ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع المصري.. هروب الأزواج!

هروب الأزواج
هروب الأزواج

كتبت: علا نافع

في صبيحة أحد أيام شهر يناير شديد البرودة استيقظت فاطمة لتعد لأبنائها وجبة الإفطار قبل ذهابهم للمدرسة، واسترعى انتباهها أن زوجها لم يطأ فراشهما أو يثير قلاقله التي اعتادتها منه كل صباح.. ظنت أنه لا يزال مستغرقًا بإحدى سهراته الليلية مع أصدقائه، وانهمكت في إعداد الفطور وتوصيل طفليها إلى المدرسة، وبعد عودتها للمنزل لم تجد أبو مصطفي قد عاد، وحين اتصلت به وجدت هاتفه مغلقًا، وتسرب القلق إليها، وبدأت تبحث عنه لدى أقاربه لكنها لم تجد جوابًا شافيًا، وحررت محضرًا بقسم الشرطة بعد رحلة بحث فى المستشفيات استمرت شهرًا كاملًا.

ومنذ يوم اختفائه تنتابها الكوابيس المزعجة، وتحاصرها المخاوف التي وصلت إلى حد نوبات البكاء المستمر، خاصة أنها اضطرت للبحث عن عمل لتعيل أبناءها الخمسة الذين هم في مراحل تعليمية مختلفة، وبعد مرور عام كامل جاءها خطاب من زوجها يخبرها فيه أن تنساه وألا ترهق نفسها في البحث عنه، فقد قرر الهرب من حياته المملة والبدء من جديد مع زوجة أخرى!

مسلسل الهروب

لم تكن فاطمة وحدها التي هرب زوجها وتركها تتحمل مسئولية أبنائها كاملة، فهذه غدير صاحبة الخمسة والعشرين عامًا التي تعيش بمنطقة باب الشعرية بالقاهرة، اختفى زوجها منذ عامين كاملين وبحثت عنه في كل مكان، لكنها لم تعثر على أي أثر له، حتى أنها وجهت نداء إنسانيًا من خلال ملصقات الشارع ورصدت مكافأة ضخمة لمن يعثر عليه، لكن دون جدوى.

المؤلم أن أحد أصدقائه أخبرها أن زوجها عزم نيته على الهرب وتركها كالبيت الوقف على حد تعبيره، عقابًا لها على تكدير صفوه ومطالبته دومًا بالبحث عن عمل، وإلى الآن لا تعلم غدير إن كانت متزوجة أو أرملة.

أما سعاد صاحبة الثلاثين عامًا فهجرها زوجها لأكثر من خمسة شهور لإجبارها على المطالبة بالطلاق أو حتى الخلع، من ثم التنازل عن حقوقها الشرعية، ورغم تشبثها بحياتها الزوجية معه، فإنه تزوَّج من أخرى وجعلها فريسة للتفكير إما بالتنازل عن حقوقها أو اللجوء للمحاكم ذات الحبال الطويلة.

إحصاءات في الدراسات

وفى دراسة أصدرها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، جاء فيها أن عدد الأزواج الذين هربوا من زوجاتهم وحياتهم الأسرية بلغ أكثر من 18 ألفًا دون وجود أسباب قوية أو قاطعة وراء هروبهم، في حين أن 60% من هؤلاء الزوجات يقدمن إلى محكمة الأحوال الشخصية لطلب الطلاق، في حين لم تفقد النسبة الباقية الأمل في رجوع أزواجهن وإن طال الغياب.

الدراسة أكدت أيضًا أن الأزمات الاقتصادية ليست السبب الوحيد لهروب الأزواج، لكن أحد الدوافع هي تأديب المرأة وإذلالها وكسر كرامتها وهيبتها، خاصة أن الكثير من هؤلاء السيدات ينكر هروب الزوج أو اختفاءه منعًا لنظرات التشفي واللوم، والمؤلم أن أغلب حالات الهروب تخلف وراءها أطفالًا يعانون أزمات نفسية مختلفة كفقدان الثقة بالنفس، فضلًا عن نوبات الاكتئاب والإحباطات المتتالية التي تجعلهم عاجزين عن التكيُّف مع بيئتهم الحالية.

المؤسف أن الزوجة التي هجرها زوجها لا تستطيع تسجيل أبنائها في المدارس أو تسجيلهم فور الولادة، بحكم أن الولاية التعليمية وتسجيل الأبناء مسئولية الأب فقط الذى مازال على قيد الحياة، ما يضطر هؤلاء الزوجات لرفع قضايا طلاق بشكل سريع كي يستطعن مباشرة حياتهن وحياة أبنائهن.

من ناحية أخرى، فإن آراء الرجال تباينت حول هروب بعضهم من حياته الزوجية، حيث يقول (أحمد. س) موظف: بالطبع هروب الزوج من تحمل المسئولية لا يعد فعلًا رجوليًا، فالله خلق الرجل ليحتوي تقلبات زوجته ويمتص غضبها خاصة أنها تعانى ضغوطا صعبة في تربية الأبناء والاعتناء بهم، مؤكدًا أن الضغوط الاقتصادية لا تعد سببًا مقنعًا لهروب الزوج، فالله هو الرازق ولا ينسى أحدا من عباده.

