تاريخ القصور الملكية.. حكاية قصر الأميرة الزاهدة "نعمة الله توفيق"

الأميرة نعمت الله توفيق
الأميرة نعمت الله توفيق

وُلدت الأميرة نعمة الله توفيق عام 1881 وتوفيت عام 1966، ودفنت في جنوب فرنسا، وهي ابنة الخديوي توفيق بن إسماعيل بن محمد علي باشا، وقد حكم مصر منذ 1879 إلى عام 1892.

وقد حكم السلطان حسين كامل مصر بقرار من الحكومة البريطانية لمدة ثلاث سنوات من عام 1914 إلى عام 1917 فترة الحرب العالمية الأولى، ثم خلفه في حكم البلاد الأمير أحمد فؤاد شقيقه ووالده وآخر ملوك مصر الملك فاروق الأول.

عاشت الأميرة حياة زهد وتقشف أثناء إقامتها بالقصر، ويرجع ذلك إلى اهتماماتها الصوفية وحياة التأمل والزهد، قبل أن تقرر الانتقال لمبنى صغير مجاور للقصر، وأهدت قصرها إلى وزارة الخارجية المصرية فى عام 1930، ليكون مقراً رسمياً جديداً لها.

قصر الأميرة نعمة الله توفيق، يقع بالقرب من ميدان التحرير بوسط القاهرة، ويعتبر قصر التحرير ثاني مقر شاهدا على دور الدبلوماسية المصرية، حيث انتقل مقر وزارة الخارجية إلى هذا القصر، بعد أن كان مقرها الأول قصر البستان بباب اللوق.

 

الأميرة نعمت الله توفيق هي أيضاً شقيقة الخديوي عباس حلمي الذي حكم البلاد من عام 1892 إلى 1914 الذي خلفه السلطان حسين كامل والد زوجها كمال الدين.

 

تاريخ القصر:

ويضم الطابق الأول صالون به صور للأسرة العلوية، وصور رؤساء الجمهورية ووزراء الخارجية قبل الثورة وبعدها، وقاعة بها صور شهداء وزارة الخارجية، وجوازات سفر الوزراء وأعضاء الوزارة، بالإضافة لصالونات استقبال وحجرة لعدد 48 فرداً.
 
والطابق الأرضي يضم مكتب الوزير وقاعة الاجتماعات الكبرى وأخرى للمؤتمرات الصحفية بها نظام ترجمة فورية وكذلك يوجد عدة صالونات لاستقبال الزوار وحجرة طعام كبرى لعدد 24 فرداً أما المدخل الخلفي فيحتوى على بعض الصور للمراحل المختلفة لتشيد القصر.

قام بتصميم هذا القصر الإيطالى انطونيو ليشياك (1856- 1946)، أحد أبرز المهندسين المعماريين الذين عملوا في مصر، واعتمدت عليه العائلة المالكة في تشييد قصورها، وأصبح في عام 1907 رئيس مهندسي القصور الملكية. 
 
مزج المهندس الإيطالي في هذا المبنى بين الجمال والرقة والدقة والعناية بالتفاصيل في جميع أجزائه، واهتم بتوزيع الظل والنور، وكان قد تم تشييد القصر في الأساس لإقامه الأميرة نعمة الله توفيق.

تم استخدام الحوائط الحاملة في بناء قصر التحرير، والتي تراوح سمكها من البدروم حتى الطابق الأرضي بين 120 إلى 80 سم، بينما يتراجع السمك كلما ارتفعنا فى الطابق الأول، حيث يصل السمك إلى 60، أما واجهات المبنى فجرى فمزينة بعقود نصف دائرية وكرانيش وتيجان، وفي الخمسينيات تم بناء دور جديد استخدمت فيه الخرسانة المسلحة.

أبرز المعلومات عن الأميرة نعمة الله توفيق:

 تزوجت الأميرة نعمة الله توفيق بهذا القصر من زوجها الأول الدبلوماسي وابن عمها الأمير محمد جميل طوسون وأنجبت منه ولدها الوحيد الأمير عادل طوسون وقد إنتهي هذا الزواج بشكل ودي بالطلاق في شهر فبراير عام 1903م وبقيت مقيمة في قصرها وعلاوة على ذلك أعاد جميل طوسون إليها مساحة 1300 فدان.

