يوميات الأخبار

موسم الهجرة إلى الجنوب

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«إنها قوة مصر الناعمة يا سادة تعود وبقوة، وما يحدث يوميًا، على مدى أسبوعين فى دار الأوبرا المصرية يؤكد ذلك. تحيا مصر»

يبدو أن الفرنسيين وغيرهم من الأوروبيين سوف يعيشون شتاءً صعبًا، قاسيًا هذا العام. أزمة الطاقة التى تسببت فيها الحرب الروسية - الأوكرانية تجعل قادتهم وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون يوجه كلامه، ويكرر توسلاته إلى أمريكا لكى تنقذ دولته من الأزمة الكبيرة التى ستواجهها هذا الشتاء بسبب نقص الغاز وتضاعف أسعاره، كذلك إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، وبلجيكا سوف يواجهون نفس المصير، وذلك الخطر الرهيب الذى ينتظر تلك الدول بسبب النقص فى إمدادات الطاقة، باعتبار أن روسيا هى المورد الرئيسى للغاز فى أوروبا.

الحرب الروسية -الأوكرانية تلقى بظلالها الرهيبة على الأجواء الأوروبية، الرئيس ماكرون وجه كلمته للشعب الفرنسى والحكومة، ذكر فيها جملة «نهاية الوفرة» تلميحًا لقرار خفض استهلاك الطاقة بنسبة 15%. كذلك طالب حكومته بالشفافية وإعلان الحقائق للشعب حتى يكونوا مؤهلين نفسيًا لاستقبال الظروف الصعبة المقبلين عليها بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. أما ألمانيا، أكبر مستهلكة للغاز الروسى فى أوروبا والتى استهلكت العام الماضى 2021 حوالى 48 مليار متر مكعب من الغاز، أى 55% من الغاز المستخدم فى أوروبا، تتخذ الآن العديد من الإجراءات والقرارات استعدادًا لأشهر الشتاء التى ستكون الأقسى والأصعب على معظم الأوروبيين.

البعض يعتبرها فرصة للدول العربية التى تتمتع بجو معتدل شتاء، وعلى رأسها مصر، تونس، المغرب، ودول الخليج العربى مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والأردن. لذلك وصف بعض المحللين الاقتصاديين ما يتوقع أن يحدث نتيجة لهذه الأزمة العالمية فى الوقود بأنه سيشهد «موسم الهجرة إلى الجنوب». واستعار عنوانا لرواية الأديب العربى العالمى الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» ليعبر عن تلك الهجرة العكسية.

بالطبع الهجرة التى قصدها المحلل الاقتصادى ليست دائمة، بل هى هجرة مؤقتة خلال أشهر الشتاء القاسى ويقدر عددها بأربعة إلى خمسة أشهر، قطعًا لن يستطيع كل الأوروبيين النزوح إلى البلاد الدافئة شتاءً، بل سيفعلها كبار السن، والأسر التى ليس لديها أطفال فى المدارس والجامعات، ولا يرتبط عملها بالتواجد فى المكاتب، مثل قطاع كبير من العاملين الذين يؤدون مهامهم أون لاين. أعتقد أن هذا الكلام يتطلب استعدادات قوية، وذكية من المسئولين عن السياحة فى مصر لانتهاز تلك الفرصة القادمة إلينا على طبق من ذهب، وأن يبدأوا من الآن حملة تسويقية موجهة إلى أوروبا على وجه التحديد، تقدم فيها العروض المغرية، والأماكن الخلابة التى تتمتع بها مصر شتاءً وعلى رأسها الأقصر وأسوان ومدن البحر الأحمر الغردقة والجونة ومرسى علم وغيرها. الفرصة أمامكم فانتهزوها.

مهرجان الموسيقى العربية

من أجمل الأشياء التى حدثت فى مصر الأسبوع الماضى، ولاتزال مستمرة معنا لأسبوع قادم أيضا مهرجان الموسيقى العربية الذى تقام حفلاته يوميًا على مسرح النافورة بدار الأوبرا المصرية. الشيء الرائع أن تلك الحفلات المشعة بجمال الفن الأصيل، المزدانة بأجمل الأصوات من كل البلاد العربية تذاع يوميًا على الهواء مباشرة على قناة «الحياة» المصرية ليستمتع بها الملايين من محبى الفن الراقى. شكرًا لدار الأوبرا التى تحرص على إقامة هذا المهرجان المهم سنويًا، ونسخة هذا العام هى رقم 31.