ويتفق معه في القول سعيد زيد (محاسب): شرّع الله الطلاق إذا ساءت العشرة بين الرجل وزوجته مع كفل حقوقها الشرعية كاملة، أما ما يحدث من هجر الزوجة أو الهروب منها فهو فعل غير أخلاقي يحاسبه الله عليه، خاصة أنه يدمر حياة أسرة بأكملها ويجعلها في مهب الشائعات، مشيرًا إلى أن القانون الحالي كفل للزوجة حق الطلاق إذا غاب عنها زوجها مدة كبيرة ولم يستدل على عنوانه أو امتنع عن الإنفاق عليها.

 الرجل الأنوى 

وحول رأى علم النفس في تلك الظاهرة، تقول الدكتورة مها نوح، أستاذة علم النفس: هروب الأزواج من ممارسة مسئولياتهم ظاهرة تستحق الدراسة، فالله فطر الرجل على التصدي للأعباء وحملها بدلًا عن أهل بيته، لكن مؤخرًا زادت الضغوط النفسية على الزوجين سواء بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة أو الخلافات الزوجية المستمرة، وهذا بدوره أدى للشعور بالوحدة وإحساس بعدم القيمة من الآخرين.

وتضيف: هناك نوع آخر من الرجال معروف باسم الرجل الأنوىب الذى يفر بعيدًا عن تحمل المسئوليات ولا يعترف بقدرته على الذود عنها، وهذا بالطبع نتاج تدليل وحماية زائدة من قبل الأهل، مؤكدة أن السلوك الخاطئ من بعض الزوجات باللوم والنقد المستمر للزوج يشعره بالإحباط وعدم التقدير فيهرب بعيدًا عن حياته. وترى أن الزوجة تعانى بعد هروبه من نظرة نفسية سيئة من قبل الأهل والأقارب الذين يلقين عليها اللوم، مما يجعلها تنكر هروبه وتدعى سفره للخارج.

أما الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذة علم الاجتماع، فتقول: قد يكون السبب وراء هروب الزوج من منزله هو معاملة زوجته الجافة والقاسية له فيعمد إلى الاختفاء عن عينها وإشعارها بأهميته، أما إذا طالت مدة غيابه فإن ذلك يعنى فراره من تحمل المسئولية، مشيرة إلى أنه من الممكن أن يكون على علاقة بامرأة أخرى حفزته على الهرب وهجر زوجته.

وترى أن ازدياد تلك الظاهرة في الســــنوات الأخـــيرة بســــبب الظـــــروف الاقتصـادية الصــعبة التي جعلت الرجال والنساء على حد سواء يعانون من إحباط واكـتئاب دفعــت بعضهم للإقــدام علـــى التخلص من مسئولياتهم، مشددة على ضرورة التوعية وتنشئة الطفل منذ صغره على الاعتراف بأخطائه وتحمل مسئولية أفعاله.

وجاء رأى القانون ليؤكد أن الزوجة التي يهجرها زوجها ويهرب بعيدًا عنها من حقها اللجوء للقضاء والمطالبة بالطلاق، حيث يوضح محمود سلامة، المحامي بقضايا الأسرة أن القضاء المصري قد نص على أن الزوج الذى يهجر زوجته ويتركها معلقة لا مطلقة، ولا متزوجة، ويترك آثارًا نفسية صعبة عليها يعد بمثابة عنف معنوي يحق لها تطليقها مع الاحتفاظ بكامل حقوقها المادية فضلًا عن حقوق أبنائها المادية من نفقة ومصروفات مدرسية وأجر مسكن.

وعن المعوقات التي تواجه الزوجة بعد هروب الزوج يقول: تجد الزوجة صعوبة في تسجيل أبنائها في المدارس أو حتى تحويلهم لأخرى بحجة أن الولاية التعليمية للأب فقط، وبالطبع فإنها لابد من إثبات هروبه عن المنزل كي تستطيع مواصلة حياتها وشئون أبنائها، كما أن الصعوبة أيضًا تكمن في معرفة عنوان له كي تستطيع رفع قضية نفقة زوجية ونفقة صغار مما يجعلها تضطر للحصول على نفقة رمزية من بنك ناصر لا تتخطى 500 جنيه.

التخلي.. والخلل!

ولم يختلف رأى الشرع عن الآراء السابقة، حيث يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية: لا شك أن الزوجين عليهما مسئولية تجاه بعضهما البعض، وبالطبع فإن تخلى أحدهما عنها يؤدى لخلل في الحياة المجتمعية، مؤكدًا أن قوامة الرجل هي أساس رعايته لزوجته، إذ يقول تعالى في كتابه الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.

ويتابع: من يتخلى عن مسئولية ورعاية أبنائه فهو آثم شرعًا فقد روى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذى على الناس راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهى مسئولة عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته.

اقرأ أيضأ : أغرب قضية طلاق.. يلجأ للمحكمة لحمايته من لسان زوجته