أسامة الرحباني: وضع نقابة المحترفين في لبنان مؤسف ولا يُبشر بأى نهوض

أسامة الرحبانى
أسامة الرحبانى

ندي محسن

إذا بَطُلَ الحلم سقط الإنسان فى العدم من وحي هذه المقولة استمد الموسيقار أسامة الرحبانى طموحه وشغفه فى الحياة، تلك الكلمات التى أملاها عليه والده الموسيقار الكبير منصور الرحباني، واتخذها منهجاً لحياته ومشواره الفنى الطويل المليء بالعطاء على صعيد التأليف الموسيقي، التلحين، والإنتاج، فأخذ يُغرد منفرداً بأفكاره الموسيقية المغايرة عن السائد على الساحة الغنائية، مُنتهجاً المشوار الذى بدأته عائلة الرحابنة.. أسامة فتح قلبه لـأخبار النجوم فى حوار خاص تحدث فيه عن حال الموسيقى فى لبنان والعالم العربى بشكل عام، ومدى تطورها واختلافها عن الماضي، كما كشف عما ينقص صناعة الفن فى لبنان حتى تخرج من كبوتها، وماذا خسرت المكتبة الموسيقية برحيل الأخوين رحباني، وما تمثله فيروز للوطن.. وتحدث أيضاً عن تفاصيل الأعمال التى يُحضر لها مع الفنانة اللبنانية هبة طوچي، كما كشف كواليس تحضيرات الليلة الاستثنائية التى شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت تحت شعار ليلة أمل.

بداية.. بعين الناقد كيف ترى حال الموسيقى فى لبنان والعالم العربى اليوم؟ وإلى أى مدى اختلف عن الماضي؟

“الرخيص بيمشي” للأسف، وهنا أقصد التجارب الفنية دون المستوى التى تظهر يومياً من نافذة “السوشيال ميديا” بل قد تحقق نجاحاً كبيراً بواسطة بعض الأشخاص “السُذج” الذين يلهثون وراء كل ما هو سيئ ورديء، أيضاً أعتب على وسائل الإعلام العربية التى تهتم بتسليط الضوء على الشائعات والأخبار الشخصية دون اهتمام واضح بالأفكار التنويرية، وذلك لأن “الناس بتحب اللتلتة” مع الأسف، وهنا لابد أن يأتى دور الدولة، اتحاد النقابات، والفنانين فى طرد الجهل وتعميم الثقافة والاحترام لكافة أنواع الفنون. 

وماذا ينقص الفن فى لبنان؟

ينقصه الفكر والثقافة وليس فى لبنان فقط، بل العالم العربى بأكلمه، فالفن يتطور من خلال الأشخاص، وجميعنا قرأنا وشاهدنا كيف يُؤثر ويتأثر الفن بالحروب والثورات، أذكر أن اتجاه الموسيقى اختلف بعد الحرب العالمية الأولى اختلافاً كُلياً، وأصبحت الموسيقى الكلاسيكية أكثر توتراً، بل ترجمت قلق العصر والاضطرابات النفسية، وليس فقط الموسيقى، فقد عبرت اللوحات الفنية والمنحوتات عن هذا العصر، وأيضاً شهدت الموسيقى تأثراً بعد الحرب العالمية الثانية، كما أذكر أن ظاهرة “الهيبيز” ظهرت بعد حرب فيتنام، لكن للأسف الفن فى عالمنا العربى لم يتأثر بالثورات العربية، ولم يحدث به طفرات أو نقلات نوعية، وذلك يرجع لرجعية العقل العربي، لكن أستثنى بلبنان عائلة الرحابنة التى لها الفضل والريادة فى تنوير العقول ونشر الأفكار الثقافية فى العالم العربى بأكلمه، ونحن حتى اليوم نعيش تحت هذا اللواء بإنتاج فن راقٍ ومختلف، وأيضاً مصر تحمل الريادة الفنية بالوطن العربي، واستجدت مؤخراً دول الخليج العربي.

إن كُنت نقيباً للمحترفين بلبنان .. ما الملفات التى ستوليها اهتماماً؟

هناك العديد من الملفات الهامة أبرزها حماية حقوق الملكية الفكرية للمؤلف والملحن، وتوفير التأمين الصحي، وفرص العمل، وصندوق التقاعد الذى يشمل الفنان فى كِبره حتى يعيش مرتاح البال، غيرها من الأمور التى يُطالب بها الفنانين فى لبنان ومصر، لكن الوضع فى لبنان سيئ ومؤسف للغاية، ولا يُبشر بأى نهوض، لذلك لست متفائلاً، فأى شخص يحتل أى منصب يواجه العديد من المشكلات بسبب غياب الخطط والرؤى التى من خلالها يستطيع الإصلاح أو النهوض بوضع ما، ورجال السياسة فى لبنان لا يملكون أى رؤى على صعيد الثقافة والفن، لذلك الاجتهادات والمحاولات الفردية لا يُمكنها أن تصمد كثيراً أمام ما يعصف بها، وحال الفن والفنانين يحتاج لسنوات طويلة حتى ينصلح.

