عسل في الكوز

عبدالصبور بدر يكتب: هل يفعلها يحيى نديم؟!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب - عبد الصبور بدر 

أول مرة قابلت فيها يحيى نديم كانت قبل 10 أعوام تقريبا في بيت الشاعر الراحل ممدوح فوزي، كان يجلس صامتا بين عدد كبير من الأصدقاء، لا تخرج من فمه كلمة، وبسبب ملامحه الأوربية كنت أظن أنه خواجة من بلاد بره لا يفهم ما نقول من كلامنا الصعيدي "المجعلص"،  فيكتفي بالفرجة من بعيد لبعيد، وهو يوزع عينا ابتسامته الطفولية المريحة، ولم أكن أعلم أنه شاب جنوبي من المنيا.

وفجأة طلب منا ممدوح أن نسكت، فسكتنا، وميّل على يحيى وطلب منه "سيرة الأراجوز"، تنحم يحيى أكثر من مرة قبل أن يطربنا بصوت يخطف الروح بكلمات عنيفة لأغنية تشعر حين تسمعها منه أنها لكمات قوية يسددها إليك، ومع ذلك لا تريد له أن ينتهي أبدا من شدة حلاوتها.

كان يحيى يغني وكنا نفتح أفواهنا من الدهشة والفرحة، ونود أن نقول له ما قاله المعلم عكوة لزيزو في فيلم "أونكل زيزو حبيبي": أضرب كمان.. ضرب الحبيب الغالي أحلى من أكل العجالي".

ومن يومها دخل صوت يحيى إلى قلبي ولم يخرج منه أبدا، وباتت أغنية "سيرة الأراجوز" التي غناها يحيى مع فرقة "عمدان النور" الأغنية المفضلة لي، ولكل من يعرفني حين يسمعها، وحين قمت بتشغيلها في صالة تحرير "آخر ساعة" جذبت إليها الزملاء، وطلبوا مني أن يزورنا  في المجلة ليسمعوا منه، وحين حضر يحيى إلى المجلة، وغنى عددا من أغنياته، تعطلت المجلة عن العمل، بسبب التفاف جميع الزملاء حوله بما فيهم رئيس التحرير، لمدة تزيد عن الساعة.

المنبه الذي أكرهه، أحببته وهو يوقظني على صوت يحيى المنعش، بعد أن تحولت إلى درويش في حضرة الولي الجيد، أذهب إلى حفلاته، وأغني معه، وأتمايل طربا مع أغنياته وخاصة "نص الكلام"، وأنا أغمز بعيني لزوجتي التي تجلس بجواري لأنها أغنية حبنا، أما أولادي فلا يحلو لهم ونحن في السيارة إلا أن نغلق النوافذ، لينطلق صوت يحيى من الكاسيت ونغني معه بأعلى صوتنا ونحن نصفق ونصرخ وكأننا في حفلة من حفلاته الصاخبة.

حتى عندما اخترت أن أكتب هنا في "بوابة أخبار اليوم"، بحثت شهرا كاملا عن "موتيفة للمقال" فلم أجد ما يعبر عني إلا "عسل في الكوز" والتي هي جزء من كلمات أغنيته "سيرة الأراجوز" التي سمعتها لأول مرة من يحيى نديم في بيت ممدوح فوزي!

وحين مات ممدوح أول ما تذكرته يحيى!..  وإذا ارتكبت جريمة عقوبتها الإعدام وسألني القاضي عن أمنيتي الأخيرة سأقول له: أن أسمع أغنية ليحيى نديم من كلمات ممدوح فوزي.. فهل يفعلها يحيى؟!