تستهدف وحلفاؤها السيطرة على أموال روسيا.. أمريكا تنهب العالم

إحدى المناطق المتضررة وسط كييف
إحدى المناطق المتضررة وسط كييف

كتبت: دينا توفيق

منذ اندلاع الصراع الروسى الأوكرانى فى  فبراير الماضى، كان رد الناتو، الذى صاغته الولايات المتحدة هو إشعال الصراع، مما زاد من حجم العنف، والمعاناة الإنسانية وأضاف إلى الأزمات العالمية. لم تكتفِ واشنطن بتعبئة العالم للتنديد بالصراع الروسى الأوكرانى، وتسليح الأوكرانيين بكميات كبيرة من الأسلحة المتطورة لمقاومة الروس، وفعلت كل ما فى وسعها فى الأمم المتحدة لبناء تحالف معادٍ لمعاقبة روسيا، بفرض العقوبات وشيطنة بوتين كمجرم حرب غير صالح للحكم، بل سعت إلى إيجاد ثغرة فى الدستور الأمريكى والقانون الدولى من أجل مصادرة أصول البنك المركزى لروسيا بحجة مساعدة أوكرانيا.

فى مايو الماضى، طالبت إدارة الرئيس الأمريكى "جو بايدن" من المشرِّعين منحهم سلطة مصادرة أصول الروس الخاضعين للعقوبات لدفعها "لإصلاح الضرر الذى تسببت فيه موسكو والمساعدة فى بناء أوكرانيا". وبالفعل أقر مجلس النواب مشروع قانون يحث بايدن على بيع الأصول، لكنه لم يمنحه على وجه التحديد سلطة القيام بذلك. حظرت وزارة الخزانة والاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة وكندا المعاملات مع البنك المركزى الروسى، مما أدى إلى تجميد ما يقرب من ثلاثمائة مليار دولار من أصوله الموجودة خارج البلاد. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكبر بنكين تجاريين فى روسيا وعشرات من الأوليجاركية والنخب الأخرى المقربة من الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين"، حتى وصف وزير المالية الفرنسى، "برونو لو مير"، الحظر السريع بأنه "سلاح نووى مالى". وكما يخطط بايدن لملاحقة الأصول المملوكة لروسيا أيضًا، وفقًا لموقع "ذا كونفرسيشن" الأسترالي.

وخلال الأسبوع الماضى، تحدث الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" عن فقد أوكرانيا سيادتها بعد أن سيطرت عليها الولايات المتحدة بشكل مباشر، لاستخدامها لضرب روسيا. وكان يعنى أن واشنطن وحلفاءها يفعلون ذلك ويقومون بتنفيذ نسخة أكثر تعقيدًا من "عملية بربروسا" - التى شنها هتلر ضد الاتحاد السوفيتى - وهى خطة للاستيلاء على روسيا من خلال استخدام الحرب القانونية الكاذبة، بدلًا من الاستمرار فى الغزو العسكرى المباشر والحرب العلنية.

المرحلة التالية من خطتهم، هى استخدام "الحرب القانونية"، بأن تكون سرقة صريحة. لكن هذا النهج له تاريخ؛ قبل مائة عام، تم استخدامه ضد ألمانيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. كان هناك اتفاق أو ما عُرف بمعاهدة "فرساى" ضد ألمانيا والنمسا، طالبت الموقعة عام 1919 وجدول مدفوعات لندن لعام 1921، ألمانيا بدفع تعويضات مقدارها 36 مليار مارك، لتغطية الأضرار التى لحقت بالمدنيين أثناء الحرب، وفقًا لموقع "دوتشيه فيله". وبالتالي، كان دافعو الضرائب الألمان فقط هم من يدفعون تعويضات عنها، إلى الدول المنتصرة.

ومع مرور الزمن واستمرارًا لعمليات النهب التى اعتادت الولايات المتحدة على ممارساتها، لم تكن هناك تعويضات من قبل واشنطن وحلفائها بعد أن اغتصبوا ودمروا العراق عام 2003 على أساس الأكاذيب التى لا تزال مستمرة. كذلك لم تكن هناك تعويضات أيضًا لسوريا بسبب الدمار الذى لحق بها خلال عام 2012 على أساس الأكاذيب التى لا تزال مستمرة أيضَا. ترفض حكومة الإدارات الأمريكية المتعاقبة تعويض سوريا. ورغم كل ذلك، تطالب الولايات المتحدة وحلفاؤها الآن بتعويضات من الدول التى لم تغزها بعد، مثل روسيا وغيرها من الدول التى يفرضون عقوباتهم غير القانونية عليها. بموجب قانون الأمم المتحدة، لا يُسمح بالعقوبات إلا إذا اقترحها مجلس الأمن وأقرتها الجمعية العامة؛ لكن أى إدارة أمريكية اعتادت تجاهل القانون، وتفرض عقوباتها الخاصة بغض النظر عن القانون أو آراء أحد - فهى تفرض العقوبات أولاً، ثم تحاول إيجاد طرق "لتفسيرها" لتنفذ من خلال القانون الدولى. ويوضح الكاتب والباحث التاريخى الأمريكى "إريك زويس" أنه عندما تكون هذه العقوبات عبارة عن مصادرة للأصول، مثل عمليات السيطرة المستمرة على منابع النفط التى تقوم بها أمريكا فى سوريا، فهى سرقة. ولمواصلة هذا القمع دائمًا يلجأ صناع السياسة الأمريكية إلى وسائل الإعلام التى هى جزء من النظام الذى ينفذ سياسته، ضد أو من أجل غزو دول أخرى لمزيد من التوسع للإمبراطورية الأمريكية.