برأيك .. كيف يُمكن أن نستعيد وهج المسرح الغنائى حتى يعود لسابق عهده؟

المسرح الغنائى هو أكمل الفنون، ويلزمه تربية فنية، توعية، وثقافة بأهميته حتى يستعيد وهجه الذى أطلق شرارته الأخوين رحبانى من لبنان إلى معظم البلاد العربية منها الأردن، سوريا، الإمارات، تونس، البحرين، قطر، مصر، لكن ما أصبحنا نراه بعالمنا العربى شيء مُخزٍ، إذ إن العقل العربى فى الوقت الحالى أصبح لا يستوعب سوى الأغنية الطربية الجيد منها والسيئ فقط لا غير، فضلاً عن أن الجمهور العربى بات يفتقد احترامه لجميع أنواع الفنون المُقدمة من خلال المسرح الغنائى إن كان تمثيلاً، غناءً، أو عزفاً، وينشغل بالهواتف المحمولة والتحدث مع رفيقه مُنصرفاً عما يُقدم من فن، ومثل هذه الأمور لا يُمكن أن تحدث بأى بلد أوروبي، فهناك ضوابط صارمة لحضور أى حفل أو مسرح غنائي.

ناقشت عددًا من القضايا الاجتماعية وعكست صرخة ووجع اللبنانيين من خلال أعمالك الموسيقية منها لازم غير النظام، هيدا لبنان، النظام الجديد، بغنيلك يا وطني .. كيف ترى مدى تأثيرها على المجتمع اللبناني؟ 

هذه الأغنيات تُترجم وجعنا وتعكس حالنا وهمومنا بالإضافة إلى أغنيات “جيفارا”، “متل الشجر مزروعين”، وأذكر عندما أصدرنا أغنية “لازم غير النظام” تعرضنا لهجوم كبير، وتم منع إذاعتها فى معظم البلدان العربية، كما تم وقف بثها فى لبنان، لكن حققت انتشاراً ونجاحاً كبيراً لاحقاً، والمفارقة أيضاً أن الفيديو كليب الخاص بالأغنية هو الفيديو العربى الوحيد الذى حصل على جائزة أجنبية.

وما القضية التى تشغل تفكيرك لتقديمها فى الوقت الحالي؟

هناك دائماً أفكار مطروحة للمناقشة، إذ يضم الألبوم الجديد للمطربة هبة طوچى أغنيتين تُخاطب المشاعر الوجدانية، الأولى بعنوان “راجع من رماده الفينيق” والتى تدعو للتشبث والتعلق بأرض الوطن، وعدم الهجرة منه رغم الصعوبات، والأغنية الثانية بعنوان “زمان” والتى تحكى كيف كانت أخلاق ومبادئ الأشخاص فى الماضى مختلفة عن الحاضر.

ننتقل للحديث عن العائلة.. كيف أثرت مدرسة الرحابنة فى نشأتك فنياً؟

لا شك أن مدرسة الرحابنة هى الوعي، والثقافة، فقد تربينا ونشأنا على فن راقٍ، ومستوى عالٍ على جميع الأصعدة إن كان بالموسيقى، الشعر، المسرح، الصوت، والاحتراف، صحيح أن الأخوين رحبانى لم يتمنيا يوماً أن يدخل أبناؤهما المجال الفنى لصعوبته وشقائه لكن المفارقة أن جميعنا اتجهنا لهذا المجال، وتعلمنا قواعد الموسيقى على يد أساتذة كِبار، ثم اكتسبنا الخبرة والثقافة من مشورتهم ومراقبتهم لنا خاصة والدى منصور الرحبانى والذى أعتبره المثقف الأكبر فى العائلة.

ماذا خسرت المكتبة الموسيقية برحيل الأخوين رحباني؟

فقدنا الثقافة، التميز، الاختلاف، والفن الراقى الذى يسكن وجدان الشعوب، فنحن نتحدث عن عباقرة بالموسيقى، الشعر، والمسرح، فهما أول من أعد التوزيع الأوركسترالى الضخم، وأول أيضاً مَن ناقش وطرح الأفكار الفلسفية التى تعنى الإنسان بشكل مُباشر، لذلك أستطيع القول أنه قبل الأخوين رحبانى لم يكن هناك فكر بالفن، إذ تميزا بالوحدة المتكاملة بين الفكر، الشعر، الثقافة، الموسيقى، التوزيع، والصوت، وأنشآ المدرسة الرحبانية التى أثرت بالعالم العربى بأكلمه، وكانت تحظى باحترام واهتمام الجميع، وليس هذا فقط، بل كان ومازال تأثيرهما كبيراً على الشأن السياسى بلبنان، سوريا، وفلسطين، وغيرها من البلدان العربية، فهما أول مَن نادى بأحقية رجوع الأرض لأصحابها، وكان لديهما وعى بما يلمس قلوب الناس، لذلك استطاعا احتلال العالم ببساطتهما وعمقهما فى نفس التوقيت. 

