أمريكا فى قبضة حفنة أغنياء.. تفاصيل

مارك زوكربيرج
مارك زوكربيرج

كتبت: دينا توفيق

اإنهم يعيشون، نحن ننامب، هكذا عكس المخرج الأمريكى اجون كاربنترب حقيقة ما يدور بالعالم وما يتجه إليه فى فيلمه الشهير اهم يعيشونب عام 1988، الذى كان بمثابة تحذير للبشر، لكن لم يدركه أحد، حتى مع تصاعد الأحداث بين روسيا وأوكرانيا، التى أشعلتها واشنطن، وما ترتب عليها من أنين العالم بسبب نقص المواد الغذائية والطاقة، وما تعيشه أوروبا الآن من قلق مع اقتراب قدوم فصل الشتاء وحدوث أزمة شديدة فى إمدادات الغاز والوقود.. تسعى الولايات المتحدة إلى فرض سيطرتها والتوسع، حيث ترفض واشنطن التخلى عن استراتيجيتها فى الحرب الباردة بمحاولة تطويق روسيا وعودة أوروبا لتبعيتها مرة أخرى حتى تحين اللحظة للانقضاض على الصين، كل ذلك من خلال حفنة من أصحاب المصالح والأثرياء.

لقرون حتى الآن، يُعتقد أن كل قوة العالم فى أيدى عائلات أمريكية؛ إنهم الأقوى والأكثر ثراءً يصممون السياسة الأمريكية ومن ثم السيطرة على العالم، تصوب الأنظار نحوهم عندما تندلع الأزمات والتفكير فى نظريات المؤامرة، لقد فازت هذه العائلات باللعبة الاقتصادية، وقاموا بتشكيل المجتمع وفقًا لأهوائهم، سيطر نادى المليارديرات على الساحة العامة، وتحكمت المصالح الخاصة والسلالات المصرفية فى واشنطن ومن ثم السياسة العالمية. 

الامتداد الأوروبى

كتب المحلل السياسى البرازيلى امونيز بانديراب أن الولايات المتحدة اعتمدت اعلى ركيزتين أساسيتين فى توسعها والسيطرة على العالم، هما الناتو، المكون من الدول الأوروبية الخاضعة لإرشادات واشنطن؛ والاتحاد الفيدرالي، المعنى بطباعة الدولار، العملة الاحتياطية الموحدة فى العالم. تأسس مجلس الاحتياطى الفيدرالى االبنك المركزىب عام 1913، ومقره واشنطن. فى عام 2012 على سبيل المثال، جمع الاحتياطى الفيدرالي، الذى يسيطر عليه فعليًا بعض البنوك الأكثر نفوذاً فى الغرب، ما لا يقل عن 9٫5 تريليون دولار، وهو ما يمثل حوالى 65٪ من إجمالى الناتج المحلى السنوى للولايات المتحدة. يعتقد عدد كبير من الأمريكيين أن الاحتياطى الفيدرالى مؤسسة مصرفية تسيطر عليها الحكومة، ولكن فى الحقيقة هو مؤسسة تشرف عليها المصالح الخاصة وأكبر البنوك الأمريكية مثل اجولدمان ساكسب واسيتى جروبب واولز فارجوب وابنك أمريكاب واجى بى مورجان تشيسب.

كما ترتبط هذه البنوك الأمريكية ارتباطًا وثيقًا بنظرائها الأوروبيين مثل ادويتشه بنكب واباركليزب وابى إن بى باريباب. كما تتشابك مع بنك الاحتياطى الفيدرالى والبنوك الأخرى شركات الطاقة متعددة الجنسيات اإكسون موبيلب وابريتيش بتروليومب وارويال داتش شلب واشيفرونب. ويقع بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك تحت سيطرة 8 عائلات مصرفية؛ 4 فقط من هذه السلالات تنحدر من خلفيات أمريكية وهم اجولدمان ساكسب، واروكفلرب، واليمان براذرزب، واكون لوبب. كانت هذه العائلات لا تزال تسيطر بشكل خاص على الاحتياطى الفيدرالى حتى القرن الحادى والعشرين. لقد استمروا فى السيطرة على النظام المالى الدولي، وأصبحوا أكثر ثراءً فى أعقاب الأزمة المالية 2008. 

