حوار| مدير برنامج تغيرات المناخ بالأمم المتحدة: تطوير منظومة النقل في مصر محط أنظار العالم

د. أحمد الضرغامى
د. أحمد الضرغامى

بعد انطلاق "كايرو بايك" فى شوارع القاهرة
د.أحمد الضرغامى مدير برنامج الخدمات الأساسية والتغيرات المناخية بالأمم المتحدة ل " الأخبار"

مشروع الدرجات بوسط البلد لن يزيد الازدحام والتخطيط للمشروع استغرق ٦ سنوات 

المواطن لن يترك السيارة ويركب الدراجة إلا لو كانت الرحلة مريحة وآمنة وممتعة 

"المترو باص" سيربط المدن الجديدة بالقاهرة الكبرى قريبا 

المرحلة ثانية من "دراجة القاهرة" ستضم شبكة من 45 محطة بمناطق جاردن سيتي والزمالك

لا نريد مدن تمثل "جراج" كبير وملوث وخالية من حياة صحية 

ثقافة ركوب الدراجات موجودة في مصر  

تساؤلات عديدة طرحها المواطنون حول مشروع "كايرو بايك" للدرجات وهو الحلم الذى طال انتظاره لتصبح مصر مثلالدول المتقدمة التى تضع فى حسبانها طرق مخصصة لمسارات الدرجات ضمن تخطيط الشوارع و المدن كما تعد تلكالمنظومة الأولى من نوعها في مصر نظراً لأن التجارب السابقة كانت تقتصر على المجتمعات العمرانية المغلقة أو فينطاقات ضيقة أخرى. وعقب افتتاح المشروع ظهرت بعض السلبيات حيث قامت السيارات باستخدام مسارات الدرجاتللوقوف و الانتظار داخلها وكذلك الدرجات النارية استغلتها للسير فيها وكذلك شكوى البعض من أن تلك المسارات تسببتفى مزيد من الازدحام فى تلك الشوارع المزدحمة  والضيقة فى الأساس...وللاجابة على جميع تلك التساؤلات التقينابالدكتور أحمد الضرغامى مدير برنامج الخدمات الأساسية والتغيرات المناخية و الذى يعمل ضمن برنامج الأمم المتحدةللمستوطنات البشرية وهو البرنامج المسئول عن التخطيط لمشروع "كايرو بايك" بالتعاون مع محافظة القاهرة وشركاءالتنمية بتمويل من مؤسسة دروسوس السويسرية ودعم فنى وإشراف من قبل معهد سياسة النقل والتنمية (ITDP) منذبداية مراحل التخطيط للمشروع في عام 2016
 
فى البداية سألته... لماذا أخترتم منطقة وسط البلد المزدحمة و المكدسة بالسيارات لتكون نقطة انطلاق مشروع دراجاتالقاهرة؟
 
مشروع الدرجات يستهدف فى الاساس المناطق كثيفة السكان وشديدة الأزدحام بهدف تقليل التلوث البيئى فى تلك المناطق من خلال وضعبدائل لاستخدام السيارات والدرجات النارية التى تعمل بالوقود وايضا ليكون تشغيلها اقتصاديا وهناك مخطط للمزيد من التطوير في منطقةوسط البلد والمناطق المجاورة من قبل وزارة الإسكان والمحافظة ومكاتب إستشارية مصرية رائدة في هذا المجال وبالتشاور والتنسيق المستمرمع إدارات المرور، للتخطيط للانتقال التدريجي نحو الفكر الجديد، بحيث تتضمن التصميمات القائمة التي تم إعدادها شبكة متكاملة منالمسارات المنفصلة للدراجات دون التأثير على عدد حارات المرور وقد استغرق دراسة الامر ٦ سنوات . وتم توريد وتشغيل المنظومة من خلالتحالف من شركة مصرية رائدة –راسكوم الهندسية للبنية التحتية–وشركةدنماركية–دونكي ريبابلك– لها سابق خبرة في أكثر من 70 مدينةحول العالم وشبكة من أكثر من 16000 دراجة.
 
