رحيق السطور| الشهاوى روائيًا

رواية الشهاوى حجاب الساحر
رواية الشهاوى حجاب الساحر

يبدو أن نداهة السرد الروائى قد اختطفت شاعر العشق الصوفى أحمد الشهاوى من غرامه الأثير فى الإنشاد الشعرى، وانساق لها طواعية واختيارًا، وأنشد لنا سردًا روائيًا بالغ الشفافية تحت عنوان ساطع الإيحاء بالجو العجائبى الغرائبى «حجاب الساحر»، وقد اعتدنا فى تجارب رحلة تحول الشعراء إلى عالم الرواية أن تنتج لنا أما رواية تحتاج للعديد من المراجعة.

أو رواية مغايرة متفردة لما نعهده فى السرد الروائى المعتاد.. وأظن أن الاختيار الثانى بدا أقرب ل«رواية الشهاوى حجاب الساحر»، واللغة عند الشاعر هى العمود الفقرى للعمل، وغالبًا ما تكون أشعاره وليدة تجارب ذاتية للشاعر. أما فى الرواية فاللغة إحدى أدوات الأديب كما أن الرواية موضوعية فى الأساس.

وبعيدة عن الذاتية الشعرية فى السرد، كما تتطلب تجردًا تامًا من المبدع، فهو راصد يروى متخفيًا وراء شخصياتها يتحدث بفكرها وبلغتها، والشهاوى هنا استفاد من اللغة وحاول ضبط ايقاع السرد لكن غواية اللغة.

وعشقه الأول أخذته من السرد فى بعض مناطق السرد، وغلب اللغة المجازية الصوفية كثيرًا، وجاءت لغة الحوار ليست فى مستوى لغة السرد فى بعض الأحيان، فكان يظهر الروائى بثقافته الموسوعية على لسان أبطاله، كما أخذته الشروح والافاضات ومحاولات تصحيح المفاهيم المغلوطة ومنها ما بات معروفًا مثل ((..لأن أهل مصر القديمة لم يرموا-كما يشاع عنهم - عرائس فى النهر ليرضى الإله، ويفيض عليهم بالخير وما عروس النيل إلا كذبة صارت شبه حقيقة..)).


ورغم بعثرة السرد فى العديد من المواضع للإفاضات والشروحات التى تفنن فيها الشهاوى ..حاول غزلها فى بنية السرد.. والقضايا التى جرى طرحها عبر الرواية رغم حساسيتها جاءت بالغة التوفيق والجرأة.

وتنم عن فهم عميق لتصدعات المجتمع وخاصة على النساء المتمثلة فى بطلة العمل شمس حمدى، وهى محاكاة رمزية لكل النساء بصورهن المتعددة وكما يصفها»، هى امرأة تظهر كل ليلة وكل نهار فى شأن، إنها نساء عديدات، وليست امرأة واحدة تكرر نفسها، إذ هى تامة تعجب كل أحد ، تأخذ بصرك جملة.

وقد تعلمت منها أن الإنسان إذا ما أراد إزالة جبل ضخم، سيزيله بفضل ثقته فيمن يحب..»، وقد تمكن من التأسيس لشخصية بطلته شمس بكل حرفية وتحليل نفسى صوفى متعمق مستغلًا خبرته الطويلة فى هذا العالم وحاصرًا كل من ساهم فى أوجاعها وحاول استلاب جسدها ثم روحها ومن بعد كبلها تمامًا، حيث يذكر على لسان الراوى العليم المفسر على لسان البطلة.

«أنا يا عمر أرانى موءودة حية، لكنها لم تستسلم للذبح قربانًا لإله أو زوج أخت أو عم أو أم أو عاشق أو زوج عرفى، أنا أنا مصيرى فى يدى، ولن أرضى أن يكون مصيرى فى يد غيرى وستبقى دموعى غاليًة، لن أذرفها على أحد لا يستحق منى البكاء، أو على أطلاله، لقد خلقت مشاءة لكن من حولى أقعدونى على الأرائك الوثيرة».

ولكن قوة شخصية شمس حمدى- التى تلبست آلهة مصر القديمة والتى درست السياسة والتصقت يومًا بالماركسية تقض مضجع الكثيرين ..فهم يريدونها امرأة مقعدة بالحرملك حتى أن أحدهم وضع لها سحرًا لاستلاب بصمة روحها وتسبب فى أمراض عديدة لجسدها وروحها هى وبناتها من جراء حجاب الساحر.. فتقول لعمر حبيبها العالم ببواطن السحر((..أنا حائرة يا عمر، والحيرة تردد واضطراب وارتباك».

كالذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران» كأننى ضللت سبيلى ولم أعد اهتدى للصواب..)) وتبدأ الرواية من هنا ولوج عالم السحر والسحرة ومقابلة شيوخ السحر ببلدة عمر حيث كان له تاريخ مع السحر والسحرة ونتعرف على العديد من خبايا هذا العالم الغرائبى واستخدام «الأهرامات» لفك السحر والذهاب إلى مياه البحيرة المقدسة فى الأقصر القائمة بجوار معبد الكرنك حتى الرحيل إلى اليمن وبالتحديد جزيرة سقطرة.

وقد تمكن الشهاوى خلال 360 صفحة من فتح العديد من القضايا فى حياتنا الاجتماعية من خلال سرد يغلب عليه روح البحث المتعمق فى العديد من الظواهر وكأنه عالم «انثربولوجى»، ومحقق تاريخى، وباحث اجتماعى، كل ذلك بلغة عربية رصينة تملك من الإيحاء والتأويل الكثير.

اقرأ أيضا | أحمد‭ ‬الشهاوى يكتب: حجابُ‭ ‬السَّاحر‭ ‬