ريهام عزيز الدين تكتب: تاريخٌ مُشترك

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

حين تفقدُ صديقًا تفقدُ عُضوًا فى جسدك لا تعلمُ على وجه الدقة أين موضعه 
الرأس، القلب، القدمان، المعدة أم عمودك الفقرى الذى تتكئُ عليه؟


حين تفقدُ صديقًا يلتهمُك فراغٌ أبديٌّ يُنبئُ بضياع تاريخك الشخصى  
ارتدادٌ مُباغتٌ نحو قبورٍ لم تزرها قط 
السيرُ عاريًا بينما أعينٌ تذبحُك، تطلُّ من ذاكرةٍ مُشوشة.
حين تفقد صديقًا، يتشوش انعكاسُك فى المرآة 
لا تملك يقينًا صادقًا مَن كُنتَ فى زمنٍ سابق


ولمَن هذا الوجه الجديد
ماذا أنتَ فاعلٌ به؟
حين تفقد صديقًا، تتأملُ مساراتٍ مُتعرجةً حَفِظَها كلاكما كراحةِ يده  
مُمتلئةً ببعضٍ منكُما  
مُمتلئةً بصمتٍ لا يتطلَّبُ الامتلاء.
حين تفقد صديقًا، تفقد معه الصوت
ذاك الصوتُ الغاضبُ الذى يشى بأفعَاكَ غيرِ المُروَّضة. 
كان لطيفًا دومًا أن نُفرِغَ أحشاءنا على مائدةِ الآخر.


حين تفقد صديقًا، تُعانى فقدًا مُستمًرا فى اتزان البُوصلة  
فى جدوى المسعى .


فى التأكُّدِ أن ما سيحدث لا بأس أن يحدث  
نحنُ معًا.
حين تفقدُ صديقًا، تُعبئُ الفراغَ القابعَ بينكما بمزيٍد من الألوان الفاقعة  
مزيدٍ من الحكايا المؤجلة  .


مزيدٍ من كلِّ مزيد  
غير أنَّ المقعدَ فارغٌ  
الحياةُ تتراكمُ كحقائبِ سفرٍ مُمتلئةٍ بالغياب 
تتخبطُ كوليدٍ عارٍ
تتلقفُه كلُّ يد
تُهدهده كلُّ محبةٍ عابرة
تَرفِقُ به عيونُ الغُرباء
يصنعونه على أعينِهم 
غير أنَّه كلَّ ليلةٍ يتحسسُ مَوضِع السُرَّة  
ينمو كلَّ يومٍ متوسدًا ألمَ الانسلاخ.
حين تفقدُ صديقًا، تفقد بعضًا منك
لا تعلمُ على وجه الدقة أين موضعه
القلب 
بين العينين 
فى منابت الشعر 
خلف أذنك اليسرى 
مُختبئًا أسفل أظافرك الملونة؟
حين تفقد صديقًا
تتبعثرُ حواسك 
تلتصقُ قدماك موضع عينيك 
تهرولان كلَّ مساءٍ إلى ذاكرةِ رأسين  
تأتنسُ بلهبِ المعرفة
أنَّ بعضًا مِنكَ لصديقِك
وأنَّ البعضَ لا يسقطُ بالغياب.

اقرأ أيضًا| رحيق السطور| من يمول «جماعات الشر»؟!