كما تنازل لها عن بعض الأفدنة من أملاكه التي كانت تقترب من 2000 فدان حيث ظلت حاضنة لابنها منه وحيث أن الأسرة كانت غير راغبة في أن تظل الأميرة نعمة الله مطلقة فقد تزوجت من الأمير كمال الدين حسين إبن عمها السلطان حسين كامل.

حيث كان من تقاليد الأسرة أن يكون زواج الأميرات مقصورا على أمراء من داخل العائلة المالكة وبهذا الزواج أصبح يطلق على القصر اسم قصر الأمير كمال الدين حسين.

والذي ولد في يوم 20 ديسمبر عام 1874م وهو الابن الوحيد الذكر للسلطان حسين كامل والوحيد الذي حمل لقب سلطان طوال مدة حكمه لمصر والتي كانت فترة قصيرة أقل من 3 سنوات بقليل خلال المدة من شهر ديسمبر عام 1914م وحتى وفاته في شهر أكتوبر عام 1917م ووالدته هي الأميرة عين الحياة الزوجة الأولى للسلطان حسين كامل وهي ابنة عمه الأمير أحمد رفعت وكان السلطان حسين كامل قد انطلق من قصر ابنه الذي نتحدث عنه في موكب تنصيبه سلطانا على مصر في شهر ديسمبر عام 1914م في ظروف احتفالية عادية والتي كان ينبغي أن يتم إدخال السعادة فيها للقصر.

ولكن كان الأمر عكسيا تماما حيث أن ما حدث أن السلطان حسين كامل إضطر أن يقبل حكم مصر بأمر من بريطانيا التي كانت تحتل مصر حينذاك كما قامت بإعلان الحماية عليها بعد أن قامت بخلع الخديوي عباس حلمي الثاني شقيق الأميرة نعمة الله توفيق زوجة ابنه بعد أن لوحت بريطانيا باحتمال تنصيب شخص آخر مسلم الديانة ملكا على مصر ليس بالضرورة أن يكون مصريا أو أن يكون من الأسرة العلوية وكانت تقصد أغا خان الثالث الهندي الأصل بوصفه من رعايا بريطانيا التي كانت تحتل الهند.

أيضا حينذاك وبالفعل وصل إلى ميناء السويس ثم إلى القاهرة في ذلك الوقت فوجد السلطان حسين كامل نفسه في مأزق فعدم قبوله العرش قد يترتب عليه ضياع الحكم للأبد من الأسرة العلوية إلى جانب تنصيب شخص غير مصري حاكما لمصر وعليه إضطر السلطان حسين كامل علي مضض وبعد استشارة أصدقائه من ذوي الخبرة والحنكة كان على رأسهم محمود سليمان باشا والد محمد محمود باشا الذي تولى رئاسة الوزارة بعد ذلك مرتين كانت المرة الأولى في عهد الملك فؤاد الأول عام 1928م والمرة ثانية في عهد الملك فاروق في أواخر عام 1937م أن يقبل تنصيبه سلطانا على مصر وأن يحل محل شقيق زوجة ابنه الأميرة نعمة الله توفيق الخديوي عباس حلمي الثاني.

والذي كان حينذاك في المنفى يتمنى انتصار ألمانيا ليعود إلى مصر وإلى عرشه ولكن ماحدث أنه لم تطأ أقدامه مصر مرة أخرى ولم يعد إليها إلا بعد وفاته ليدفن في ترابها عام 1944م كما كان هناك عامل تعيس آخر ألقى بنفسه على حياة الأمير كمال الدين حسين وزوجته الأميرة نعمة الله توفيق وهو أنهما لم يرزقا أطفالا.

فكان القصر عش حزين فارغ مع أن هذا القصر في هذا الوقت كان هو قصر الوريث الوحيد للعرش المصرى وبدلا من أن يهتم الأمير كمال الدين حسين بمسؤولياته الأميرية كوريث لعرش مصر اهتم أكثر بالرحلات عبر الصحراء والسفر إلى بلدان شتى في العالم وجمع التحف الشرقية ولم يمض من وقته في القصر الكثير ولم يهتم بأمور الدولة ثم اتجه إلى الطرق الصوفية الدينية الألبانية ودعمهم دعما كبير وكان قصره مقرا لعدة لقاءات معهم وبعد فترة هجر الحياة العامة.