لكن شاهدنا سيارات تستخدم مسارات الدرجات للوقوف و درجات نارية تسير فيها عقب افتتاح المشروع كيف سيتمالتغلب على هذا الأمر ؟
كل تلك عقبات متوقعة بسبب عدم اعتياد المواطنين وقائدى السيارات على الأمر ومعاقبة المخالفين ومع الوقت سيواكب هذا عدة تدخلات أخرىلتطوير المدينة وتحسين الأمان وتفعيل سياسات إدارة المساحات العامة وركن السيارات وتسهيل المشي ونمط الحياة الصحي وتغير الثقافةالعامة للتجاوب مع طموح الشباب لمدينة آمنة وممتعة ونابضة بالحياة كما أن هناك تطور ملحوظ في الوعي والثقافة كل يوم من قِبل جميعالجهات. فنشهد اليوم تطور سريع في توفير وسائل نقل ومواصلات متنوعة، سواء في المدينة أو بين المدن والمحافظات، بما في ذلك البنيةالأساسية الداعمة لتلك البدائل والبنية الرقمية التي تسمح بتوظيف تكنولوجيا المعلومات لتسهيل ورفع كفاءة الوسائل المختلفة وتضافرخدماتها.
 
الكثير من الناس لن يترك السيارة ويركب الدراجة إلا لو كانت الرحلة مريحة وآمنة وممتعة كما يحدث فى الخارج.. كيف تتعاملون مع ذلك؟
هذا ما نسعى إليه في المرحلة القادمة، لأن هناك إجماع أننا لانريد مدينة تمثل "جراج" كبير وملوث، بل نريد مدينة جميلة نستطيع أننمارس فيها نمط حياة صحي وعندما تتوافرلنا تلك العناصر اللازمة في المدينة ستكون الدراجة و المواصلات الامنة بديلا للسيارة ومن ضمنالرؤية المستقبلية أيضاً، دمج منظومة الدراجات في الخرائط الرقمية السائدة للطرق والمواصلات التي نــستخدمها جميعاً، وهذا نظراً لأنكلمة "دمج" هي كلمة السر لمستقبل وسائل النقل ومختلف خدماتها وتطبيقاتها. وبذلك يتم إضافة وسيلة إضافية خضراء وصحية وممتعةضمن مزيج واسع من الاختيارات الأخرى المتنوعة، وهذا التنوع هو ما تتميز به المدن المستدامة والنابضة بالحياة


البعض يرى أن مسار الدراجات تؤدى للازدحام المرورى؟ كيف تواجهون تلك المعتقدات السلبية؟
أولاً يجب التنويه أن ما يحدث حال توسيع الرصيف لصالح المشاة ومسارات الدراجات الآمنة هو أن بعد التوسيع نرى أن نسبة المشاة الذينيسيرون فى نهر الطريق وسط السيارات تقل، وهذا لأن الإقبال على إستخدام الرصيف المطور والأوسع يزيد. فكثيراً مانرى رصيف ضيقأوبه إشغالات فوق طاقته ينتج عنها الدفع بالمشاة للنزول للشارع رغم المخاطر والضوضاء والتلوث الأعلى نسبياً، وهذا يتسبب في الإزدحاموكذلك التعدي على حقوق المشاة وراكبي الدراجات، فالجميع "خسران".
وثانياُ –وما تم إثباته وفقاً لرصد تراكم خبرات مدن العالم ونتائج بحثية - فعند تضييق بعض الطرق في المناطق السكنية لصالح المشاة أوالدراجات (أي توسيع الرصيف)، فهذا ينتج عنه ظاهرة "التبخر المروري"(Traffic Evaporation). بالطبع قد نرى في الأول أن بعضمرور المركبات يظهر في مناطق أخرى يهرب إليها كما يتوقع الكثير، ولكن من الغريب أن ما تم رصده في التجارب العالمية مع مرور الوقت هوأن نسبة أخرى من المرور –وهي نسبة كبيرة –"تختفى"، وفقاً لنتائج رصد التغيرات في الكثير من مدن العالم سواء في دول متقدمة أو دولنامية.
ينسب هذا الـ"إختفاء" أو الـ"تبخر" الجزئي لعدة أسباب،فمنها التأقلم مع الوضع الجديد وتغير جزئي في إختيارات المواطنين وأنماطحياتهم وأنماط التنقل والتوجه لبدائل متنوعة أو تقليل الإحتياجات أو إعادة توزيع الأدوار بالمنزل أو تغير في سياسات العمل الخاصة بأوقاتالعمل أو العمل عن بعد أو التسوق من المنزل أو الإقبال على المشي والدراجات والمواصلات العامةأو إلغاءات لبعض المشاوير الغير ضروريةوغير ذلك من ظواهر التأقلم السلوكي والتغيرات في المجتمع وفى إدارة الحياة اليومية والمزيج من كل تلك الأساليب الموجودة للتأقلم.