الآلاف يذهبون يوميًا لحضور العرض فى مسرح النافورة والملايين يستمتعون بهذه الروعة فى بيوتهم. كل ذلك يثبت ويؤكد أن مصر بلد الفنون والآداب. بلد الإبداع والجمال، وأن الشعب المصرى هو الذى تمتلئ مقاعد المسرح به كل يوم، والذى يجلس أمام شاشات التليفزيون لمتابعة هذا المهرجان الفريد، المبهر فى تعدد أصواته، وموسيقاه، الذى يشحن كل منا بطاقة جبارة من الإحساس، والنستولوجيا، والتفاعل مع الجمال.

المهرجان هذا العام مميز، منظم، وقوى. وفى رأيى هو من أهم الفاعليات الثقافية والفنية التى تحدث على أرض مصر، وتؤثر تأثيرًا مباشرًا وعميقًا على المواطن المصرى، والعربى فى كل قطر فى وطننا الكبير. إنها قوة مصر الناعمة يا سادة تعود وبقوة، وما يحدث يوميًا، على مدى أسبوعين فى دار الأوبرا المصرية يؤكد ذلك. تحيا مصر.
جشع «التيك توك»

تابعت تحقيقًا استقصائيًا أجرته قناة «BBC» الإخبارية عن قصة غريبة، عجيبة، أبطالها أطفال ونساء ورجال من المهاجرين السوريين فى أحد المخيمات اللبنانية. أما أحداثها فتتلخص فى قيام هؤلاء الأشخاص بتصوير أنفسهم ومشاهد من حياتهم الصعبة التى يتجلى فيها قسوة الظروف التى يعيشون فيها، وفقرهم المدقع فى بث مباشر، على تطبيق تيك توك أملاً فى أن تحرك تلك المشاهد مشاعر الناس فى بلاد العالم، ويرسلوا إليهم التبرعات عبر التطبيق لتساعدهم فى تدبير احتياجاتهم الأساسية.

وبالفعل تلقى هؤلاء الأشخاص تبرعات من بلدان مختلفة، قدرت بمئات الآلاف من الدولارات، طيب.. أين العجب؟، وما هو الغريب فى هذه القصة، إليكم المفاجأة: اكتشف الصحفيون الذين أجروا هذا التحقيق الاستقصائى، أن أكثر من 70% من التبرعات يأخذها «التيك توك» لشركته وما يجاوز الـ 10% تأخذه شركات وسيطة وأقل من 20% فقط من تلك التبرعات هى التى تذهب إلى الفقراء الذين استخدموا هذه المنصة الإليكترونية الشهيرة لجلب التبرعات لأنفسهم!.

أجيال «السناتر»

والله فعلًا «شر البلية ما يضحك». الضجة التى أثارها وزير التربية والتعليم الجديد الدكتور رضا حجازى بالإعلان عن تقنين «السناتر» على حد قوله هو لا أنا! فوزير التعليم لا يريد تقنين الوسيلة التى خربت التعليم فى مصر وضربته فى مقتل، بل إنه فيما يبدو لا يرى فى استخدام كلمة «السناتر» أى حرج!

صحيح أن هذه الظاهرة منتشرة منذ أعوام عديدة، لكن الوزير السابق له مباشرة الدكتور طارق شوقى خاض حربًا ضروسًا لمكافحة تلك المراكز التى ساهمت فى هدم العملية التعليمية فى مصر، وكان الدكتور رضا حجازى وكيل أول الوزارة فى عهده وعاصر كل ذلك، بل شارك فيه، فكيف يأتى بعكس ما آمن به وساهم فى تنفيذه من قبل؟ أم أننا نحب دائماً محو الإنجاز السابق، والبدء من جديد؟

البرلمان المصرى مشكورًا تحرك، وقدم عدد من نوابه طلب إحاطة موجه إلى الوزير. خطوة موفقة ومحاولة لإنقاذ التعليم فى مصر من بين أيدى قراصنة «السناتر». أتمنى أن تتمكن جهود نواب الشعب من فرملة تلك القرارات غير المفهومة، ولا المنطقية للمسئول الأول عن أهم وزارة فى مصر!

تذكرة إلى الجنة

ثنائى مميز وجميل، جورج كلونى وجوليا روبرتس، جمعتهما أفلام كثيرة، مشهورة ومحبوبة فى مصر والعالم كله، وأهمها سلسلة أفلام «أوشنز إيليفن وأخواتها».

ولأننى من عشاق النجمين الكبيرين ذهبت لأشاهد أحدث أفلامهما فى السينما واسمه «تذكرة إلى الجنة «Ticket to Paradise». الفيلم ينتمى إلى الأفلام الكوميدية الرومانسية الخفيفة، أجمل ما يميزه بالإضافة إلى نجميه المحبوبين، التصوير الرائع فى جزيرة بالى.

