جنود الظل في ملحمة المناخ

مؤتمر المناخ Cop27
مؤتمر المناخ Cop27

شرم الشيخ ــ ندى البدوى

ملحمة خالصة تشهدها مدينة شرم الشيخ، حيث يجتمع العالم على أرض السلام لمجابهة التحدى الأخطر الذى يواجه البشرية.. بانعقاد مؤتمر المناخ Cop27 الذى تستضيفه مصر من أجل دفع عجلة العمل المناخى العالمي، وحشد الجهود الدولية نحو تحقيق الالتزام تجاه قضية العدالة المناخية.. جهودٌ هائلة يبذلها القائمون على الإعداد للقمة التى تجمع ما يزيد عن 40 ألف مُشارك من 197 دولة، من الجهات الحكومية والمنظمات المعنية بالعمل المناخي.. وخلف الكواليس أيضًا ثمّة جنودٌ مجهولون يواصلون الليل بالنهار من أجل الخروج بالحدث بالصورة التى أبهرت العالم، من المصممين وعمال الإنشاءات والمتطوعين والقائمين على الخدمات بساحات المؤتمر ومسئولى تقديم الوجبات الغذائية وغيرهم.

مساحاتٌ شاسعة يُقام عليها المؤتمر بساحاته التى تنقسم ما بين المنطقة الزرقاء التابعة للأمم المتحدة، والمنطقة الخضراء التى تمتد على مساحة 22 ألف متر مربع.. داخل إحدى القاعات الرئيسية يضع محمد سعيد ورفاقه اللمسات الأخيرة لتجهيزات الأجنحة الخاصة بالمنظمات الدولية، شهورٌ طويلة قضاها محمد بمدينة شرم الشيخ لإتمام دوره كأحد العاملين فى تجهيز الإنشاءات الخاصة بالمؤتمر، من خلال واحدة من الشركات المسئولة عن تجهيز المنطقة الزرقاء. اأشعر بالفخر لمشاركتى فى حدث بهذا الحجم يجمع المسئولين من جميع دول العالم، ويتحدد دورى فى الإنشاءات الخاصة بالأجنحة ومنها إعداد وتركيب اللافتاتب يقول محمد متابعًا: المجهود الذى بذلناه خلال الفترة السابقة، ظهر للعالم أجمع فى جودة تنفيذنا لقاعات المؤتمر، الذى أسهم فى توفير فرص عمل لعدد كبير من العمال خلال العام الماضي.

استعدادات قصوى تجرى بين أروقة وقاعات المؤتمر، حيث تنتشر المقرات الخاصة بتقــــديم الخـــدمات الصحيـــة والإســــعافات الأوليــــة للمُشـــاركين فـــى المؤتمــــر، مــابين وحــــدات الإسعاف المتنقلة وعربات الطوارئ والسكوترات الكهربائية للتدخل السريع، التى يعمل عليها فريق من المسعفين الشباب، فضلاً عن سيارات الإسعاف المنتشرة بجميع أنحاء شرم الشيخ وتتركز بشكل أساسى فى محيط القاعات، حيث دفعت هيئة الإسعاف المصرية بـ170 سيارة مجهزة بوحدات عناية مركزة، بخلاف العيادات التى يشارك بها فريق من الأطباء والممرضين من قطاعات وزارة الصحة.

خارج قاعات المفاوضات ينتشر عدد كبير من الشباب المتطوعين فى مختلف المجالات، لمساعدة الوفود والمشاركين وتسهيل مهمتهم داخل المؤتمر، حيث يصل عدد المتطوعين التابعين لوزارة التضامن الاجتماعى إلى ألف شاب وفتاة، بخلاف التابعين لوزارة الشباب والرياضة.. بشغفٍ شديد تصف إيمان حسن سعادتها بالمشاركة كمتطوعة ضمن الفريق الذى يعمل على مساندة ذوى الاحتياجات الخاصة، من خلال توفير عدد كبير من الكراسى المتحركة، حيث يُشارك ذوو الاحتياجات الخاصة للمرة الأولى بشكل فاعل خلال المؤتمر. اعندما سمعت عن استضافة مصر لمؤتمر المناخ بدأت بالسعى لإيجاد فرصة للتطوع بهذا الحدث الكبير، لدى اهتمام شخصى بمجال الاستدامة والعمل التطوعى الذى عملت به لسنواتٍ عديدة، خاصة فى ملف الحد من هدر الطعامب تقول إيمان وتتابع: تقدمت إلى وزارة التضامن الاجتماعى فور إعلانهم عن فتح الباب للتطوع، وأشعر بالفخر لكونى أحد الأفراد العاملين فى هذه القمة.

على قدمٍ وساق يجرى العمل داخل المطابخ الثلاث المسئولة عن إعداد الطعام والوجبات الغذائية للمشاركين فى المؤتمر، آلاف الوجبات تخرج يوميًا من المطابخ التى يعمل بها مئات الشيفات من مصر والدول الأخرى، لتجد نفسك أمام خلية عمل لا تهدأ من أجل إمداد المطاعم ومناطق تقديم الوجبات الغذائية. داخل إحدى المطابخ الرئيسية يستقبلنا الشيف ناصر صلاح المسئول عن قسم الوجبات الساخنة: لدينا ما يزيد عن 250 شيفا مصريا تم اختيارهم بعناية شديدة من جانب المنظمين، وأعداد كبيرة أيضًا من الطُهاة العرب والأجانب التابعين لإحدى الشركات الدولية المسئولة عن المؤتمرات الكبرى، لا أحد يتخيل ما يجرى فى كواليس المطابخ الخاصة بالمؤتمر، نحن نعمل على مدار الساعة لإعداد وتجهيز الوجبات لهذا العدد الكبير من المشاركين، خاصة الوفود الرسمية التفاوضية التى تقضى أغلب يومها داخل المؤتمر.