وأصبح بلا طموحات وتخلى عن العرش قبل ساعات من وفاة والده السلطان حسين كامل في شهر أكتوبر عام 1917م لعمه وعم زوجته السلطان فؤاد الأول الذي أصبح الملك فؤاد الأول بعد تصريح 28 فبراير عام 1922م وإعلان استقلال مصر وإعلانه ملكا على المملكة المصرية.


وفي عام 1924م كان قصر الأمير كمال الدين حسين والأميرة نعمة الله توفيق مسرحا لعرس كبير عندما تزوج ابنها من زوجها الأول الأمير عادل طوسون من أمينة عبد الرحيم صبري شقيقة الملكة نازلي زوجة الملك فؤاد الأول وبعد عام حلت كارثة أخرى بالقصر عندما ماتت العروس بعد الولادة وانتقل الأمير عادل طوسون الذي ترمل في عز شبابه إلى لندن.

حيث كان اتصاله الوحيد بمصر من يومها عن طريق السفارة المصرية الملكية وهكذا مرة أخرى ترفض السعادة أن تدخل هذا القصرأما الرجل الذي كان يفترض أن يكون ملكا على مصر فقد توفى في تولوز في فرنسا عن عمر يناهز 58 عاما.

وذلك يوم 6 أغسطس عام 1932م بسبب مضاعفات بتر ساقه بعد أن اضطر الأطباء إلى ذلك بعد إصابته بجلطة في الساق وكانت رغبة الأمير كمال الدين حسين الوحيدة أن يدفن في قبوة بنيت خصيصا له في تلال المقطم بالقرب من سكن الدراويش وبعد وفاته دخل القصر في حالة حداد إلى أن باعت الأميرة نعمة الله توفيق أرملته القصر عام 1938م إلى وزارة الخارجية المصرية لتتخذه مقرا جديدا لها والتي كانت تشغل قبل ذلك مبني في شارع البستان كان في الأصل قصرا يمتلكه الملك فؤاد الأول وكان هو أول مقر رسمي لها وقد أصبح مكانه اليوم موقف للسيارات متعدد المستويات وقد واكب المقر الجديد للوزارة بعد انتقالها إليه العديد من الأحداث الهامة في تاريخ مصر منها مفاوضات الجلاء عن مصرعام 1954م وحرب السويس عام 1956م وغيرها من الأحداث الهامة خلال القرن العشرين الماضي.

وقد ظلت وزارة الخارجية المصرية تشغل قصر الأميرة نعمة الله توفيق حتى تم بناء المقر الجديد لها على كورنيش النيل بحي بولاق بالقاهرة وانتقلت إليه عند إفتتاحه عام 1994م في عهد وزير الخارجية عمرو موسي وهو مبنى عملاق من أعمال شركة المقاولون العرب مقام على مساحة قدرها 4800 متر مربع ويتكون من عدد 42 دور بارتفاع قدره 143 متر وإجمالي مسطحات أدواره 73 ألف متر مربع ويتكون من بدروم بكامل مسطح المبنى يليه قاعدة مكونة من عدد 6 أدوار بها المدخل و3 قاعات إجتماعات ومكاتب وباقي الأدوار عددها 30 دور بها خدمات الوزارة والمكاتب الإدارية ثم يعلوها عدد 4 أدوار ردود تضم قاعة اجتماعات كبرى وصالتي مطالعة والحاسب الألى ومطعم وكافيتريا يعلوها طابقان لماكينات التكييف المركزى وماكينات المصاعد والدور الأخير يعلوه مهبط للطائرات الهليكوبتر.

وبعد انتقال وزارة الخارجية إلى هذا المقر الجديد أصدر عمرو موسى وزير الخارجية حينذاك أمرا بترميم المقر القديم للوزارة لاستخدامه كمقر لإستضافة وإقامة وفود وزارة الخارجية واستمرت عمليات الترميم خلال فترة تولي أحمد ماهر منصب وزير الخارجية من بعده وفي أثناء تولي أحمد أبو الغيط وزارة الخارجية بعد الوزير أحمد ماهر واصل الاهتمام بعملية ترميم القصر بما يحافظ على الواجهات المعمارية له والعودة بالقصر إلى عراقته واختيار الأثاث والمفروشات والتحف التي سيتم عرضها به وإعادة ترميم القديم والتالف منها داخل القصر.