يقول المثل الشعبي المصري العبقري : “اللي مالهوش قديم .. مالهوش جديد “ ! وأنا أضيف “ ولا مستقبل !
ويقفز إلى ذاكرتي هذا المثل الرائع .. عندما تم الإعلان عن إقامة “مهرجان للموسيقا العربية” منذ نشأتها؛ ومنذ عرفت الشعوب ــ وبخاصة الشعوب العربية ــ أن الموسيقا ولغة الأوتار غذاء الأرواح والأبدان .. والعقول والواعية ؛ والجميل أن يواكب هذا المهرجان “مؤتمرًا” للأبحاث الأكاديمية عن نشأة وتطور الموسيقا في جميع البلدان العربية؛ وبيان أثرها الإيجابي على مسيرة التقدم والتنمية المادية والمعنوية؛ وحتى تكون توثيقًا وتسجيلاً للأجيال الحالية والقادمة التي لم تعش فترات الزخم المجتمعي الجميل في ظل الفنون العربية العتيقة . بالإضافة إلى تكريم الشخصيات الموسيقية من الرموز القديمة والحديثة؛ وفاءً وعرفانًا لما قدموه في هذا المجال الإنساني .
ومن غرائب طباع وطبائع وتكوين الشعوب العربية ــ بفعل ماغرسه الاستعمار القديم في النفوس ــ أنها تتجمَّع وتتآلف ــ سياسيًا ــ عندما تلوح في سموات الأوطان سحيبات الغدر؛ وعند تقارب رءوس أهل الشر .. للاتفاق على نسج خيوط المكائد وإثارة القلاقل لخلخلة الأمن والأمان والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي . ولكنها اليوم بفعل الوعي الجديد وسياسة التنوير وقاطرتها “مصرنا المحروسة “ تتجه إلى الصحوة المجتمعية والائتلاف المحمود تحت ظل القوى الناعمة المصرية؛ وعلى رأسها أهل العلم والفنون وبخاصة الموسيقا .
وقد بدأت تلك الصحوة ـ بحسب الرواية التاريخية ولتنشيط الذاكرة ــ باندلاع فكرة المؤتمر منذ ثلاثينيات القرن الماضي ــ ولابد ان يُنسب الفضل لأهله ــ عندما قدم فكرته “ الدكتور أحمد الحفنى”؛ وتم انعقاد هذا المؤتمر لأول مرة عام 1932 بهدف الحفاظ على هويتنا العربية، وبعودة المؤتمر للحياة من خلال مهرجان الموسيقا العربية؛ تم مناقشة قضايا مهمة متعلقة بالموسيقا العربية .
ويقول المؤرخون الأوفياء لتراث الوطن أنه : “ ... لولا وجود الدكتورة رتيبة الحفنى التى كانت تتولى أمر الموسيقى العربية بالأوبرا المصرية، والوزير الفنان فاروق حسنى، والدكتور ناصر الانصارى رئيس الاوبرا وصاحب المبادرة فى اطلاق مهرجان يدافع عن هوية تراثنا العربى، لولا هذا الثلاثى لأصبحت الساحة الغنائية فى مهب الريح ... “ .
وتاخذ لجنة المهرجان على عاتقها دعوة الرموز من علماء الموسيقا فى عالمنا العربي ؛ أو المستشرقين المهتمين بموسيقانا العربية؛ من أجل البحث في ،وعن القضايا الموسيقية التى تحدد كل عام من قبل اللجنة العلمية للمهرجان ؛ والتصدي للدفاع عن الهويَّة بإحياء “التراث” في البلدان العربية كافة . وشهد حفل الافتتاح الاحتفال بمئوية الموسيقار/على اسماعيل ؛ كقامة موسيقية كبيرة لم تنل حقها من التكريم اللائق بما قدمه باعتباره أثرى ساحة الغناء فى التوزيع والتلحين وموسيقا الاستعراضات ؛ ويشارك حفل التكريم بالغناء بعض المطربين الشباب ؛ وبعض الرقصات الاستعراضية بمصاحبة فرقة باليه القاهرة ؛ ويتضمن البرنامج بالترتيب موسيقى فيلمى “غرام فى الكرنك” و”الايدى الناعمة” و”رقصة اسوان” ؛ ثم “ موسيقا فيلم المماليك” وأغنية “حلاوة شمسنا” أداء حنان عطية والكورال، وموسيقا فيلم “ شفيقة القبطية” تليها أغنية “ يا مراكبى “ ثم موسيقا فيلم “قصر الشوق”، وأغنية “رايحة فين يا عروسة” وموسيقافيلم “ الأرض “ ، وأغنية “ أم البطل “ .. كان مسك الختام مع الأغنية الرائعة التي أصبحت من تراث أغانينا السينمائية الاستعراضية : “ الاقصر بلدنا” .
