أحمد منتصر يكتب: خارج الوقت

أحمد منتصر
أحمد منتصر

ليس من الرائع أبدًا أن تحاول مصادقة الوقت، لأنه لم ولن يكون صديقًا.. الوقت يقطعنا لنصفين ثم إلى أنصاف أخرى فتصير أجزاؤنا متناثرة عبر أزمنة مختلفة، أجزاء لا تقوى ولا تمارس سوى الانتظار - هو ابن الوقت- وربما حنين مدفوع من الذاكرة، حتى أنه لا يمكن استعادة لحظة ما من دون الذاكرة، وهى كل ما لدينا وما يتركه الوقت لنا ولكنها فى أغلب الأحيان وبفعل الوقت أيضا تبدو كقطع عشوائية لا منطق لها.

الوقت هو الركن الثابت فى كل معادلات الحياة، فنحن فى عملية مقايضة أزلية معه.. كل شىء نظيره الوقت، فهو يقايضنا العدم بالحياة، البداية بالاستمرار، الحاضر بالماضى، الأيام بالعمر، الرغبة بالحرية، الشغف بالملل، الاكتفاء بالفقد، المصير بالقدر، الخبرة بالحكمة، والمعرفة بالإدراك ليتركنا الوقت على يقين تام أنه كلما عرفنا أكثر، أدركنا أننا لا نعرف شيئًا مُطلَقًا.

لا شيء يقع خارج الوقت ولو أن هناك ما يقع خارجه فهى أحلامنا المؤجلة وآمالنا المتراكمة، قصص إخفاقنا ونتائج محاولاتنا الفاشلة.. خارج الوقت هو ما يجب أن نكون عليه وما نحاول جاهدين الوصول إليه.. ولكنه الوقت؛ ليس لنا مكان خارجه سوى بالخيال فهو سلاح الهاربين والمبدعين والحالمين والمنطقة الآمنة التى يمكننا أن نستريح بها ولو قليلًا من معاناة الصراع الدائم بيننا وبين الوقت.

أما عن داخل الوقت فهى المنطقة الممتدة ما بين نقطتى البداية والنهاية، تلك المنطقة (ميدان الحياة) التى ينبغى للمرء أن يتقن التواجد فيها، وإلا ستمر عليه كل الأشياء دون اختيار منه ليكون هو الخيار وليس من يختار، حتى يصير شيئًا من بين الأشياء، وستقتله لا شيئية ممنهجة أعدها الوقت له ويصعب التخلص منها، ليصبح فى النهاية كبقايا نجم انفجر وتناثرت أجزاؤه فى فضاء مظلم شاسع.