علاء عبدالكريم يكتب: أميرة.. لم تأتِ بفاحشة بل ضحية قانون لم ينصفها

علاء عبدالكريم
علاء عبدالكريم

كتب: علاء عبدالكريم

قضية أميرة لم تكن سوى صرخة في وجه ممن يرفضون سلطان العقل أصحاب الفتاوى التي انتهت صلاحيتها من عقود، تعبت أميرة من الصراخ 12 عامًا حتى بُح صوتها، وإلى الآن لا هي تعلم ولا نحن أيضًا أكان صراخها هذا بداية أم نهاية لمآسي كثيرة لا تزال تصرخ منها المرأة.. 

فتوى متشددة هي بالنسبة لي مثلها مثل القصص المزيفة، بسببها حفرت قبورًا لنساء كثيرات وهن على قيد الحياة، فتوى لا يزال يتكتم المجتمع الحديث عنها على الملأ، هي شكل من أشكال العنف الموجه للمرأة لا تقل من وجهة نظري المتواضعة عن أشكال العنف الأخرى الموجهة ضد المرأة مثل ضرب الزوجات والاغتصاب وهتك العرض أو خدش حيائهن؛ لماذا يصر أعداء الوطن الحقيقيين أصحاب التيار الأصولي والانسداد التاريخي الذي ضرب الشرق المسلم كله منذ عقود طويلة ماضية على أن تقبل المرأة – رغمًا عنها – ممارسة العنف ضدها أو النظرة المتدنية إليها؟!، متى نحطم أصنامًا وتابوهات ظل هذا التيار الذي يريد أن يعيدنا بطائفيته إلى القرون الوسطى يفرضها على المجتمع باسم الدين؟!، متى نفصل هذا الفقه الذي هو اجتهاد بشري لا أكثر ولا أقل عن المشكلات التي يطرحها الواقع الحياتي؟

أميرة أكيد ليست هي الوحيدة وحتمًا لن تكون الأخيرة التي تعاني، وعرضت حكايتها بمرارة مثل مرارة العلقم في الحلوق إلى زميلتنا الصحفية النابهة منى ربيع –تستصرخ جمود فقه سرنا أسرى له وحان الوقت لخلخلته وتغييره بما يتواكب مع الواقع الذي نعيشه؛ ما ذنب هذه الفتاة حين أحبت شابًا وصدقت أنه يبادلها الحب والاحترام كأنثى وهو بكل خسة وجبن كان يراوغها ليسرق براءتها، من منا معصوم من الخطأ؛ «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر»، مقولة عن المسيح عليه السلام؛ في قصة امرأة اتهمها مجتمعها بالفاحشة، وأرادوا رجمها، بل وطلبوا من المسيح إمعانًا في إحراجه أن يشاركهم هو في رجمها، فقال لهم عليه السلام تلك العبارة؛ لما رآهم يتعاملون معها بقسوة المغرور وبغلظة المتكبر الظالم، رجعوا عما كانوا سيفعلونه، فلم يرجمها أحد لأنهم قالوا لأنفسهم: من منا بلا خطيئة؟!

من منا يا سادة الذي لا ينعم إلا بستر الله عليه؟!

أميرة لم تأتِ بفاحشة بل كانت ضحية نذل أفقدها براءتها وعندما شعرت بروح تنمو في أحشائها صارحته ورجته أن يتمم زواجهما خوفا من الفضيحة لكنه تنصل من مسؤوليته وتركها تواجه مصيرها المحتوم وحدها، ومن تحت ركام الخوف والألم أسرعت أميرة تلوذ بالقانون الذي خذلها بسبب فتوى تستند إلى حديث ربما كان بلا سند قوي، وغياب نص قانوني واضح تأخذ به المحكمة، ورغم أن تحليل البصمة الوراثية أكد نسب ابنها لأبيه، لكن المحكمة في ثاني درجة رفضت دعواها لعدم وجود نص قانوني، علمًا بأن حكم أول درجة قضى بإثبات النسب.