صرحت فى وقت سابق بأن الأخوين رحبانى والسيدة فيروز أكبر من الوطن.. ماذا قصدت تحديداً بقولك هذا؟

هما مَن صنعا الوطن بشِعرهم وموسيقاهما وصوت فيروز الذى له بالغ الأثر على نفوس الشعب اللبناني، إذ كانت موسيقاهما متصدرة المشهد خلال الحرب الأهلية بلبنان، وأى جهة مُقاتلة كانت تستخدم موسيقاهما، وأغانيهما، وصوت فيروز كسلاح للمحاربة، وكان فكرهما دائماً أعلى وأنضج من فكر السياسيين بعيداً عن المصالح الشخصية، المذهب، الطائفة، والدين، وإرثهم وتاريخهم الفنى حافل بالأغنيات الموجهة للأوطان وشعوبها، فلم يُغنوا يوماً للأشخاص أو القادة، بقدر ما ألقوا التحية للأوطان وشعوبها بكل قصيدة كتبوها.

ننتقل للحديث عن أحدث الأعمال الغنائية مع المطربة هبة طوچى لو نبقى سوى .. ماذا عن كواليس تحضيرها؟

“لو نبقى سوى – Que Sera Sera” هى إحدى أغنيات الألبوم الجديد الذى أُحضر له مع المطربة هبة طوچي، من تأليف هبة طوچي، فريد سافيو، فيليبى سالديفيا، وفريدي، وكتبت كلماتها بالعربية، أما الكلمات الأسبانية فقد وضعها النجم العالمى لويس فونسي، وتم تصوير الأغنية على طريقة الفيديو كليب بالخارج، وتنتمى للون العاطفى بإيقاع لاتيني، والعمل نال إعجاب الجمهور بشكل كبير، والأصداء عربياً وعالمياً أكثر من رائعة.

كيف جاء التعاون بين المطربة اللبنانية هبة طوچى والنجم العالمى لويس فونسي؟

فكرة الأغنية مكتوبة منذ 6 سنوات، وخلال تلك السنوات كانت الأغنية حبيسة الأدراج إلى أن تعاقدت هبة مع إحدى الشركات العالمية التى فتحت أمامنا آفاقًا جديدة، واقترحت أن تخرج الأغنية إلى النور بطريقة “الديو”، وعرضت لنا أسماء عديدة لفنانين عالميين ووقع الاختيار على النجم العالمى لويس فونسى صاحب أغنية “Despacito” الأشهر والأكثر انتشاراً على “يوتيوب”، والذى رحب بالفكرة كثيراً، وكان لقاؤهما رائعاً، وهذا نوع من الدمج بين الثقافتين العربية واللاتينية. 

وما تفاصيل الألبوم الذى تُحضر له مع المطربة هبة طوچي؟

الألبوم يحمل بُعدًا عالميًا، وثري فنياً وبه أنماط غنائية عديدة، ويضم ١٤ أغنية حيث تُغنى هبة بالمحكية اللبنانية، وباللغة العربية الفصحى واحدة من قصائد الكبير منصور الرحبانى بعنوان “راجع من رماده الفينيق”، كما تُقدم أغنيات  عديدة من شعر شقيقى غدى الرحباني، إلى جانب أغنية باللهجة المصرية من ألحان نيس، وأغنية أخرى بعنوان “عبالى أهرب” من كلمات الشاعر كمال قبيسي، بالإضافة إلى أغنية “La chanson des vieux amants” للفنان البلجيكى الشهير جاك بريل، إلى جانب أغنيات على طريقة “الديو” مع النجم لويس فونسى ونجم عالمى آخر، كما ستقدم أغنيات أخرى باللون الغنائى الذى اشتهرت به بالتعاون مع زوجها عازف البوق العالمي ابراهيم معلوف، الشاعر منير بو عساف، والملحن أنطوني خوري، بالإضافة إلي تعاونات مع عدد من الموسيقيين بفرنسا، وأمريكا منهم  فريد سافيو، فليبي سالديفيا، وفريدي.