يقدم الفيلم جزيرة بالى الساحرة كمنتجع خيالى يجذب العشاق المتحمسين لقضاء عطلاتهم فيه، لكن صناع الفيلم لا ينسون أن الجزيرة مكان حقيقى يعيش فيه بشر حقيقيون. يعتبر السكان المحليون عنصرًا رئيسًا فى الحكاية.

قصة الفيلم بسيطة، تنطلق من خوف الآباء المبالغ فيه على أبنائهم. يعترف ديفيد بشعوره بأنه فى أضعف حالاته بينما تعيش ابنته أهم اللحظات فى حياتها، قائلاً: «هذا عندما تشعر بالخوف، لأنك لا تريد أن تتغير الأشياء».

مشهد النهاية فى الفيلم تجسده صورة ثابتة لبطليه جوليا روبرتس وجورج كولونى وهما يقفزان، ربما قصد المخرج والمؤلف أنهما يقفزان من دائرة الخوف والأفكار الجامدة إلى التحرر من كل ذلك بإلقاء نفسيهما فى أحضان الطبيعة ببساطة وتلقائية. طبعًا قصدت ألا أحكى قصة الفيلم حتى لا أفسد عليكم متعة المشاهدة.

خداع واحد ممكن

(نجحت فى تجنب ذلك النوع من الموت الذى عرفه نجيب محفوظ حينما قال: «نحن لا نموت حين تفارقنا الروح وحسب، نموت قبل ذلك حين تتشابه أيامنا، ونتوقف عن التغيير، حين لا يزداد شيء سوى أعمارنا وأوزاننا» فكانت تحرص على أن تتعلم كل يوم شيئًا جديدًا، كما روضت جسدها، فلم تتركه نهبًا لشراهته الغريزية، لكنها سقطت أمام موت جبران الذى قال: «إن الإنسان لا يموت دفعة واحدة، وإنما يموت بطريقة الأجزاء، كلما رحل صديق مات جزء، وكلما غادرنا حبيب مات جزء، وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء، فيأتى الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة، فيحملها ويرحل»).

توقفت كثيرًا عند هذه الفقرة من رواية الأديبة رضوى الأسود التى صدرت مؤخرًا عن دار الشروق وعنوانها «خداع واحد ممكن». المعنى القوى الذى تريد الكاتبة أن نحسه هو الفرق بين أن تحيا وأن تعيش. وذلك الصراع عاشته بطلتها «أحلام» المرأة القوية التى أحبت وصفعتها صدمة تحول الحبيب، وهجرانه. لكنها استجمعت أجزاءها المبعثرة، قاومت واتكأت على ذكائها، ثقافتها، وبالطبع جمالها فى أن تمضى فى الحياة لتبحث عن إجابات لأسئلة كونية، فى رحلتها لاكتشاف ذاتها، وحقيقة ما تريده حقاً، وما تفرضه عليها الأقدار من مسارات.

الصراع بين أحلام وحبيبها الذى كسر حلمها، لم يكن هو الصراع الوحيد على امتداد الرواية، ورغم ارتباط أحلام برجلين بعد نهاية قصتها مع حازم إلا أن الرحلة التى خاضتها معه بين موانئ المتوسط فى أوروبا احتلت جزءًا كبيرًا من أحداث الرواية، ومنحتنا نحن القراء متعة رؤية أماكن خلابة بعيون الكاتبة، ممزوجة بمعلومات وثقافة حية مرتبطة بشعوب وعادات وأكلات وأماكن أجادت الكاتبة وصفها. الرواية ممتعة وشائقة، لأنها تحمل أكثر من مستوى للتلقى لا يخلو أحدهم من الإثارة والعمق.

كلمات:

الاعتراف يا عزيزتى بأمر جلل كالذى سأدلى به أمامك الآن يحتاج إلى شجاعة، وأنا الآن أستحضرها وأستنفرها.. صحيح أنك استأمنتينى على أدق وأخطر أسرارك، لكنك أشجع منى.. دعينى أعترف بذلك.. دعينى أرفع القبعة لك ولنساء مثلك عرفتهن فى حياتى يملكن الشجاعة فى التعبير عن أنفسهن إذا ما قررن ذلك، فالمرأة القوية تتحدى الظروف، وتكسر كل القواعد إذا ما أرادت حقًا، وإذا كانت لديها قناعة داخلية بما تفعل أو تريد.
من رواية «الزمن الأخير»