لبنان الذي كان .. والذي أصبح

صباح ووديع الصافي
صباح ووديع الصافي

كتب: مراد منصور

ماذا سيخطر ببالك لو ذكر أمامك كلمة لبنان.. بالتأكيد الكثير من الأمور الجميلة، من الصبوحة بجمالها وروعة صوتها، وديع الصافي بشجنه ومرحه، فيروز ويكفي رونق الاسم، وماجدة الرومي، مرورا بأجيال أخرى من الجميلات شكلا وفنا، إليسا ونانسي عجرم ونيكول سابا ونور وغيرهن وغيرهم.. ستتخيل جمال الطبيعة واللهجة والأكل، الكثير من الأمور ستتذكرها كلها مرتبطة بالجمال فقط.. ليس بين ما ستتذكرها الانفجارات ولا الاقتحامات ولا الاعتصامات ولا الكوليرا.. لكن هذا ما ستشاهده اليوم حتى ولو حاولت تجاهل ذلك.

يرتبط لبنان في الذاكرة الفنية بالستينيات وحتى منتصف السبعينيات، حيث عشرات الفنانين المصريين توجهوا إلى هناك لتقديم أعمالا ذات إنتاج لبناني لكن بوجوه مصرية، عشرات الأفلام قد يجهلها الجمهور المصري، هذه الفترة كانت فترة إزدهار السينما اللبنانية، التي كانت تقدم أغلب أفلامها بالألوان منذ السيتنيات، بينما أنتشرت الألوان في السينما المصرية مع بداية السبعينيات.

لبنان ورث في الستينيات حالة الثراء الفني الذي شهدته مصر منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى أوائل الستينيات، واستطاعت أن تحتضن عشرات النجوم المصريين أو العرب الذين أشتهروا في مصر من قبل، ورغم أن لبنان لم يحقق طفرة سينمائية مستغلة كم النجوم لديها، لكنها حققت نجاحات تجارية كبيرة، خاصة أن أعمالها كانت أكثر جرأة وهو أمر ساعدها على الانتشار التجاري.

في تلك الفترة أيضا كانت بداية إزدهار آخر للهجة الشامية على حساب المصرية، فبعد أن كان نجوم الشام يهاجرون إلى مصر لتقديم أغنيات باللهجة المصرية، أصبح اللهجات الشامية تحقق هي الأخرى نجاح، حيث عادت صباح للغناء باللهجة اللبنانية، وبدأت فيروز في الظهور بقوة، وأيضا وديع الصافي، ومن سوريا فهد بلان الذي أحتضنه لبنان في بداية شهرته. 

بداية السبعينيات شهد لبنان تطور فني آخر، حيث كانت أولى الدول التي تقدم برامج إكتشاف المواهب عربيا من خلال برنامج “أستديو الفن”، الذي قدم أسماء فنية ذات ثقل للساحة الغنائية العربية، أمثال راغب علامة وماجدة الرومي ورامي عياش وإليسا ووائل كافوري ووائل جسار ونوال الزغبي، أسماء ظهرت وسط أصعب ظروف يمكن أن تمر بها دولة، وهي الحرب الأهلية، لكنها استطاعت تأكيد نجوميتها على الساحة العربية، وأكتسحوا سوق الغناء العربي بداية من التسعينيات وحتى العقد الأول من القرن الجديد.

الإعلام اللبناني حتى كان نموذجا يحتذى في فن صناعة الترفيه، فهم أول من قدموا إذاعات الأغاني التي لم تظهر في مصر سوى مع “نجوم أف أم” في 2003، كما قدموا عشرات من قنوات الأغاني التليفزيونية وبرامج الفورمات الأجنبية، التي أصبحت علامات في القنوات العربية، مثل “إكس فاكتور” و”من سيربح المليون؟” و”ستار أكاديمي” و”The Voice”، فحتى ما قدم من تلك البرامج على قنوات خليجية، كان من تنفيذ كامل بفرق عمل لبناني. 

مخرجو لبنان حققوا طفرة على مستوى الصورة خاصة مع النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، نافسوا بها المخرجيين المصريين، لدرجة أن بعض المطربين في مصر كانوا يتوجهون لمخرجين لبنانيين في بداية الألفية الجديدة. 

لبنان أيضا يمتلك جيلا سينمائيا قويا رغم كل ظروف الإنتاج الصعبة، ويكفيهم ما حققته نادين لبكي وزياد دويري في المهرجانات العربية والعالمية. 

لكن ماذا ستشاهد لو نظرت للبنان الآن.. لن ترى بعد كل هذا الجمال سوى الكثير من الاقتحامات للبنوك، ومشاكل اقتصادية ومالية ضخمة، وحالة تضخم لا نهاية لها، وأزمة سياسية لا حل قريب لها، وفرقة طائفية حاضرة، حتى الكوليرا عادت لبيروت بعد أن نسيت طريقها للعواصم العربية منذ عقود.. فأين كان لبنان.. وأين أصبح؟ 

اقرأ أيضأ

 ماجدة الرومي تدعم شيرين عبدالوهاب: افتحي للشمس أبوابك وانزعي ثوب الأسى