اقرأ أيضًا

تأجيل دعوى إثبات نسب فتاة الدقهلية إلى 4 نوفمبر

لم تكن أمام أميرة بعدما قاطعتها أسرتها، ولم تجد المسكينة من يأويها ويحميها من التشرد هي وابنها سوى قريبة بعيدة لها من ناحية الأم، هي الوحيدة التي تعاطفت معها بعدما تخلى عنها الجميع، أقول لم يكن أمامها إلا أن تفرض على نفسها عالمًا من الصمت تسكن فيه وحدها هي وطفلها البائس الحائر بين جدل الفقه وتجاهل القانون، فماذا يفيد أن تصرخ ويذهب صراخها أدراج الرياح ويبح صوتها؟، ماذا يفيد أن يقتلها الحزن وهي في رقبتها طفل طالبًا منها المجتمع أن تؤدي رسالتها تجاهه كأم، طفل صار اسم أبيه اعتباريًا بسيف القانون، قانون أعطى للرجل التبربر الاجتماعي في أن يضحك على بنات الناس باسم الحب ثم ببساطة شديدة يعطيه الحق في أن ينكر نسب الابن له، وكأننا بشكل غير مباشر نبرئ هذا الأب من جريمته وننسبها للأم فقط وبالتالي صارت هي الملزمة وحدها بكل نفقاته من دواء وعلاج ومصروفات تعليم، وكل أوجه الرعاية التي تستلزمها تربيته وحياته، مؤكد لن تخلو وقفات الصمت التي فرضتها أميرة على نفسها من مشاعر الإحباط التي سوف تهاجمها وتربكها في مسيرة حياتها، فلن يكون صمت هذه المسكينة معناه القناعة وإنما الشعور باليأس والخذلان.

***

وحتى لا تكون سطوري هذه مجرد كلام، سألت من أثق في علمه وهو عالم الدين المستنير الدكتور مصطفى راشد العالم الأزهرى وأستاذ القانون، عن صحة هذا الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأجابني الرجل منفعلًا قائلًا: «هذا الحديث منسوب زورًا للسيدة عائشة الذي يقول؛ «أن الولد للفراش وللعاهر الحجر» فالحديث منقطع السند وليس له مصدر أقدم من 310 سنة، والأولى أن نحترم العلم؛ فالشرع الإسلامي لم يمنع الأخذ بالعلم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأهل تأبير أي تلقيح النخل حيث قال لهم عندما فسد البلح بعدما استمعوا لنصيحة النبي صل الله عليه وسلم بعدم تأبير النخل وهو مانسميه نحن دكار أي حبوب النخل، فقال لهم سيدنا النبى؛ «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، وهو مايعنى استمعوا للعلم والمتخصصين، ومن ناحية أخرى قال جل في علاه في سورة الأحزاب (ادْعُوهُمْ لآبائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدِ اللَّه) صدق الله العظيم، فلم يقل ادعوهم لأزواجكم ولا لأصحاب الفراش، بل قال آبائهم فهو ابوه حتى لو كان ذلك بدون عقد زواج المتعارف عليه لأن الإسلام يعتبرهم زوجين بالإيجاب والقبول، لذا فالطفل هنا ندعوه لأبيه طالما معلوم كالشمس، وهنا يأتي دور المشرع المصري في حالة إنكار الأب نسب ولده أن يلزمه القانون بإجراء تحليل البصمة الوراثية التي تأتي نتيجتها سلبًا أو إيجابًا خالية من الخطأ بنسبة مائة في المائة، واختم بقول النبي الكريم؛ أنه قد روى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وأيما رجل - ولم يقل زوج - جحد ولده، وهو ينظر إليه، احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين».

منتهى الظلم الاجتماعي ألا ننسب الابن إلى أبيه بحجة أن ولادته سبقت عقد القران، ويُنسب إليه فقط أطفال ما بعد الزواج.
وأخيرًا ولن يكون آخرًا؛ هل ينتبه البرلمان والمجلس القومي للمرأة لخطورة هذا الأمر؟!، وأسأل علماءنا الأفاضل: كيف لكل صاحب قلب سليم وعقل مستنير أن يقبل هذا؟!
كفانا فتاوى متشددة، فقد حان الوقت لنسفها، فما هي سوى منغصات على المجتمع.