كرة القدم تقتحم حصون عالم الأدب

كرة القدم في عالم الأدب
كرة القدم في عالم الأدب

حسن حافظ

تلك الكرة السحرية التى تتعلق بها الأبصار، تتدحرج بين الأقدام فترتجف القلوب، يسود الصمت لحظات وهى تحلق فى الهواء، وتندلع الصرخات فور سكونها فى أحضان الشباك، هكذا جننت كرة القدم عشاقها، وتربعت على قلوب مئات الملايين، فأصبحت معشوقة الجماهير الأولى، والملكة المتوجة على مخيلة الشباب حول العالم، وباتت لها لغتها التى توحد الشعوب.

كل هذا يتجلى بوضوح فى بطولة كأس العالم، المناسبة التى تتكرر كل أربع سنوات فتشعل حماس شعوب الأرض، لذا لم يكن غريبا أن تقتحم كرة القدم حصون الأدب، فيمتزج جنون الساحرة المستديرة بعشق الكتابة، فتكون المحصلة الكثير من الكتب والروايات التى تحكى قصة عشق الملايين لهذه اللعبة.

تحولت كرة القدم لظاهرة عالمية فى القرن العشرين، ومن المدهش أننا لا نصدق أن البشرية لم تعرف الهوس بكرة القدم كرياضة جماعية قبل أكثر من 100 عام، لكنها أصبحت أفيون الشعوب والرياضة الشعبية الأولى فى العالم، ومن هنا كان اللقاء مع عوالم الرواية العالمية، التى رأت فى قصص عالم كرة القدم تجارب إنسانية عميقة يمكن البناء عليها روائيا لاستخراج أعمال أدبية خالدة، فظهرت الروايات التى تدور فى عالم كرة القدم، بجوار الكتب الأدبية التى تحكى قصص أشهر اللاعبين وأشهر المباريات فى كأس العالم وغيرها من المناسبات.

ولدينا الكثير من الأدباء الذين اعترفوا بعشقهم لكرة القدم، ففى مصر كان أديب نوبل نجيب محفوظ سباقا فى إعلان عشقه لكرة القدم، والذى لعبها عندما كان صبيا، وهو بشهادة كل من يعرفه كان «حريفًا»، وعندما أصبح روائيًا كبيرًا لم يتجاهل يوما الحديث عن كرة القدم باعتبارها عشقه، وعلى المستوى العالمى نجد أن مبدع شخصية شارلوك هولمز، الأديب الإنجليزى أرثر كونال دويل، مارس كرة القدم كمدافع فى نادى بورتسموث الإنجليزي، أما الأديب الروسى الشهير فلاديمير نابوكوف، فلا يكتفى بمحبة كرة القدم، بل كان حارس مرمى فى شبابه، أما رائد أدب اللامعقول الأديب الفرنسى ألبير كامو، فكان حارس مرمى فى فريق الشباب لنادى راسينج بالجزائر، ولم يتوقف عن اللعب وربما الاحتراف فى فترة تالية إلا بعد إصابته بمرض السل فتوجه إلى عالم الأدب.

ومن الروايات التى صدرت وتتناول عالم كرة القدم من زوايا مختلفة، رواية (أحمر أو ميت) للكاتب الإنجليزى ديفيد بيس وتتناول بعض فصول تاريخ نادى ليفربول، ورواية (مصنع كرة القدم) للأمريكى جون كينج، التى تتحدث عن ظاهرة العنف فى الملاعب، ورواية (لغز ملعب أرسنال) للأديب الإنجليزى ليونارد جريبل، وتدور فى أجواء بوليسية وتم تحويلها لفيلم شهير. أما رواية (سعيد) للأديب بريان جونسون، فتدور فى عوالم الكرة التى تسيطر عليها لعبة المال، وكيف أفسد الأخير عالم الكرة وحولها إلى بيزنس بعدما كانت رياضة شعبية تنتمى إلى أبناء الطبقة العاملة، وهناك رواية (الرجل الذى يكره كرة القدم) للألمانى ويل باركي، والذى يحكى عن قصة رجل لم يكن يحب كرة القدم لكنها تنقذ حياته من الانهيار، وقدم الروائى التونسى شكرى المبخوت، رواية مدهشة بعنوان (باغندا) تحكى عن لاعب كرة قدم كان نجما وبطلا شعبيا فى تونس لكنه اختفى ما يدفع بطل الرواية وهو صحفى استقصائى لمحاولة كشف لغز اختفائه، وهناك رواية الأديب المصرى أحمد الصاوى (إصابة ملاعب) والذى يطرح من خلالها أسئلة عميقة عن أحوال المجتمع المصرى وتحولاته.

وبعض الروايات ركّز على حارس المرمى، فنجد رواية (خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء) للروائى النمساوى الحاصل على نوبل، بيتر هاندكه، ويصوِّر فيها من خلال بطل الرواية الذى لعب كحارس مرمى سابق فى فريق نمساوي، ما يفكر فيه حارس المرمى عندما يصوب عليه المهاجم ضربة الجزاء، لكن هذا الإطار المباشر ليس كل ما تعكسه الرواية التى تغوص فى النفس البشرية ويستعرض كيف يستقبل المرء منا مصاعب الحياة، وهو نفس ما نجده فى رواية (ضربة جزاء) للأديب الجزائرى رشيد بوجرة، التى يختلط فيها السياسى بالرياضي.
أما الكتب المخصصة لسيرة لاعبى كرة القدم فكثيرة، بعضها كتبه اللاعبون أنفسهم، أو كُتب عنهم بشكل أدبي، ويحظى الأسطورة البرازيلية بيليه، والأسطورة الأرجنتينية مارادونا بنصيب الأسد من الكتب التى تخصص لكل منهما وتحكى قصة حياتهما والكثير من تفاصيلها.

وإذا انتقلنا إلى الكتب التى تتحدث عن التاريخ الشعبى لكرة القدم، وتمزج بين الأدب والتاريخ والرياضة فكثيرة، ويظل أشهرها كتاب الروائى الأوروجوانى إدواردو غاليانو (كرة القدم فى الشمس والظل)، الذى يفكك عوالم اللعبة بشكل مدهش واستثنائى من أحد عشاقها الكبار، ومن أحدث الكتب الصادرة تحت هذا التصنيف كتاب (تاريخ شعبى لكرة القدم) للناقد الرياضى الفرنسى ميكائيل كوريا، وترجم الكتاب إلى العربية مؤخرا، ويروى تاريخ كرة القدم من منظور مغاير ينتصر للعبة كونها لعبة شعبية للجماهير ومنهم، بعيدا عن محاولة اختزالها فى بيزنس كرة القدم المعروف اليوم، وفى مصر يعد الدكتور ياسر ثابت من أشهر من كتبوا مجموعة من الكتب عن كرة القدم نذكر منها: (حروب كرة القدم)، و(موسوعة كأس العالم)، و(الأهداف لا تعتذر)، كما تتبع الناقد الرياضى ياسر أيوب قصة دخول كرة القدم إلى مصر وتحولها إلى الرياضة الشعبية الأولى فى كتابه (مصر وكرة القدم.. التاريخ الحقيقي: أين وكيف بدأت الحكاية).

اقرأ أيضأ : غدا.. مناقشة رواية « همس الرحى» للكاتب شرقاوي حافظ بالمركز الدولي