يتابع: بالطبع يجب أن نكون جاهزين بقوائم شاملة من الأطباق التى تُلائم وتُرضى جميع الأذواق، الوفود هنا من جميع دول العالم، لذا نعمل على إعداد أطباق تنتمى لجميع المطابخ تقريبًا، وذلك وفقًا لقوائم أعدها المسئولون بالأمم المتحدة، أغلب الأطباق عالمية ولدينا بالطبع من المطبخ المصرى واللبناني، فضلاً عن المطبخ الآسيوى كذلك الأطباق المغربية التى يعمل عليها عدد من الشيفات المغاربة، ومنها الطاجن المغربى باللحم والبرقوق والمشــمــش، والكســـكســـى والـــدجــاج المقلى بالزيتون الحامض.

بينما يصف الدكتور محمد سامى مراقب جودة الغذاء، المراحل التى تتم لضمان سلامة الأطعمة التى يتم تقديمها لوفود المؤتمر: نقوم باستلام اللحوم والدواجن والأسماك ومنتجات الألبان لضمان سلامتها وخلوها من مسببات الأمراض، ومطابقة البيانات الواردة من الشركات العاملة على التوريد، للتأكد من عدم وجود غش تجاري، كذلك نتابع المناطق المخصصة للتبريد لضمان سلامة الوجبات الباردة قبل تقديمها، فضلاً عن مراقبة الاشتراطات الصحية خلال مراحل إعداد الطعام داخل المطبخ.

طفرة كبيرة تشهدها مدينة شرم الشيخ بتطبيق منظومة النقل الذكي، فى إطار تحوّل المدينة إلى مدينة خضراء، وهو ما لمسه المشاركون فى المؤتمر من خلال أسطول الحافلات التى تعمل بالكهرباء والغاز الطبيعي، والتى تنقل المشاركين من وإلى القاعات بشكل مجاني.. يحدثنا عمرو على سائق الحافلة الذى تم اختياره ضمن فريق السائقين فى المنظومة الجديدة من جانب هيئة النقل العام، والتى توفر 300 حافلة خضراء تغطى جميع شوارع مدينة شرم الشيخ “لا مجال للخطأ فى عملنا لأن الدقيقة هنا لها ثمن، حصلنا على تدريبات ودورات تنشيطية قبل التحاقنا بالمنظومة الجديدة، التى لها دور رئيسى فى نقل الوفود المشاركة من مواقع إقامتها إلى قاعات المؤتمر والعكس، بالطبع نحن فى تحدٍ كبير لضخامة عدد المشاركين الذى يتجاوز 40 ألف مُشارك.” يضيف: الخطوط تغطى شرم الشيخ بالكامل، ونعمل على انتظام السرعات حيث يخرج باص كل 7 دقائق من المحطة الرئيسية المجاورة لقاعات المؤتمر، ويتم متابعة السائقين بشكل لحظى من خلال غرفة العمليات والمتابعة، من خلال GPS لضمان التزام السائقين.

وقفات احتجاجية لدعم العمل المناخى

يجمع مؤتمر المناخ الآلاف من نشطاء العمل المناخى حول العالم، هُنا يجتمعون لإيصال أصواتهم إلى قادة العالم من أجل حسم القضايا التى يتوقف عليها مستقبل كوكب الأرض. خارج القاعة الرئيسية للمنطقة الزرقاء تقف الناشطة البيئية التايوانية لاى تشو رفقة عدد من نشطاء البيئة من دول جنوب شرق آسيا، لتوجيه رسالة بضرورة الحد من استهلاك اللحوم وإعادة تشكيل أنظمة الغذاء.

ترى تشو أن النظام النباتى يعد من بين أهم الحلول للحد من الآثار السلبية التى تواجه الطبيعة جرّاء تزايد الطلب على استهلاك اللحوم، كونها من مسببات انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى نظرًا لإنتاج غاز الميثان من تربية المواشى، فضلاً عن تراجع غطاء الغابات بصورة فادحة، التى يتم إزالتها لزرع محاصيل الأعلاف التى يحتاجها الإنتاج الحيوانى.

تأثير الإنتاج الحيوانى على البيئة لا يقتصر فقط على ذلك كما تشير، لكنه يمتد إلى تلويث المحيطات والموارد المائية بصورة كبيرة من المخلفات الحيوانية. تتابع: الأمر لا يتعلق فقط بسلوكيات الاستهلاك لدى المجتمعات، لكن هناك اتجاهات للتوسع فى الإنتاج الحيوانى لصالح شركات كبرى حول العالم، تعتمد اقتصاداتها على محاصيل الأعلاف وتجارة المواشى بأنواعها، مشددة على أن مؤتمر المناخ Cop27 يعد فرصة كبيرة لحسم القضايا التى تهدد كوكب الأرض، فلم يعد لدينا وقت لمزيد من الوعود التى لا نرى تنفيذها على أرض الواقع.

أقرأ أيضأ : برلمانيون وسياسيون يثمنون نداء الرئيس السيسي لوقف الحرب الروسية الأوكرانية