فنجان قهوة

لو كان الجهل رجلاً!

يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى

الجاهل ليس هو الشخص الذى لا يعرف القراءة والكتابة، الجاهل هو الشخص الذى لا يريد أن يفكر فى أبسط الأشياء، لقد أعطى عقله إجازة دائمة، وهو فخور ببلاهة أنه كسول عن التفكير وعن الوعى.

الجاهل تحمل له مصباحا لتنير له الطريق.. فلا يرى غير العتمة، تزرع له شجرة.. فلا يسعده إلا مشهد القمامة، تقول له نكتة ليضحك.. فيتصور أنك تسخر منه!

لو كان الجهل رجلا لقتلته، ولو كنت أملك عصا سحرية لتمنيت أن تنير العقول المظلمة المغلقة على جحيم!

الجاهل متعته أن يهدم كل هرم ويسخر من كل نجاح ويستعيذ من شروق الشمس كل صباح، الجاهل هو أخطر من عدو فاهم، فهو يرى نفسه ضخما بينما هو فى حجم فأر صغير يهرب بين المجارى فى الظلام ومتعته أن يفسد كل ماهو مفيد ونافع!

ما أكثر الفئران الصغيرة الهاربة فى الظلام بيننا، ملايين الفئران تسهر لترقص على أى حطام تستطيع تحقيقه، تقيم حفلات إذا أفسدت نجاحا أو قضمت أحجارا من هرم كبير!

الجاهل هو عدو نفسه، فكيف لا نصدق أنه عدو كل الناس وكل شىء وكل فرح وكل زهرة تطرح فى الربيع.

الجاهل قلبه أسود مثل عقله، لا تتوقع منه أن يضع طوبة فى مكانها الصحيح فى بناء عظيم، لا تتوقع منه حلما جميلا ولا أمنية حلوة ولا فرحة من القلب.
الجاهل لا يعرف ولا يعترف بأنه جاهل، هو يتصور نفسه عالما عظيما ببواطن الأمور، يفهم فى كل الأشياء ويدلى برأيه فى كل القضايا!

من أمنيات العام الجديد أن نمحو أمية الجهل، لنبدأ بالأطفال الصغار فى المدارس، مثلما نعلمهم ألف باء الحروف نعلمهم ألف باء الذوق والأخلاق والحب والوعى.

علموا الأطفال أن يتذوقوا طعم الحياة، أن يستمتعوا بالجمال وبالنور وبالفرح وبالألوان، نحتاج إلى أطفال يعلمون كيف يفرحون من قلوبهم، نحتاج إلى أطفال يفهمون فى الموسيقى والرسم و الزراعة، نحتاج إلى أطفال لهم قلوب نابضة بالحياة لكى يقاوموا القبح بالجمال والخوف بالحب والموت بالحياة!

الغد لابد أن يكون لأجيال قوية وليست هشة، لأجيال تحافظ على كل طوبة فى الهرم لا تبصق أو تشخبط عليها، لأجيال ممتنة لكل ما يفعله الكبار من أجلهم، لأجيال تبنى وتحلم وتحب وتغنى أغنية عظيمة للحياة، لأجيال تنفخ التراب عن الكنز وتجعله يلمع.