البنوك والسلاح

تمول هذه البنوك صناعة الأسلحة داخل الولايات المتحدة، وفقًا لمعهد بروكينجز فى واشنطن، منذ سنوات الحرب العالمية الثانية حتى عام 2007، أنفقت الحكومات الأمريكية ما مجموعه 22٫8 تريليون دولار على الأسلحة التقليدية والنووية. ومنذ عام 2007 فصاعدًا، أنفقت واشنطن تريليونات أخرى على المعدات العسكرية، حيث تتوسع ميزانية الأسلحة الأمريكية. كان هذا الإنفاق موضع ترحيب كبير من مصنعى الأسلحة والبنوك. يعمل البنك المركزى الأمريكى خارج سيطرة الكونجرس. ولا يوجد تدقيق فى حساباته، وقد تلاعب مجلس محافظى الاحتياطى الفيدرالى بائتمان الولايات المتحدة، التى ارتفع دينها إلى 17٫9 تريليون دولار فى أكتوبر 2014. 

وقبل نصف قرن من الزمان، اقترح مستشار السياسة الخارجية ازبيجنيو بريجنسكيب، على المصرفى اديفيد روكفلرب أنه سيكون من الحكمة إنشاء اللجنة الثلاثية، التى تأسست عام 1973، منظمة عولمة مناهضة للديمقراطية، التى ساعدت فى حفاظ واشنطن على سلطتها على حلفائها الأوروبيين والآسيويين، مع تسليم وسائل القوة إلى الجيش الأمريكى وحلف شمال الأطلسي. وعندما خلف اجورج بوشب ابيل كلينتونب كرئيس فى يناير 2001، سعى بوش إلى تمديد ولاية الناتو بوتيرة أسرع من كلينتون، حيث انضمت 7 دول أوروبية إلى الناتو خلال رئاسة بوش، ليس لأسباب أمنية، ولكن من أجل زيادة الهيمنة الأمريكية وتوسيع سوق صناعة الحرب. كما خطط بوش لضم أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو، وهو طموح تم التعبير عنه بوضوح فى أبريل 2008 فى مؤتمر الناتو برومانيا.

الثورات الملونة

وفى محاولة واشنطن لإلغاء النفوذ الروسي، أرسلت إدارة بوش 200 مستشار عسكرى أمريكى إلى جورجيا، الدولة القوقازية التى تحد روسيا مباشرة من الشمال. بصرف النظر عن أهميتها الاستراتيجية على الخريطة، تعد جورجيا مركزًا لنقل النفط حيث تمر البنية التحتية مثل خط أنابيب باكو - تبليسى - جيهان، والذى تساهم فيه شركة بريتيش بتروليوم. وبعد أربعة أشهر من قمة الناتو فى رومانيا، شنت روسيا تدخلاً عسكريًا فى جورجيا. تم تنفيذه، من بين أسباب أخرى، من أجل حماية سيادة روسيا وأمنها على طول حدودها. تم قصفهم من قبل القوات الجوية للرئيس الجورجى اميخائيل ساكاشفيليب، الذى تلقى المساعدة العسكرية من واشنطن.

ومن خلال الاتفاق مع إدارة بوش، كان البنتاجون يصوغ سياسة الاحتواء الجديد لروسيا، واعترفوا بجورجيا على أنها حجر شطرنج رئيسى فى ذلك. كان الهدف محاولة منع روسيا من أن تصبح القوة المهيمنة مرة أخرى فى القوقاز. ومما زاد من تأجيج الاضطرابات فى جورجيا منظمات مقرها الولايات المتحدة مثل الصندوق الوطنى للديمقراطية (NED) والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبيت الحرية ومعهد المجتمع المفتوح بتمويل من الملياردير اجورج سوروسب. وخلال فترة 3 أشهر فى خريف عام 2003، قام معهد المجتمع المفتوح التابع لسوروس بتحويل 42 مليون دولار لإثارة ما يسمى بثورة الورد فى جورجيا فى نوفمبر 2003. وقد لعب سوروس والمجموعات المذكورة أعلاه دورًا فى تمكين حكومة ساكاشفيلى الموالية للغرب لتولى السلطة فى يناير 2004. 

وبالمثل، استثمر البنتاجون ملايين الدولارات فى ما أطلق عليه اسم الثورات الملونة، التى حرضت عليها القوى الغربية فى مناطق أخرى، مثل االثورة البرتقاليةب الأوكرانية. وواصلت واشنطن هذه الإجراءات من خلال قيادة الشئون المدنية والعمليات النفسية بالجيش الأمريكى ووزارة الخارجية الأمريكية والمنظمات غير الحكومية مثل فريدوم هاوس وNED. 

ما يريده الأثرياء

ووفقًا لصحيفة االجارديانب البريطانية، فى استنتاج توصلت إليه دراسة عام 2014 من قبل اثنين من علماء السياسة الأمريكيين البارزين، الذين جادلوا بأن تأثير النخب الاقتصادية والشركات الكبرى يفوق بكثير تأثير المواطنين العاديين. من وجهة نظرهم، فإن أمريكا ليست معقلًا للديمقراطية التمثيلية بقدر ما هى أمة تحطمها رغبات الأثرياء. بلغت الثروة المجمعة لأكبر 400 ملياردير فى أمريكا 2٫7 تريليون دولار عام 2017، وهو أكثر من إجمالى الناتج المحلى لإيطاليا 1٫8 تريليون دولار أو فرنسا 2٫5 تريليون دولار، بحسب بيانات افوربسب.

