قلب جريء

المنصات ضد السينما

خيرى الكمار
خيرى الكمار

في‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وحتى‭ ‬بداية‭ ‬التسعينات،‭ ‬ظهر‭ ‬مصطلح‭ ‬“سينما‭ ‬المقاولات”،‭ ‬وكان‭ ‬المقصود‭ ‬به‭ ‬الأفلام‭ ‬ذات‭ ‬الميزانيات‭ ‬الضعيفة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬ويقوم‭ ‬ببطولتها‭ ‬نجوم‭ ‬الصف‭ ‬الثاني،‭ ‬وأحيانا‭ ‬أحد‭ ‬نجوم‭ ‬الصف‭ ‬الأول،‭ ‬وكانت‭ ‬أفلام‭ ‬ضعيفة‭ ‬المحتوى‭ ‬وغير‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬عناصرها‭ ‬الفنية،‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬ليس‭ ‬العرض‭ ‬السينمائي،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬أحيانا‭ ‬لبعضها،‭ ‬لكن‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬طرحها‭ ‬على‭ ‬شرائط‭ ‬الفيديو،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يشهد‭ ‬إزدهارا‭ ‬ورواجا‭ ‬كبيرا‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أختفى‭ ‬وأندثر‭ ‬إختراع‭ ‬الفيديو،‭ ‬وأنتهت‭ ‬معه‭ ‬ظاهرة‭ ‬“أفلام‭ ‬المقاولات”‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬وظهرت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ظواهر‭ ‬سينمائية‭ ‬أخرى‭ ‬تتشابه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬“أفلام‭ ‬المقاولات”‭ ‬عديمة‭ ‬المحتوى،‭ ‬وأعتمدت‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬نجوم‭ ‬الصف‭ ‬الثاني،‭ ‬أو‭ ‬نجوم‭ ‬صاعدين،‭ ‬لكنها‭ ‬أصبحت‭ ‬تعرض‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬السينمائي،‭ ‬ومنها‭ ‬أفلام‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬إيرادات‭ ‬ضخمة،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬“أفلام‭ ‬المقاولات”‭ ‬عادت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بصورتها‭ ‬الكاملة‭ ‬القديمة،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدة‭ ‬أفلام‭ ‬قدمت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولم‭ ‬تعرض‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬السينمائي،‭ ‬أنما‭ ‬عرضت‭ ‬مباشرة‭ ‬علي‭ ‬إحدى‭ ‬المنصات،‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬تنتشر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وتتشابه‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬“أفلام‭ ‬المقاولات”‭ ‬في‭ ‬ميزانيتها‭ ‬المحدودة‭ ‬وإعتمادها‭ ‬علي‭ ‬نجوم‭ ‬ليسوا‭ ‬“سوبر‭ ‬ستار”‭ ‬وضعف‭ ‬محتواها‭ ‬وكل‭ ‬عناصرها‭ ‬الفنية،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتصاعد‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة،‭ ‬حيث‭ ‬يجري‭ ‬حاليا‭ ‬تصوير‭ ‬عدة‭ ‬أفلام‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عرضها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬والمنصات‭ ‬بنفس‭ ‬الشكل،‭ ‬لبدء‭ ‬تصويرها‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬ترسيخ‭ ‬لعودة‭ ‬“سينما‭ ‬المقاولات”‭ ‬وتراجع‭ ‬لمحاولات‭ ‬النهوض‭ ‬بمستوى‭ ‬الأفلام‭ ‬السينمائية‭ ‬التي‭ ‬تقدم،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬أحد‭ ‬علي‭ ‬إنهيار‭ ‬مستواها‭ ‬الفني،‭ ‬بإستثناء‭ ‬أفلام‭ ‬قليلة‭ ‬جدا،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فشل‭ ‬اللجنة‭ ‬المسئولة‭ ‬عن‭ ‬اختيار‭ ‬الفيلم‭ ‬المصري‭ ‬الذي‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬“الأوسكار”‭ ‬بالعثور‭ ‬علي‭ ‬فيلم‭ ‬مصري‭ ‬يصلح‭ ‬لذلك‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬ولهذا‭ ‬لا‭ ‬تتواجد‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تتواجد‭ ‬أفلام‭ ‬من‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ولهذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تحرك‭ ‬حقيقي‭ ‬وفعال‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬يهمها‭ ‬صورة‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬ودورها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬المفقود،‭ ‬لمحاولة‭ ‬تقديم‭ ‬أفلام‭ ‬ذات‭ ‬مستوى‭ ‬فني‭ ‬راقي‭ ‬وليس‭ ‬أفلام‭ ‬استهلاكية‭ ‬فقط،‭ ‬ويجب‭ ‬العمل‭ ‬علي‭ ‬تقديم‭ ‬أفلام‭ ‬تحقق‭ ‬المعادلة‭ ‬الصعبة‭ - ‬كما‭ ‬يقال‭ - ‬وتجمع‭ ‬بين‭ ‬الجودة‭ ‬الفنية‭ ‬والصبغة‭ ‬الجماهيرية،‭ ‬وهي‭ ‬معادلة‭ ‬سهلة‭ ‬وليست‭ ‬صعبة،‭ ‬وتحققت‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬ونشاهدها‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تحصد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬جوائز‭ ‬“الأوسكار”‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تحقق‭ ‬نجاحا‭ ‬جماهيريا‭ ‬ضخما‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬السينمائي‭ ‬بأمريكا‭ ‬وعند‭ ‬عرضها‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