.
وقالت الدكتورة نادية حلمي، أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف والخبيرة فى الشؤون الصينية، إن توجه السعودية نحو الصين سيكون بمثابة تحول طويل المدى سواء على الصعيدين الاقتصادى أو السياسي، خاصةً بعدما تواردت أنباء بتعامل السعودية بالعملة المحلية الصينية «اليوان أو الريمينبى» بديلاً عن الدولار الأمريكى فى التعاملات النفطية الشرائية بين الجانبين.

وأوضحت أن تلك القمة المرتقبة بين السعودية وبكين على وجه الخصوص لها تداعيات سلبية خطيرة على الجانب الأمريكي، بسبب تزايد حجم مبيعات الصين لصفقة طائرات من دون طيار للسعودية، فضلاً عن مساعدة الصين للسعوديين فى تصنيع صواريخ باليستية بعد رفض الولايات المتحدة الأمريكية القيام بذلك بسبب مخاوف انتشار الأسلحة والصواريخ فى المنطقة؟

ولفتت إلى أن مصلحة الصين تكمن فى الحفاظ على علاقات قوية مع الدول العربية لإنجاح مبادرة (طريق الحرير الصينية)، لأن الدول العربية والخليجية تمتلك الجانب الجيوسياسى المهم من المبادرة عبر القارة الأفريقية بإطلالها على البحر الأحمر والبحر المتوسط وقناة السويس، بالإضافة إلى حوض الخليج العربي.

والجديد فى الأمر، بحسب حلمي، يتمثل فى دفع الصين خلال الفترة المقبلة لعقد مؤتمر سلام دولى على نطاق واسع، بغية إيجاد حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية فى أقرب وقت، وتجد الصين بأنه بات من الملح بناء منظومة الأمن الجماعى بالتعاون مع المنطقة العربية ودول الخليج العربي، فالسعى نحو الأمن المطلق، أو الانفراد بالأمن سيؤدى إلى طريق مسدود من وجهة النظر الصينية الخليجية العربية المشتركة، لذلك فإن دولة الصين تدعو إلى بناء (منصة متعددة الأطراف للحوار) فى المنطقة.

وتتفق الصين مع كافة الدول العربية (الديمقراطية وحقوق الإنسان) تعتبران من القيم المشتركة للبشرية جمعاء، وليستا من براءات الاختراع الخاصة بالولايات المتحدة وحلفائها فى الغرب، وأن القمة العربية الصينية ستحمل تأكيداً من جمهورية الصين الشعبية، بأنه فى حالة غياب التنمية، فلا مجال للحديث عن حقوق الإنسان، وستكون الديمقراطية، بغض النظر عن نموذجها، لا معنى لها.
وترى د. حلمى أن الصين ستحرص خلال القمة المرتقبة، على بذل الجهود المشتركة مع دول الشرق الأوسط، على الدفع بتسوية الخلافات عبر الحوار وتخفيف حدة الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتهدئته، وإعطاء الأولوية لمواجهة التحديات الملحة فى مجالات الطاقة والغذاء والمالية، من أجل استيعاب وتجنب الآثار السلبية الناجمة عن العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب.

أقرأ أيضأ : الرئيس الصيني يأمل بعودة العلاقات مع واشنطن لمسارها الصحيح