وسبق أن أشعل الرئيس الأمريكى الأسبق "باراك أوباما" العنف فى أوكرانيا ودعّم الإطاحة بالرئيس الأوكرانى الموالى لروسيا "فيكتور يانولوفيتش" وشكل حكومة سيطرت واشنطن عليها فى فبراير 2014، وسرعان ما تحولت تلك الدولة الصديقة لروسيا فى السابق إلى عدو، ومن هنا أصبحت الولايات المتحدة، بوسائل "ديمقراطية"، قادرة على نشر صواريخها فى أوكرانيا على بعد حوالى 300 ميل فقط، بعيدًا عن هجوم موسكو النووى حتى تتمكن من إملاء شروط تغيير النظام على الكرملين. فى ديسمبر 2021، طلبت روسيا من أمريكا وحلف الناتو التعهد بعدم الموافقة على انضمام أوكرانيا إلى الناتو، ولكن فى 7 يناير 2022، أعلن الحلف أن انضمام أوكرانيا إليه ليس من شأن روسيا. وفى 24 فبراير 2022، بدأ الصراع الروسى الأوكرانى، ونجحت خطة واشنطن فى استفزاز الروس، وشددت الإدارة الأمريكية والدول الحليفة على الفور عقوباتها غير القانونية ضد روسيا، بسبب هذا الصراع.

وفى 25 أكتوبر الماضى، نشرت مجلة "فورتشن" الأمريكية تحت شعار ااقتحام روسياب تحقيقا بعنوان اوعاء الذهب الضخم لروسياب، حيث تتصارع أوروبا بشأن مصادرة الأصول المجمدة لدفع تكاليف إعادة بناء أوكرانيا. وتتساءل المجلة: هل يمكن لبروكسل أن تداهم عشرات المليارات من اليورو من الأصول الروسية المجمدة من قبل الاتحاد الأوروبى لدفع تكاليف تعافى أوكرانيا؟ يخضع هذا السؤال القانونى الشائك حاليًا للنقاش من قبل مفوضية الاتحاد الأوروبى، حيث تبحث الكتلة الأوروبية، التى تعانى من ضائقة مالية، عن 18 مليار دولار العام المقبل لإبقاء أوكرانيا واقفة على قدميها، فى الوقت الذى تتصارع فيه مع موسكو.

وفى تصريحاتها قالت رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين"، فى برلين الأسبوع الماضى على هامش مؤتمر دولى للخبراء لإعادة إعمار أوكرانيا، إنها شكلت فريق عمل لتحديد الأصول الموجودة وكذلك الشروط المسبقة التى يجب توافرها لتسهيل الاستيلاء على الأصول الروسية، ولكن يجب أن تكون هذه العملية سليمة من الناحية القانونية. فى حين أن كندا قد سنّت بالفعل تشريعات للاستيلاء على الأصول الروسية، فإن الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى منقسمة، لأن القضية قد يكون لها تداعيات تتجاوز حدودها وتؤثر على المستقبل لفترة طويلة قادمة. تقدر الأصول الروسية بنحو 22.92 مليار دولار فى الاتحاد الأوروبي.

وقال رئيس الوزراء الأوكرانى "دينيس شميهال"، "إنه أكبر مشروع استثمارى فى القارة الأوروبية على الإطلاق؛ خاصة أن هناك ما بين 300 مليار دولار و 500 مليار دولار من الأصول الروسية يمكن استلامها، وهو ما سيساعدها فى إعادة بناء أوكرانيا.

ومن ناحية أخرى، هناك مؤيدون مثل بولندا، التى لم يترك رئيس وزرائها " ماتيوز مورافيكي" أدنى شك فى موقف بلاده - الحليف القوى لأوكرانيا فى حربها ضد روسيا - بشأن قضية تعويضات الحرب. فيما كان المستشار الألمانى "أولاف شولتز"، الذى يواجه بنفسه مطالب من مورافيكى بمبلغ 1٫30 تريليون دولار كتعويضات عن الحرب العالمية الثانية، أكثر ترددًا بشأن هذه القضية.

أوضح وزير المالية الأوكرانى "سيرهى مارشينكو" أن الأصول المملوكة لأفراد روس وبيلاروسيين استولت عليها كييف لإعادة إعمار البلاد بعد الحرب. حيث جمدت الحكومة الأصول الروسية والبيلاروسية فى أوكرانيا بقيمة 1٫21 مليار دولار منذ بدء الصراع فى 24 فبراير، وفقًا لمكتب الأمن الاقتصادى.

وتوضح مراسلة شبكة اCBSب الإخبارية الأمريكية "لارا لوجان" سبب أهمية أوكرانيا للأشخاص الموجودين فى السلطة داخل واشنطن؛ حيث ترى أن أوكرانيا هى مركز عليه العولمة، كما أنها مركز غسيل الأموال للأوليجاركية وحلفائهم فى الولايات المتحدة. يبدو أن الوصول إلى اتفاق لن يتم الآن دون أن تحقق واشنطن أهدافها أولًا.

اقرأ أيضا | خبير: الفيدرالي يحاول الحفاظ على الاقتصاد الأمريكي وإغراق الاقتصاديات الأخرى