كما يكرم المهرجان 17 شخصية أسهمت فى إثراء الحياة الفنية فى مصر والعالم العربى هم بجانب اسم الموسيقارعلى اسماعيل، اسم الناقد والمؤرخ الموسيقى الراحل الدكتور زين نصار، الإعلامية إسعاد يونس، الفنانة صفاء أبوالسعود، الفنان راغب علامة، الموسيقار مودى الإمام، الموسيقارالكويتى يعقوب الخبيزى، الفنان البحرينى أحمد الجميرى، الشاعر شوقى حجاب، الشاعر هانى عبدالكريم، الموسيقار حسين فوزى، عازف الناى عاطف إمام، الموسيقار الدكتور ماجد عسكر الباحث الدكتور صالح رضا، الباحث الدكتور نبيل الدراس من الأردن، الدكتورة رشا طموم استاذ بقسم النظريات والتألف الموسيقي بكلية التربية الموسيقية جامعة حلوان ورئيس اللجنة العلمية بالمهرجان، فنان الخط العربى محمد يوسف عبداللطيف المغربى.
إنني أرصد ــ للتوثيق والتاريخ ــ فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقا العربية بكل الفخر والاعتزاز لهذا المجهود الضخم؛ فقد تم الإعلان عن تواصل الفعاليات على مدار خمسة عشر يومًا متصلةح بدات في 20 اكتوبر 2022 حتى الثالث من نوفمبر 2022؛ وتضم مايقارب من أربعين حفلاًً غنائيًا وموسيقيًا؛ تقام بين جنبات مسارح : الأوبرا؛ معهد الموسيقا العربية؛ الجمهورية؛ اوبرا الإسكندرية؛ أوبرا دمنهور؛ وتقام فعاليات المؤتمر العلمي المُصاحب على المسرح الصغير بدار الأوبرا بالقاهرة السيساوية الجديدة .
ومن الأهمية بمكان .. أن نذكر بأن تلك الفعاليات شاركت فيها تسع دول عربية هي : مصر، المغرب، الأردن، لبنان، سوريا، العراق،البحرين، السعودية تونس.
ولأن الفضل لابد أن يُنسب لأهله .. فقد تم الإعلان عن أن “ المسابقة “ المصاحبة للمهرجان والمؤتمر؛ تحمل اسم “رتيبة الحفنى”؛ مع رصد جوائز مادية محترمة للفائزين؛ وقد تـنوعت المسابقات عدة تنويعات؛ فهناك مسابقة التميز للهواه فى العزف المنفرد على جميع الآلات الموسيقية متاحة لجميع الأعمار من الموهوبين؛ بالإضافة إلى مسابقة رتيبة الحفنى فى الغناء العربى للشباب وذوى القدرات الخاصة؛ أما مسابقة الغناء العربى للأطفال وذوى القدرات الخاصة ضمت شروطها أن يكون المتقدم من سن 6 حتى 14 ويقوم المتسابق بأداء أغنية من أحد القوالب الغنائية التراثية وأداء اغنية من اختياره ويمكن لادارة المهرجان توفير عازف عود مصاحب بناء على طلب المتسابق .
أما عن المؤتمر العلمي المصاحب للمهرجان ؛ فقد وجهت الأوبرا الدعوة لأساتذة وطلاب الأكاديميات المتخصصة لحضور فعاليات المؤتمر المصاحب والذى أقيمت ندواته في الفترة من 22 إلى 26 أكتوبر على المسرح الصغير وتبدأ فى العاشرة صباحا وتمت مناقشة موضوع المسرح الغنائى؛ بيان العلامات فارقة فى مسيرة الموسيقى العربية من خلال عدة محاور أهمها : نشأة المسرح الغنائي العربي؛ رواد التلحين والأداء في المسرح الغنائي المصري؛ رواد المسرح الغنائي العربي؛ التجارب الإبداعية للمسرح الغنائى فى البلاد العربية؛ المسرح الغنائى العربى بين المعالجة الدرامية والرؤية الموسيقية ؛ التجارب المستحدثة في المسرح الغنائي العربي ؛ قضايا جمع وتوثيق وإحياء المسرح الغنائى العربى ؛ ويشارك فى المؤتمر 39 باحثا من 15 دولة عربية . ومن الجميل أن يصاحب المهرجان معرض لفنون الخط العربى بقاعة صلاح طاهر للفنون التشكيلية
إنها مصرنا المحروسة .. التي تحافظ على التراث الأصيل منذ نشأتها على ظهر البسيطة ؛ وحباها الله بنعمه ويكلأها برعايته وخيره؛ ووهبها الأبناء الشرفاء لتحيا بقلوبهم وأرواحهم النقية التي لاتعرف إلا الوفاء والانتماء لترابها المقدس .