حدثنا عن كواليس التحضيرات الخاصة بالحفل الموسيقى الضخم الذى أقمته مؤخراً بالمجان تحت شعار ليلة أمل؟

الأوضاع التى نمر بها فى لبنان بصفة خاصة مُحبطة بشكل كبير، وأيضاً بالمنطقة العربية ككل، وكان بداخلى تخوف على ثقافتنا وفننا من الضياع، لأنه مع الأسف السياسيون فى لبنان يفتقدون للرؤية التى تدعم الثقافة والفن، لذلك فكرت فى إقامة حفل غنائى ضخم بالمجان دون أى مقابل مادي، وسارعت بالتواصل مع هبة طوچى وزوجها عازف البوق العالمى إبراهيم معلوف اللذين رحبا بالفكرة كثيراً، وأُقيم هذا الحفل بمجهودات شخصية إلى جانب الاستعانة ببعض الرعاة، والحقيقة أن جميع المشاركين بالحفل تنازلوا عن أكثر من نصف أجرهم، ولأول مرة تضافرت جميع الجهود من أجل إنتاج عمل ينهض بالوطن لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت، وبفضل الله حقق الحفل نجاحاً كبيراً وظهر بمستوى عالٍ وراقٍ ومُتقن، وهنا حدثت الصدمة لدى البعض، وأصبحوا يتساءلون كيف لحفل تُوزع تذاكره بالمجان أن يخرج بهذا المستوى الرائع، وهنا أقول أن إرادتنا للنهوض بالفن والدولة كانت أكبر من كل شيء رغم الصعوبات والتحديات التى واجهتنا.

حرصت على بث روح الأمل والتفاؤل لدى اللبنانيين رغم الأزمات التى تعصف بهم.. هل كان هذا هدفك الوحيد من إقامة الحفل؟

الهدف الحقيقى الوحيد للحفل هو تعزيز استمرار الحياة بامتلاك شجاعة الرفض لكل الإحباطات والانكسارات التى تُحيط بنا لاسيما أن إهمال الجانب الثقافى والفنى هو بداية انحدار أى شعب فى العالم، وكما قلت رجال السياسة فى لبنان لا يهتمون إلا بتحقيق مصالحهم الشخصية، وعلى مر التاريخ ربما لا نذكر أيًا منهم فى النهوض بالثقافة والفن، فدائماً ما نذكر عُظماء الفن من موسيقيين، سينمائيين، شعراء، أدباء، مسرحيين، نحاتين، ورسامين، هؤلاء مَن يرسمون الضحكة على الوجوه، ويزينون الكون بألوان البهجة، بل يفتحون آفاقًا جديدة لكل مَن تأثر بهم.

هل توقعت الصدى الواسع والنجاح الكبير الذى حققه الحفل؟

الأصداء كانت مُذهلة وفاقت توقعاتى خاصة على مواقع “السوشيال ميديا”، إذ احتل الحفل صدارة “التريند” فى لبنان لمدة 4 أيام متتالية أعاد فيها الحياة لكل لبنان.

وما الأمل الذى مازال ينتظره أسامة الرحباني؟

مازلت أحلم بأشياء عديدة، ودائماً هناك أمل مع كل نهار جديد، وتعلمت أن أتمسك بالطموح من عائلتي، فكما كان يقول والدى الراحل منصور الرحبانى “إذا بَطُلَ الحلم سقط الإنسان فى العدم”، وهذه المقولة أثرت بحياتي، وأحاول أن أتمسك بالأمل حتى نعبر من الكبوة التى أصابت عالمنا.

إلى أين وصل مشروع مسرحية نفرتيتي؟ ولماذا اخترت هذه الشخصية التاريخية على وجه التحديد؟

هذا المشروع أعمل عليه منذ 12 عاماً، وأمضيت وقتاً طويلاً فى البحث عن المعلومات الخاصة بشخصية “نفرتيتي” إن كان من خلال الكُتب والمراجع التاريخية أو من خلال جلسات جمعتنى بعدد من علماء الآثار حتى أستطيع الإلمام بكافة المعلومات، وحتى الآن لم أجد المنتج أو رجل الأعمال الذى يتحمس لتبنى هذا المشروع، وعرضه جماهيرياً، وهذا أمر مُحزن لأن رجال الأعمال فى عالمنا العربى لا يهتمون إلا بـ”البيزنس”، على عكس رجال الأعمال فى أوروبا الذين يدعمون الثقافة والفن بكل ما أوتوا من قوة غير مُبالين بالربح المادى الذى سيعود عليهم، واخترت “نفرتيتي” لأنها شخصية مُلهمة وثرية تتمتع بالجرأة، الغموض والجمال، ولها انعكاس كبير على حاضرنا، كما تتميز بقوة شخصيتها، فضلاً عن أن الموضوع المصرى الفرعونى دائماً ما يكون له ثقله الفني.

أقرأ أيضأ : أسامة الرحباني: لبنان يفتقر لقادة يملكون رؤية مدعومة بالفن