والآن لعب التغيير التكنولوجى والثروات التى خلقها الأثرياء دور الحكم والوسيط والممول ليس فقط بالمعلومات التى تغذى المجتمع، وفقًا لصحيفة اواشنطن بوستب. يتم إنتاج المعلومات التى تتناولها الدورات التدريبية عبر هذه شبكات المنصات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام وغيرها بشكل متزايد من قبل المنشورات التى يسيطر عليها أصحاب المليارات وغيرهم من الأسر الغنية، الذين ملأوا الفراغ من انهيار سوق الصحافة الربحية بمجموعات مختلفة من المصلحة الذاتية. وقال الباحث فى معهد بروكينجز اداريل ويستب، عن أقطاب المعلومات الجديدة: اأن المسألة الآن تعتمد بشكل كبير على الأهواء الشخصية للأثرياء، وهناك عدد قليل جدًا من الضوابط والتوازنات عليهمب. السيناتور الجمهورى اتيد كروزب، الذى انتقد منذ شهور مخاطر ما أسماه االأباطرة فى وادى السيليكونب بفرض رقابة على الأخبار والآراء، وصف محاولات شراء اإليون موسكب تويتر اأهم تطور بالنسبة لحرية التعبير منذ عقودب. فى غضون ذلك، كان رد فعل النشطاء الليبراليين وحتى بعض موظفى تويتر مخاوف من أن المزيد من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، المحمى إلى حد كبير بموجب القانون الفيدرالي، قد يتدفق بسرعة أكبر فى مجرى الدم الفكرى فى البلاد.

غزو وسائل الإعلام

فيما قام مليارديرات آخرون بتمويل أجزاء أوسع من العملية الديمقراطية فى الولايات المتحدة، متجاوزين حتى دورهم الضخم كمانحين للحملات والمنظمات السياسية. أنفق امارك زوكربيرجب 419.5 مليون دولار لتمويل مدراء الانتخابات خلال انتخابات 2020، مما أثار غضب الجمهوريين وهتافات الديمقراطيين. قام العديد من أقرانه المليارديرات بتوسيع استثماراتهم فى الصحافة والإعلام، بهدف فى كثير من الحالات لتشكيل فهم الناخبين لمكانهم فى العالم. اشترت لورين باول جوبز مؤسسة شركة اإمرسون كولكتيفب وأرملة استيف جوبزب، المؤسس والرئيس التنفيذى السابق لشركة اآبلب، حصة أغلبية فى مجلة أتلانتيك عام 2017. اشترى الرئيس التنفيذى لشركة اسيلزفورسب مارك بينيوف مجلة اتايمب عام 2018. فيما أنفق مؤسس شركة مايكروسوفت ابيل جيتسب عشرات الملايين من الدولارات من خلال مؤسسته لتمويل الصحافة بشكل مباشر فى االإذاعة الوطنية العامةب التى تغطى القضايا التى يهتم بها، مثل الصحة والبيئة. لكن هذه ليست سوى أحدث غزوات الأثرياء فى ملكية وسائل الإعلام التقليدية. من قبلهم قام روبرت مردوخ بأول عملية شراء له فى الولايات المتحدة عام 1976 عندما اشترى صحيفة انيويورك بوستب قبل إطلاق افوكس نيوزب والتوسع فى اوول ستريت جورنالب، بينما أنشأ ابلومبرج إل بيب عام 1981.

 أدى دور شبكات التواصل الاجتماعي، التى حلت إلى حد كبير محل الصحف المطبوعة باعتبارها الطريقة التى يحصل بها معظم الأمريكيين على معلوماتهم، إلى تعقيد المشكلة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى قلة عدد الشبكات المهيمنة. أظهر استطلاع أجراه امركز بيو للأبحاثب الأمريكى عام 2019 أن 62% من الأمريكيين شعروا أن شركات وسائل التواصل الاجتماعى لديها اسيطرة كبيرة جدًا على الأخبار التى يراها الناسب. قال أستاذ العلوم السياسية ابريندان نيهانب الذى درس المعلومات المضللة وتأثيرها على الديمقراطية، إن وسائل التواصل الاجتماعى تسمح لزوكربيرج وماسك بأن يكون لهما اتأثير أكبر على تدفق المعلومات فى تاريخ البشريةب.

أقرأ أيضأ : وول ستريت جورنال: أمريكا قد تواجه ركودا اقتصاديا وارتفاعا في البطالة