هل الاسترشاد بتجارب دول العالم كافي للتخطيط لمدن مصر وظروفها المختلفة؟
 بالطبع نحن لم نعتمد على نتائج دول أخرى فقط، فهي فقط للاسترشاد والتعلم من أخطاء الاخرين، وقد تختلف بعض الظروف في كل حالةفي كل مدينة، ولذلك تم إعداد عدة دراسات لتقييم التأثير المروري الناتج عن مختلف سيناريوهات مسارات الدراجات في المناطق المنتفعة فيالقاهرة بالتشاور مع الجهات المعنية ومن قبل مكاتب إستشارية رائدة في هذا المجال لوضع الخطة المناسبة والتأكد من عدم الإضرار، بلوالتعظيم من منافع تلك التدخلات في تحسين الأمان على الطرق.
بهذا الفهم للتجارب العالمية والدراسات المحليةيمكن لنا أن نتفهم جزء من لغز الحفاظ على المساحات العامةفي حالات المدن العالية التكدسحول العالم، وكيفية حفاظهم على البيئة الملائمة للمشاة والدراجات والحفاظ على الأشجار وغير ذلك من عناصر مهددة، وهذامثل طوكيوأوسنغافورة أو سيول أو برلين، أو مدن كثيرة أخرىإنتقلت لتلك المرحلة من التطوير وانتهجت ما يسمى بـ"أنسنة المدينة". وهذا ما نتطلع إليهفي المراحل القادمة من رحلة التعلموالتي مرت بها الكثير من دول العالم على مدار عدة عقود، ولكن الخبر السار هو أننا لن نحتاج لعدة عقودللتعلم بلنتوقع أن ما إرتقت إليه مدن العالم في عدة عقود قد تصل إليه مدن مصر اليوم في ما لا يزيد عن بضعة أعوام، وهذا لأن سرعة تطورالوعي بالقضايا البيئية والاجتماعية ومبادئ المدن المستدامة في مصر نراها اليومفي تقدم غير مسبوق،مما يسمح بتلك الـ"قفزة"من مرحلةإلى أخرى.


ماذا عن المرحلة الثانية من مشروع دراجات القاهرة ؟
المرحلة الأولى بدات فى وسط البلد بأسطول من 250 دراجة يتم تتبعها وإدارتها بالـGPS وتتواجد موزعة على 25 محطة ، وسيصلالأسطول إلى 500دراجة في المرحلة ثانية من التوسع خلال الأشهر القادمة لتصبح شبكة من 45 محطة، وجميعهم في أماكن استراتيجيةبمناطق وسط البلد وجاردن سيتي والزمالك، بما في ذلك بالقرب من محطات المترو والأوتوبيس ومقاصد الشباب المختلفة، وسوف يبدأ بتكلفةجنيه واحد في الساعة بالإضافة إلى حزم اشتراكات أخرى وأساليب دفع مختلفة لتمكين جميع الفئات من المشاركة.
 
 
لماذا وقع اختيار برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية لتطوير منمظومة النقل والمواصلات في مصر ؟
تطوير منظومة النقل اليوم في مصر محط أنظار العالم أجمع نظراُ للتقدم السريع والغير مسبوق بها.فما نشهده الان ليس فقط مواجهةتحدى احتياجات اليوم المُلحة في جميع محافظات مصر ولكن أيضاُ تحديات خاصة بمستقبل مهدد بالتغيرات المناخية ومخاطر بيئية مثلتلوث الهواء في المدن وتواتر السيول وغيرها من المخاطر، وجميعها لها علاقة بالاعتماد المفرط على السيارات الخاصة والانبعاثات الناجمة عناستخدامها بدون ترشيد.يتطلب هذا توفير بدائل وكذلك بيئة عمرانية آمنة وممتعة تحفزنا على التوجه نحو نمط حياة يتصف بالتنوع فيوسائل التنقل المناسبة للاحتياجات والمسافات المختلفة.
 
