خبير آثار: لا يوجد شعب في العالم يمحو 2500 عام من تاريخه 

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

في حديث الدكتور وسيم السيسي طبيب الكلى والمسالك البولية الشهير عن هوية مصر تجاهل 2500 عام من تاريخ منذ تاريخ الإسكندر الأكبر وحتى الآن مدعيًا أنهما احتلال ولا يعبرا عن شخصية مصر.

ويرد على ذلك خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار موضحًا أنه للمرة الأولى فى التاريخ يخرج مواطن من إحدى الدول ليمحو ذاكرة شعب بشطب 2500 عام من تاريخه اعتبارًا من 332 ق.م. وحتى الآن شاملة الفترة البطلمية والرومانية ومن داخلها البيزنطية وانتشار المسيحية والفتح الإسلامي باعتبارهما لا يعبرون عن هويتها، وبهذا فهو لا يشوه التاريخ فقط بل يتعدى عليه ووفقًا لرؤيته فإن دخول المسيحية والإسلام إلى مصر سحابة عابرة مرت على أرض مصر ليس لها أى تأثير فى شخصية مصر وهويتها.

وأوضح الدكتور ريحان، أن الدولة تعمل على تعزيز الهوية والانتماء بتوجيهات مستمرة من القيادة السياسية كخطوة لنمو وسمو الوطن الذى يمتلك أعظم حضارة باقية عرفتها البشرية والذى يتم من خلال مشروعًا ثقافيًا فى ضوء المعطيات الجديدة يعتمد على خطوات عملية ملموسة لبناء الإنسان والذى لا يمكن تحقيقها إلا بتأصيل الهوية بكل أشكالها.

وتابع إن تأصيل الهوية يعتمد على قراءة علمية لكل تاريخ مصر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى التاريخ المعاصر باعتباره سلسلة حضارية لو فصلنا جزء لضاعت كل معالم التاريخ فما بالك لو فصلنا المسيحية والإسلام كما يرى الدكتور وسيم السيسى لهدم التاريخ من أساسه.

ونوه الدكتور ريحان إلى أن قراءة هوية مصر يجب أن تنطلق من رؤية الكاتب والفيلسوف جمال حمدان عن شخصية مصر باعتبارها الشخصية الوسطية فهى قلب العالم العربى وواسطة العالم الإسلامى وحجر الزاوية فى العالم الإفريقى فهى أمة وسطًا بكل معنى الكلمة فى الموقع والدور الحضارى والتاريخى والسياسة والحرب والنظرة والتفكير وسطًا بين خطوط الطول والعرض بين المناطق الطبيعية وأقاليم الإنتاج بين القارات والمحيطات حتى بين الأجناس والسلالات والحضارات والثقافات فهى حلقة الوصل بين المشرق والمغرب.

وأردف الدكتور ريحان بأن هوية مصر لا تنفصل عن علاقاتها الحضارية والثقافية والاقتصادية مع كل دول العالم وقد مثّل البعد الإفريقى لمصر مصدر الحياة والماء والسكان والبعد الآسيوى مصدر الدين والحضارة والثقافة، وقد كانت مصر قطبًا أساسيًا فى حلقات التاريخ بل مثلت طرفًا فى قصة التوحيد بفصولها الثلاثة فمواطن الأديان التوحيدية كانت فى سيناء وفلسطين والحجاز وقد رسمت مثلثًا قاعدته فى سيناء منطلق نبى الله موسى عليه السلام وكانت مصر ملجأً لنبى الله عيسى عليه السلام واستقبلت الفتح الإسلامى بترحيب والذى حافظ على كل مفردات الحضارات والثقافات فى مصر واستفاد منها وتأثر بها وأثر فيها وامتزجت كل الثقافات فى بوتقة واحدة تشكّل هوية مصر وشخصيتها .

وأوضح الدكتور ريحان أن التعانق بين الحضارات والأديان على أرض مصر هو جزء من الهوية فمصر البلد الوحيد فى العالم الذى يضم خمسة مجمعات للأديان تقيم بهم الدولة مشاريع قومية لإحيائها وهي مجمع الواد المقدس طوى بسانت كاترين والذى يضم شجرة العليقة المقدسة وجبل موسى ودير سانت كاترين والجامع الفاطمي داخل أسوار الدير ويجرى حاليًا بالمنطقة أعظم مشروع للسلام وتعانق الأديان والحضارات وهو مشروع التجلى الأعظم، ومجمع مصر القديمة الذى يضم معبد بن عزرا وكنائس مصر القديمة منها كنيسة أبى سرجة وبها المغارة التي لجأت إليها العائلة المقدسة علاوة على جامع عمرو بن العاص ثانى جامع في مصر وإفريقيا ويتضمنه مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة.

