الأمان

مصطفى منير
مصطفى منير

‭..‬بدأت‭ ‬الحكاية‭ ‬فى‭ ‬2011‭ ‬وقتها‭ ‬كنت‭ ‬ابلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬18‭ ‬عاما،‭ ‬أتذكر‭ ‬جيدًا‭ ‬كنت‭ ‬فى‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة،‭ ‬ولكن‭ ‬حدث‭ ‬التغير‭ ‬السريع‭ ‬و‭ ‬المفاجئ‭ ‬والذى‭ ‬لم‭ ‬يتوقعه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الجيل،‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الدهشة‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬حولنا،‭ ‬أحداث‭ ‬العنف‭ ‬داخل‭ ‬بعض‭ ‬الميادين،‭ ‬لدرجة‭ ‬أننا‭ ‬كجيل‭ ‬التسعينيات‭ ‬وتحديدًا‭ ‬مواليد‭ ‬1993،‭ ‬أطلقنا‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬الجيل‭ ‬المنحوس،‭ ‬فالبداية‭ ‬كانت‭ ‬عودة‭ ‬الصف‭ ‬السادس‭ ‬الابتدائي‭ ‬وتفاصيل‭ ‬كثيرة‭ ‬مرت‭ ‬علينا،‭ ‬وبمجرد‭ ‬وصولنا‭ ‬للثانوية‭ ‬العامة‭ ‬اندلعت‭ ‬أحداث‭ ‬يناير‭ ‬فالفوضى‭ ‬والعنف‭ ‬واحيانًا‭ ‬البلطجة‭ ‬كانت‭ ‬الحال‭ ‬السائد،‭ ‬نشعر‭ ‬بالانفلات‭ ‬الأمني‭ ‬ونسمع‭ ‬عن‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬مولات‭ ‬تجارية‭ ‬شهيرة‭ ‬وسرقة‭ ‬البضائع‭ ‬من‭ ‬المحلات،‭ ‬تحذيرات‭ ‬شديدة‭ ‬اللهجة‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات،‭ ‬يريدون‭ ‬حبسنا‭ ‬داخل‭ ‬المنازل‭.. ‬والسبب‭ ‬الخوف‭ ‬علينا،‭ ‬ولكن‭ ‬بطبيعة‭ ‬السن‭ ‬نرفض‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬وبطريقة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬ننطلق‭ ‬للشوارع‭ ‬لنشاهد‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬وكطلاب‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬والعادة‭ ‬السائدة‭ ‬نتجمع‭ ‬على‭ ‬‮«‬القهوة‮»‬‭ ‬نتحدث‭ ‬عما‭ ‬يدور‭ ‬ونكتشف‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬المنزل،‭ ‬ووقتها‭ ‬قررنا‭ ‬التواجد‭ ‬داخل‭ ‬الميدان‭ ‬ككثير‭ ‬من‭ ‬الشباب،‭ ‬لما‭ ‬لا‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬أننا‭ ‬طلاب‭ ‬بالثانوية‭ ‬ومازلنا‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬آبائنا‭ ‬بمسماه‭ ‬السخيف‭ ‬‮«‬المصروف‮»‬،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬انفعل‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬حوله،‭ ‬وكنت‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬الفهم‭ ‬وتكوين‭ ‬صورة‭ ‬أقرب‭ ‬للحقيقة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬فيها‭ ‬واضحة،‭ ‬فالشائعات‭ ‬والأقنعة‭ ‬المزيفة‭ ‬كانت‭ ‬عنوان‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬اتذكره‭ ‬جيداً‭ ‬شعور‭ ‬الخوف‭ ‬ولا‭ ‬ابالغ‭ ‬أن‭ ‬وصفته‭ ‬بالرعب‭ ‬الذي‭ ‬تملكنا،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬اثناء‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬الميدان‭ .. ‬الشوارع‭ ‬خاوية‭ ‬واللجان‭ ‬الشعبية‭ ‬مسيطرة،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يحافظ‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬فرض‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬شباب‭ ‬صغير،‭ ‬استمرت‭ ‬حالة‭ ‬الخوف‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬ليشاء‭ ‬القدر‭ ‬أن‭ ‬أحقق‭ ‬حلم‭ ‬طفولتى‭ ‬وأن‭ ‬التحق‭ ‬بالجامعة‭ ‬وادرس‭ ‬الأعلام،‭ ‬والحظ‭ ‬ابتسم‭ ‬لي‭ ‬أكثر‭ ‬عندما‭ ‬التحقت‭ ‬بجريدتى‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الحوادث‮»‬‭ ‬بمجرد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الأول،‭ ‬لأشارك‭ ‬فى‭ ‬التغطيات‭ ‬الصحفية،‭ ‬وكنت‭ ‬شاهدا‭ ‬عيانا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬فى‭ ‬الشارع،‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬المضطربة،‭ ‬جاءت‭ ‬الجماعة‭ ‬الفاشية‭ ‬وجاء‭ ‬معها‭ ‬الخراب‭ ‬والعنف‭ ‬وزاد‭ ‬معها‭ ‬الخوف‭ ‬لاحظته‭ ‬فى‭ ‬عيون‭ ‬الكثير‭ ‬بالشوارع‭ ‬والميادين،‭ ‬لتمر‭ ‬الأيام‭ ‬الصعبة‭ ‬ويجسد‭ ‬فيها‭ ‬رجال‭ ‬الوطن‭ ‬المخلصين‭ ‬تضحياتهم‭ ‬والعبور‭ ‬بالوطن،‭ ‬وبعد‭ ‬نضال‭ ‬الشعب‭ ‬ضد‭ ‬الفاشية‭ ‬جاءت‭ ‬30‭ ‬يونيو‭ ‬لينتهى‭ ‬الظلام‭ ‬وتشرق‭ ‬شمس‭ ‬الأمان‭ .‬

تزوجت‭ ‬ورزقنى‭ ‬الله‭ ‬بأجمل‭ ‬هديه‭ ‬‮«‬ابنتى‮»‬،‭ ‬وأصبحت‭ ‬أسير‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭ ‬والميادين‭ ‬بجانبي‭ ‬زوجتى‭ ‬وأحمل‭ ‬ابنتى،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬معنى‭ ‬الخوف‭ .‬

فبالرغم‭ ‬من‭ ‬أننى‭ ‬كنت‭ ‬مسئولا‭ ‬عن‭ ‬نفسي‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬كان‭ ‬الخوف‭ ‬معي،‭ ‬الآن‭ ‬أعيش‭ ‬ومسئول‭ ‬عن‭ ‬زوجة‭ ‬وطفلة‭ ‬ولكن‭ ‬نسيت‭ ‬معنى‭ ‬الخوف‭ .. ‬عرفت‭ ‬الأمان‭ ‬الحقيقي‭ ‬ومعنى‭ ‬كلمة‭ ‬وطن‭ ‬أمن‭ .. ‬عرفت‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬وما‭ ‬يدور‭ ‬وما‭ ‬يبذله‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬ليعيش‭ ‬المصريين‭ ‬فى‭ ‬أمان‭ .‬