بعد الانتهاء من المشروعات العملاقة من وسائل النقل الجماعي مثل المترو والمونوريل والأوتوبيس السريع وتوسيعالطرق، هل تكتمل صورة المدينة المستدامة؟
فعلاًيبقى السؤال "ماذا بعد؟"... هنا نري أنه وفقاً للتجارب العالمية عادة ما يلي تلك المرحلة عدة إجراءات وتوجه السياسات نحو تطوير مايسمي بالـ"ميل الأخير" (Last-mile) وهو التحدى القادم، ويعنى ذلك تجربة المواطن في أول وأخر جزء من الرحلة من المنزل لمحطةالمواصلة أو من المواصلة للمدرسة أو العمل. وأيضاً ما يسمي بـ"الميل الأوحد" (Only-mile)، ويشير هذا للمسافات القصيرة بشكل عامالتي لا تتطلب سيارة أو نقل جماعي. من الممكن أن يكون المترو أو الأوتوبيس المميز مريح، ولكن يجب التنويه أن دقيقة واحدة من المشيلمحطة المترو قد تكون تجربة غير مريحة، أو رحلة قصيرة إلى فرن أو متجر أو مدرسة قريبة من البيت أيضاً تجربة غير مريحة، إلخ.وهذا هوما يصعب علينا الترشيد من استخدام السيارات. وبالطبع يستلزم هذا أيضاُ ترسيخ مفاهيم تصميم المدن المدمجة (Compact) ومدنالاستعمالات المختلطة (Mixed Use)، اللتان ينتج عنهما تقليل المسافات اللازمة للمواطن للوصول للمقاصد المختلفة، وتلك هي المدينةالمستدامة حقاً والتي لا تتطلب إستخدام عالي للسيارات والإفراط في الطاقة واستهلاك المساحات العامة وتضييع الوقت وإرهاق المواطن.
 
هل ثقافة ركوب الدراجات موجودة في مصر؟ وماذا عن مشاركة السيدات؟
الدراجات في الواقع كانت جزء من ثقافتنا منذ زمن. فعلى سبيل المثال في عام 1957 تم إنشاء جامعة أسيوط، وكان مؤسس الجامعةالأستاذ الدكتور/سليمان حزيِّن يستوحى فى تصميمها أفكاراً من أجمل وأحدث جامعات العالم، بما في ذلك ما يحفز على المشيوالدراجات.ما لايعلمه الكثيرون هو أن ضمن هذه الأفكار كان هناك برنامج لتحفيز الطلّاب على ركوب ‏الدراجات، وكان هذا البرنامج يوفِّرتسهيلات مالية تسمح للطالب تملّك دراجته بمقدم جنيهان فقط وتقسيط الباقي خلال فترة الدراسة ‏وبدون فوائد. كما تم توفير أماكن آمنةلانتظار الدراجات بحرم الجامعة وطرقات صديقة للدراجات وللمشاه، وقد يكون الأهم من ذلك ‏أيضاً هو ما تم من ترويج للثقافة ذاتهاوالإهتمام بمشاركة الفتيات. كان هذا فى أسيوط، ومن يزور‏ أسيوط اليوم يجد ثقافة ركوب الدراجات  - رغم محدودية مشاركة السيدات - مازالت بالفعل موجودة، وأستطيع أن أعطي عدة أمثلة لمدن أخرى.ثقافة الدراجات ليست بجديدة ولكنها غابت عننا،والان تعود لحياتنا بشكلجديد وبالتزامن مع مبادرات كثيرة نقوم بها لمشاركة المرأة، وتم إعداد خطة عمل لهذا البعد الهام من التغير الثقافي الذى نسعى إليه، وكانمبني على دراسة تمت مع برنامج الأمم المتحدة للمرأة (UNWOMEN) والمجلس القومي للمرأة.
 
ما هو الجديد الذى يقدمه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية؟
نسعى لإدماج وسائل النقل البيئية  لتتكامل مع المشاريع القومية مثل ما نعده الان من مشروعات مثل الاتوبيس الترددي السريع أو مايسمي بالـ"متروباص"، وهو هو نظام باص سريع التردد وتسير الحافلات في مسارت مخصصة سوف نشهدها قريباً تربط المدن الجديدةبالقاهرة الكبرى للمسافات الطويلة وتتطلب حلول للوصول إلى المحطة - أو منها وإلى المقصد النهائي. وهذا ما نعده هذا العام أيضاً معوزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لها، وهذا ضمن تدخلات أخرى نسعى للتأكد من تكاملها جميعاً حتى لا نجدمشروع عملاق ينتهى بدون مراعاة باقي رحلة المواطن من حيث الأمان والراحة والاستمتاع.