علاوة على مجمع حارة زويلة بالقاهرة الإسلامية بالجمالية الذى يضم كنيسة السيدة العذراء أقدم الكنائس الأثرية فى مصر التى بنيت فى القرن الرابع الميلادي وهى أحدى محطات رحلة العائلة المقدسة قادمة من المطرية ‏ومعبد يوسف بن ميمون اليهودى طبيب البلاط السلطانى فى عهد الناصر صلاح الدين الأيوبى وأحد المقربين منه والذى يعود إلى القرن 13م ودار الخرنفش ومازالت قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها حيث استمر العمل بها حتى عام 1962م علاوة على الآثار الإسلامية بشارع المعز لدين الله الفاطمي والذى يشملها مشروع القاهرة التاريخية، ومجمع البهنسا بالمنيا الذى يعد من المحطات الهامة في مسار العائلة المقدسة كما يضم بقيع مصر المجسّد فى مقابر الصحابة والتابعين الذين حضروا فى الفتح الإسلامى وعددهم خمسة آلاف صحابى وتابع منهم 70 صحابي ممن شاركوا فى غزوة بدر ومجمع معبد إلياهو النبى بالإسكندرية الذى يضم المعبد وكنيسة القديس سابا من الكنائس التابعة للروم الأرثوذكس فى مصر المعروفة بكنيسة الجرس ومسجد أنجى هانم ومسجد العطارين وقد تمت مشاريع تطوير بهم.

كما تمتلك مصر أربعة طرق تاريخية دينية تعد قيمة عالمية استثنائية، وهى طريق خروج بنى إسرائيل من مصر عبر سيناء وطريق الحج المسيحى القديم من القرن الرابع الميلادى عبر سيناء والمستمر حتى الآن، ومسار العائلة المقدسة من رفح إلى الدير المحرق ودرب الحج المصرى القديم إلى مكة المكرمة عبر وسط سيناء 
وتابع الدكتور ريحان بأن عامل اللغة جزءًا لا يتجزأ من الهوية وطالب بالاهتمام الكبير باللغة العربية وإحياء الصالونات الأدبية والندوات الشعرية وتخصيص جوائز كبرى لها وإحياء وتدريس اللغة القبطية وريثة اللغة المصرية القديمة وإلقاء الضوء على أهميتها إعلاميًا فهى ليست لغة دينية فقط بل هى لغة حضارة وأدب وتمثل جزءًا من الهوية المصرية كما أن الموروثات الشعبية المتفردة فى مصر هى جزء من الهوية ومنها الموروثات الدينية المتعلقة باحتفاليات الحج والعمرة ورحلة العائلة المقدسة وهى فى طريقها للتسجيل تراث عالمى لامادى وكذلك الحكاوى الشعبية الشهيرة والأكلات والمشروبات التى تشتهر بها مصر والمرتبطة بشهر رمضان وعيد ميلاد السيد المسيح وشم النسيم والمولد النبوى والموسيقى والغناء والرقصات المرتبطة بكل مناطق مصر وهى متميزة ويعرفها العالم بأسره مثل التحطيب والبامبوطية والدبكة السيناوية وغيرها، مع الحرص على توثيق وتسجيل هذه الموروثات لتأكيد ملكيتها لمصر وحفظ حقوق ملكية فكرية لها.

واختتم الدكتور ريحان بأن مصر تتميز بنباتات نادرة وأعشاب طبية تحتاج للتسجيل ومواقع تراثية عديدة ارتبطت بأحداث تاريخية وسياسية واجتماعية هامة ومنازل وقصور ارتبطت بالزعماء ومواقع خالدة ارتبطت بمعارك حربية ترصد بطولات المصريين فى مقاومة الاحتلال الفرنسى والإنجليزى إلى جانب أماكن ارتبطت بعلماء وأدباء مثل منطقة الجمالية التى سجلها ووثقها أديب نوبل فى رواياته فهى جزء أساسى من تاريخ مصر وهويتها.